“مآذن يتيمة” فقدت مساجدها إبان الاحتلال اليوناني لغربي تركيا

مدينة بيلجيك، مدينة تركية هجّر سكانها بعد تسوية مدينتهم بالأرض خلال الاحتلال اليوناني ما بين أعوام 1921-1922، ثم عادوا إلى مدينتهم ليشيدوا مدينة جديدة قربها عرفت باسم “بيلجيك الجديدة”.

تشمخ تلك المآذن، التي باتت تمثل رمزًا لبيلجيك، في موقع كان مركزًا للمدينة القديمة، قبل أن يصبح حاليًا موقعًا تاريخيًا وآثريًا، بعد تدمير المدينة بالكامل على يد الاحتلال اليوناني.

بعد أن عاد أهلها إليها وأسسوا من جديد مدينة بيلجيك الجديدة، أطلقوا على مركز مدينتهم القديمة اسم “يانيق لر”، وتعني المحروقة.

ووفقًا لمعلومات جمعها مراسل الأناضول، من أبحاث أجرتها مديرية الثقافة والسياحة في ولاية بيلجيك ومديرية الأوقاف في ولاية بورصة، فإن الاحتلال اليوناني دمر خلال سيطرته على المدينة 5 مساجد وهي، عثمان غازي، وأورخان غازي، وآق قالديرم، وأميرلر، وقره جه لر، ولم يبقَ من تلك المساجد سوى 5 مآذن تقف شاهدة على المدينة القديمة.

وبدأت المديرية العامة للأوقاف في الولاية، ما بين السنوات 2013-2015 بإجراء أعمال تنظيف وحفظ المنطقة الآثرية، وعثرت في الموقع أثناء العمل، على الكثير من المواد الخشبية المستخدمة في المساجد، التي احترقت بفعل قصف المدينة، وبقايا الرصاص المستخدم ضد السكان.

مئذنة مسجد أورخان غازي، التي شيّدت في القرن الرابع عشر الميلادي، ما تزال إلى يومنا هذا شامخة فوق صخرة وسط المدينة.

المئذنة التي بنيت قبل 700 عام، على بعد 30 مترًا عن المسجد لتوصل صوت الأذان إلى أكبر عدد من السكان، بقيت بعد الاحتلال اليوناني وحيدة لسنوات، إلى جانب شقيقاتها مآذن بيلجيك.

تلك المآذن التي باتت تسمى بـ “المآذن الحزينة”، باتت تشكل رمزًا لبيلجيك، ومركز جذب للسياح القادمين إلى المنطقة.

وفي حديث أدلى به للأناضول، قال هاقان قارشي ياقا، عضو الهيئة التدريسية في جامعة الشيخ أده بالي التركية، إن مدينة بيلجيك القديمة كانت تقوم في قلب وادٍ، تتناثر البيوت والمساجد على جنباته.

وأضاف: مآذن المساجد في بيلجيك بنيت بطول 30 مترًا، بما في ذلك مسجد “أورخان غازي” (ثاني سلاطين آل عُثمان أورخان بن عُثمان)، الذي بني ما بين أعوام 1331-1332.

وتابع قارشي ياقا: “حوَّل الاحتلال اليوناني (عام 1921) هذا المسجد التاريخي إلى مستودع للأسلحة، وقد تعرض هذا المسجد للكثير من الدمار. وجرى ترميمه بعد تحرير المدينة في العهد الجمهوري”.

وأضاف: “أما مساجد عثمان غازي، وآق قالدريم، وأميرلر، وقره جه لر، فقد دمِّرت من قبل الاحتلال اليوناني بالكامل ولم يبقَ منها سوى مآذن فقدت مساجدها”.

يشار أن القوات اليونانية، وبتشجيع ودعم من القوات الأوروبية، أطلقت في 15 مايو/ أيار 1919، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (28 يوليو/ تموز 1914 – 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1918)، حملة لاحتلال منطقة الأناضول وإجلائها من الأتراك بدءًا من مدينة إزمير المطلة على بحر إيجة غربي تركيا.

انتهت الحملة بعد خسائر متتالية منيت بها القوات اليونانية على يد القوى الوطنية بقيادة مؤسس الجمهورية التركية لاحقًا، مصطفى كمال باشا، حيث تكبدت تلك القوات خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وتراجعت بعد خسارتها للمعارك في الأناضول، لتعلن انسحابها من مدينة إزمير في 9 سبتمبر/ أيلول 1922.

ويطلق المؤرخون الأتراك على تلك الحقبة اسم الاحتلال اليوناني للأناضول، فيما يطلق عليها المؤرخون اليونان اسم “نكبة آسيا الصغرى”.

وبعد الحرب العالمية الأولى، واحتلال الإنكليز لعاصمة الدولة العثمانية إسطنبول، التف الأتراك حول القوى الوطنية التركية (قوات شبه عسكرية تتبع لمجلس الأمة التركي الكبير المنعقد في مدينة أنقرة) بقيادة الضابط العثماني مصطفى كمال باشا (مصطفى كمال أتاتورك)، وقاتلوا ضد القوات اليونانية، والإنكليزية، والأسترالية، والفرنسية، والإيطالية والعصابات الأرمينة المتحالفة مع القوات الغازية، في معارك عرفت باسم “حرب الاستقلال”، والتي خاضها الشعب التركي في ظل ظروف قاسية على جبهات كثيرة ومختلفة بمنطقة الأناضول الواسعة، وتمخضت عن طردهم وإعلان الجمهورية التركية عام 1923.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.