هذا ما دار بين قاتل السفير الروسي ووالدته يوم الهجوم!

يتذكر سكان بلدة سوكي التركية الذين يعرفون مولود ألطنطاش -الشاب الأنيق حليق اللحية الذي اغتال السفير الروسي هذا الأسبوع- شاباً منعزلاً صموتاً، رفضت الجامعة قبوله مرتين قبل أن يترك بلدته ليلتحق بالشرطة.

كان ألطنطاش يبلغ من العمر 22 عاماً عندما أطلق النار على السفير أندريه كارلوف من الخلف في معرض للفنون بأنقرة قبل أن تقتله الشرطة. لم يتعرف سوى قلة من أهالي سوكي على الشاب الذي كان يرتدي حلة داكنة ورابطة عنق والذي وقف بجوار جثة السفير يردد هتافات جهادية.

بالنسبة لأسرته وأسرة السفير كانت الواقعة مأساوية.

قالت جارة من المنزل المجاور، تحدثت إلى رويترز من خلف بابها المغلق وقطع بكاؤها الحديث عدة مرات: “كنت أُكنّ الاحترام لابنهم”. وأضافت: “كان مهذباً وهادئاً. كان شاباً لطيفاً للغاية”.

وقالت الجارة: “عندما جاءت الشرطة إلى الباب تصورنا أنه قُتل في أثناء تأدية عمله وأنهم جاءوا لإبلاغ أسرته باستشهاده. انهارت الأم عندما سمعت الخبر”.

وشهدت وحدة الشرطة التي كان يعمل بها ألطنطاش (وحدة مكافحة الشغب) عملية تطهير أطاحت بقائدها وبعض أفرادها بعد محاولة انقلاب فاشلة على رجب طيب أردوغان.

ويقول خليل كارافلي مدير تحرير صحيفة ذا تركي أناليست السياسية، إن تركيا دولة علمانية بحكم الدستور، لكنها تعتمد منذ فترة طويلة على ركيزتين؛ هما: الإسلام السني، والقومية.

وأضاف: “العنصر الديني كان دائماً مهماً للغاية في التجنيد وتشكيل الكوادر في الدولة التركية، خاصة في الأجهزة الأمنية، ليس في الجيش؛ بل في الشرطة”.

منطقة علمانية

وتقع سوكي في أحد أكثر أقاليم تركيا علمانية بجنوب غربي البلاد. لكن حي جيلتكجي الذي تقيم به أسرة ألطنطاش يمتلئ بالمباني المتهدمة التي سقطت دهانات جدرانها وأصبحت حافلة بكتابات غرافيتي، غالبيتها شعارات قومية أو دينية.

وكُتب على بعضها “الإسلام هو الحل” إلى جانب شعارات دينية أخرى.

ويقيم أفراد أسرة ألطنطاش بالطابق الرابع، وظلت الملابس المغسولة منشورة على الحبال في الشرفة بعد يومين من احتجاز الشرطة لهم لاستجوابهم. وقالت وسائل إعلام إنهم أُفرج عنهم بعد ذلك.

سلوكه بدأ يتغير

وقال والده إسرافيل ألطنطاش إنه تحدث مع ابنه هاتفياً يوم الهجوم. وبدأ سلوك الشاب يتغير بعد أن صادق في أكاديمية الشرطة شخصاً يدعى شيركان بي.

وقال إسرافيل ألطنطاش للشرطة، وفقاً لشبكة خبر ترك: “على حد علمي، لم يكن عضواً في أي منظمة إرهابية أو شبكة أو جماعة دينية”.

وتابع: “لكنه بدأ يركز على أداء الصلوات وأصبح انطوائياً وصموتاً أكثر بعد انضمامه إلى الشرطة”.

وأضاف إسرافيل أن ابنه تجاهل اقتراحه بأن يبقى في إزمير وذهب مع شيركان إلى أنقرة حيث أقاما في منزل واحد.

وقالت والدته حميدة إنها اتصلت كذلك بابنها يوم الهجوم.

وقالت: “سألني ماذا تفعلين يا أمي؟ وقلت له: أقوم بزيارة وسأتصل به عندما أفرغ. لكنه أغلق الخط قائلاً: (حسناً يا أمي في رعاية الله ادعي لي)”.

وأضافت: “كان ابني انطوائياً وصموتاً”.

ويقول معارف ألطنطاش السابقون إنه كان يميل إلى العزلة وأمضى معظم وقته مع جدته وأخته غير الشقيقة. ولا يذكر أحد من هؤلاء أن ألطنطاش كانت له ارتباطات علنية في شبابه بجماعة كولن.

وقال باهري جوكجيل وهو من سكان الحي: “كان دائماً في حاجة للمساعدة” ويعمل جوكجيل الآن في مقهى بسوكي، وهي بلدة سكانها من الطبقة المتوسطة الدنيا يسكنها 117 ألف نسمة وتطل عليها المنتجعات الفارهة على ساحل بحر إيجه.

وتابع: “كان طفلاً صموتاً، ولم يكن له أصدقاء طوال فترة الدراسة بالمدرسة”. وأضاف أن ألطنطاش فشل مرتين في الالتحاق بالجامعة.

وأياً كانت أسباب فشل ألطنطاش في الالتحاق بالجامعة، فقد خطط للقتل بدقة وتفقد المعرض قبل الواقعة وطلب عطلة مَرَضية يوم الهجوم واستخدم بطاقة هوية الشرطة لتجاوز نقاط التفتيش الأمنية والوصول إلى المكان حاملاً سلاحه.

الجيران

وكان ألطنطاش يعيش في أنقرة، لكنه كان كثيراً ما يعود إلى بلدته ويراه الجيران.

وقال تولجا طوسون (22 عاماً)، الذي نشأ مع ألطنطاش ويعمل الآن في السياسة المحلية لدى الحزب العلماني الرئيسي في البلاد وهو حزب الشعب الجمهوري المهيمن في سوكي: “كان يقيم مع جدته كثيراً وكنا نراه في الشارع عندما كنا نلعب”.

وأضاف: “لم يكن ينضم إلينا قط ولم يكن يتحدث مع أحد. كان دائماً منعزلاً وصامتاً”.

وتنتشر الميول القومية بقوة في سوكي، وللقوميين المعارضين كذلك حضور قوي.

وقال طوسون إن أسرة ألطنطاش كانت على صلة بحزب الحركة القومية وكانت متدينة نسبياً، غير أن بقية الجيران لم يؤكدوا ذلك، وقال الزعيم المحلي لحزب الحركة القومية إنهم ليسوا أعضاء بالحزب.

وقال جوكجيل الجار السابق إنه يعتقد أن ألطنطاش استغل صلات مع أنصار كولن للالتحاق بأكاديمية الشرطة. وتقول الحكومة منذ فترة طويلة إن أنصار كولن استخدموا مدارس تابعة لهم في التسلل إلى أجهزة الدولة المدنية وإلى الشرطة.

وأياً كان ما سيحدث بعد ذلك، فإن سكان سوكي مثل العديد من الأتراك يشعرون بأن الأمور تغيرت بشكل لا يمكن إعادته إلى ما كان عليه قبل واقعة الاغتيال.

وقال يورداكوس إلجون المسؤول بالمكتب المحلي لحزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض: “قتْل سفير أمر مخجل. ليس فقط للقاتل؛ بل أيضاً لبلادنا… كان أسلافنا يقولون إن حماية الضيف واجبة”.

هافينغتون بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.