في بداية التسعينات نشرت قناة تليفزيونية تركية تسجيلًا مسربًا لفتح الله غولن، الزعيم الديني التركي، أثار ضجة هائلة.
كان غولن يتحدث في التسجيل عن تغلغل حركته في مؤسسات الدولة الدستورية وبنية الجمهورية التركية.
وبعد نشر هذه التسجيلات، سُجلت قضية ضد فتح الله غولن في محكمة أمن الدولة، وطالبت النيابة بالقبض عليه. وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، ذهب غولن إلى المدعي بروس ريبيتو في مكتب المدعي الفيدرالي بمدينة نيوآرك، ليشهد بأن التسجيل مفبرك. أما عضو النيابة نصرت ديميرل الذي طالب باعتقال غولن فقد أُجبر على الاستقالة عام 2002 بعد تسريب أشرطة جنسية له. لكن الصدفة الحقيقية هي أن الصحفي علي كيرجا، الذي سرب تلك الأشرطة، استقال لاحقاً بعد تسريب أشرطة جنسية له هو الآخر. وفي 2003 تم تأجيل قضية غولن لخمس سنوات، وفي 2008 برأته المحكمة العليا بالإجماع.
طلب غولن ممن استمعوا إلى خطبته السرية أن يلقوا بها في القمامة. وعندما تحدث عن المؤسسات الرسمية التي “يوجد فيها أصدقاؤنا”، ذكر القضاء، والخدمة المدنية، و”المؤسسة الخطيرة”، التي لم يذكر اسمها.
لم تكن تلك المؤسسة الخطيرة التي لم يذكرها غولن لأسباب أمنية، إلا القوات المسلحة التركية.
في مقابلاته المتعددة دوماً ما ينفي فتح الله غولن أن منظمته قد خلقت تنظيمها الموازي داخل الجيش.
“هذه كذبة صادمة. لا أعرف أبداً عن أي مشاريع يتحدثون. لم أمتلك أبداً مشروعاً كذلك. لأن الاختراق يحدث دوماً في أراضي الأعداء، لكن مشاعري تجاه الجيش معروفة للجميع”.
بدأت منظمة غولن في الجيش بالعمل منذ 40 سنة، وكان يتم الإشارة إليها دوماً بكلمات مشفرة، حتى في أكثر الاجتماعات سرية.
وفي جيش حساس للغاية تجاه كل ما يتعلق بالعلمانية، كان يُتوقع من الضباط أن يحتفظوا بنمط حياة علماني، لأنهم ببساطة يمكن أن يُفصلوا إذا ما شوهدوا يصلون، أو إذا ما ارتدت زوجاتهم الحجاب.
فتح الله غولن، من جانبه، قام بتطوير آلية سمَّاها “التدبير”، من أجل تجاوز هذه الحساسيات. وعادة ما تُعرف هذه الآلية باسم “التقية”، خاصة عند المسلمين الشيعة، إذ نجد فتاوى تسمح بارتكاب معاصٍ معينة لنصرة الإسلام. مثلاً، الصلاة بحركة العين، شرب الخمر بشرط عدم السكر، عدم ارتداء الحجاب، وكلها فتاوى بهدف إخفاء الهوية، وأن يُعرض الضباط بهويتهم العلمانية.
المحلل الأمني والجندي السابق متين جورتشان، الذي أُجبر على الاستقالة بعد تسريب صور على الإنترنت، يصف العقيد ليفينت توركان، الذي احتجز رئيس الأركان ليلة الانقلاب بقوله “كان يشرب الكحول، ولم يكن يصوم خلال رمضان، ليثبت صورته بصفته غير متدين”.
صورة: العقيد ليفينت توركان، كان الذراع اليمنى لرئيس الأركان، انضم إلى الانقلابيين الذين احتجزوه ليلة الانقلاب
في شهادته عقب اعتقاله، يحكي ليفينت عن مسيرته مع منظمة غولن منذ البداية، وكيف دعمته الحركة ليترقى داخل الجيش، وكان من ضمن ما قاله “خلال فترتي في المدرسة العسكرية، لم يعطني أخي الأكبر أي مهام، ولم أنخرط في أي أنشطة باسم المنظمة، لقد أخبرونا أن مهمتنا الوحيدة تتمثل في عدم تعريض أنفسنا للكشف”.
تحدث توركان بعد اعتقاله أيضاً عن أخيه الأكبر، محمد أوسلو. كان لأوسلو، الذي عمل كضابط مدني في إدارة المستشارين التنفيذيين في مكتب رئيس الوزراء، الاسم الحركي مراد. أوسلو اعترف باسم الإمام المدني الذي يتبعه في المنظمة، وأيضاً الضباط الذين كان مسؤولاً عنهم. ومن المثير كيف أن أوسلو لم يكن يعلم الأسماء الحقيقية لعدد من تابعيه في المنظمة، هذا هو مقدار السرية التي تتمتع به حركة غولن