شكَّكت صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية في جدية التصريحات التركية بشأن إغلاق أنابيب النفط القادمة من إقليم شمال العراق، إذا ما خرجت نتيجة الاستفتاء الذي جرى الإثنين 25 سبتمبر/أيلول 2017، بـ”نعم”.
وقالت الصحيفة البريطانية إنه على الرغم من لهجة تركيا الحادة والتهديدية، فلم تُظهِر سوى عزم قليل لإغلاق خط الأنابيب وتعطيل تدفُّق النفط من إقليم شمال العراق إلى السوق الدولية؛ لكونها تستفيد من التعريفات الجمركية لخط الأنابيب، وتُشكل هي نفسها ممراً للطاقة موثوقاً به للصادرات القادمة من الشرق الأوسط وروسيا.
واعتبرت الصحيفة البريطانية أنه ما لم تُغلِق تركيا خطوط أنابيب النفط، فلن تكون الحكومة المركزية العراقية قادرةً على القيام بالكثير لوقف صادرات النفط الكردية، عدا التهديد بمقاضاة الناقلات التي تحمل النفط من شمال العراق كما فعلت في السابق.
واعتبرت أنَّ الشركات العالمية لم تتزعزع حتى الآن. وبدلاً من الحد من انخراطها في المنطقة بسبب التخوُّفات من المخاطر الجيوسياسية وعدم الاستقرار، اختارت زيادة استثماراتها.
فقبل أسبوعٍ من الاستفتاء، أعادت شركة شيفرون الأميركية تشغيل عمليات الحفر في إقليم شمال العراق خلال الأسبوعين الماضيين بعد توقفٍ دام عامين. وطمأنت الحكومة شركات الطاقة العاملة في المنطقة، من خلال إيجاد حلول أو إعادة هيكلة الديون المُعلَّقة والمدفوعات، التي تصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار.
ومن ناحيةٍ أخرى، في وقتٍ سابق من هذا العام (2017)، عقدت شركة روسنفت، كُبرى شركات النفط الروسية، عدة صفقات مع حكومة شمال العراق تتضمَّن قرضاً بقيمة تزيد على مليار دولار بضمان مبيعات النفط في المستقبل.
وجرى بالفعل سداد القرض بتسليم عدة حمولات إلى مصافي “روسنفت” في ألمانيا. ووافقت الشركة أيضاً على الاستثمار في البنية الأساسية للنفط والغاز بإقليم شمال العراق من خلال الالتزام بتحديث خط أنابيب النفط في الاقليم لزيادة طاقة الإنتاج الحالية التي تبلغ نحو 700 ألف برميل يومياً إلى ما يقرب من مليون برميل يومياً بحلول نهاية العام الجاري، بحسب الصحيفة البريطانية.
وبالإضافة إلى ذلك، أبرمت الشركة اتفاقاً مع الشركة الكردية المحلية “كار” لبناء خط أنابيب غاز يمكنه نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. ومن المتوقع أن يجري بناء خط أنابيب الغاز في عام 2019، على أن يبدأ نقل أول الصادرات إلى تركيا بحلول عام 2020. وتقدر كمية الغاز الذي تنوي شركة روسنفت مساعدة إقليم شمال العراق في تصديرها بنحو 6% من إجمالي احتياج أوروبا من الغاز.
ومن خلال استثمار شركة حكومية روسية، على نطاقٍ واسع، في البنية الأساسية للنفط بإقليم شمال العراق، والفصل في الديون المُعلَّقة وقضايا الدفع مع شركات النفط الأخرى- تتناقص إلى حدٍ كبير احتمالية قيام تركيا بإغلاق طريق التصدير الذي يعود على الأكراد بكميةٍ كبيرة من الإيرادات، بحسب “فايننشيال تايمز”.
والإثنين، أعلنت أنقرة قيام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بزيارة إلى تركيا، يلتقي خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان؛ لمناقشة أوضاع المنطقة، وعلى رأسها استفتاء إقليم شمال العراق.
وأفادت مصادر في الرئاسة التركية بأن الرئيسين ناقشا، في اتصال هاتفي جرى بينهما الإثنين، الاستفتاء التاريخي غير الملزم الذي تم يوم الإثنين، على استقلال إقليم شمال العراق العراق.
وأكد الطرفان ضرورة المحافظة على وحدة الأراضي في كل من سوريا والعراق، بحسب المصادر ذاتها.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لوّح بـ”إغلاق صنبور نفط الإقليم الكردي شمال العراق”، والذي يصدّر عبر تركيا؛ رداً على عناد إدارة الإقليم وتنظيمها استفتاء الانفصال عن الإدارة المركزية في بغداد، ليزيد من التحديات التي تواجه أكراد العراق، فيما أعرب بارزاني عن تمنياته بألّا تعتبر تركيا الاستفتاء تهديداً لأمنها، مثمناً الدور الذي لعبته أنقرة في مساعدة الإقليم في “الأيام الصعبة”.
وقال أردوغان في كلمة، خلال مشاركته بالمؤتمر الدولي لأمناء المظالم في مدينة إسطنبول: “فلنرَ بعد اليوم لمَن سيبيع الإقليم الكردي في العراق النفط؟ الصنبور لدينا، وعندما نغلقه ينتهي الأمر”.
ويصدر الاقليم الكردي نحو 550 ألف برميل من أصل 600 ألف ينتجها في اليوم عبر أنبوب يصبّ في مرفأ جيهان التركي (جنوب) على البحر المتوسط.
واعتبر أردوغان الاستفتاء على الانفصال عن العراق قراراً غير مشروع، وفي حكم المُلغى، دون النظر إلى نتائجه.
وأُغلقت صناديق الاقتراع في المناطق التي جرى فيها الاستفتاء، فيما قالت الإدارة الذاتية للإقليم بأن نسبة المشاركة في التصويت وصلت لنحو 80%، ولم تظهر أي مؤشرات على نتائج التصويت بعد.
ورداً على إجراء التصويت، أعلنت كل من أنقرة والحكومة المركزية العراقية إجراء مناورات عسكرية؛ تحسباً لأي تطورات في المشهد العراقي.
وعلى الرغم من معارضة المجتمع الدولي، والخوف من زعزعة الاستقرار في العراق بصورةٍ أكبر، فإنَّ سوق النفط تراهن على أنَّه لن يكون هناك أي انقطاعٍ كبير في إمدادات النفط الخام القادمة من شمال العراق في المستقبل القريب، مهما كانت نتيجة الاستفتاء.
هاف بوست