لأننا لا نعترف بـ “سايكس بيكو”، ونؤمن بأننا أمة الإسلام وحسب.
ولأننا بعد عز الراية الحمراء العثمانية، ومنعتها، وبتآمر العملاء، أصبحنا كالأيتام على مائدة اللئام، تسفك دماءنا، وتنهب أراضينا وثرواتنا، ونذل على يد دعاة الإنسانية وعملائهم.
ولأنها حكومة لم تسرق بلدها كما يشهد لها حتى أشد معارضيها، بل رفعت من سويته لينافس أقوى الدول، رغم منعه من استغلال ثروات كثيرة له، ومضائقه البحرية.
ولأننا ندرك جيدا بعد دراستنا للتاريخ ولو بشكل سطحي أنها أي “الدولة العثمانية” من كان يقف سدا في وجه الغزو الصليبي وأطماعه في بلادنا فكانت الطامة برحيلها.
ولأن تركيا اليوم تقدم لنا النموذج الحق والأمثل لما يجب أن يكون عليه الفرد المسلم، والمجتمع المسلم، والبلد المسلم.
ولأنه شعب أثبت أغلبه وما زال يثبت إيمانه وشعوره بأنه المسؤول عن هذا الدين والمدافع عنه، والمستعد دوما للتضحية وللوقوف بجانب الضعفاء من الشعوب المسلمة الأخرى وغيرها.
ولأننا فقدنا الثقة بكل المشاريع التي قدمت لنا كبديل عن الأمة كـ “القومية، والوطنية” وغيرها، وفقدنا الثقة بالحكومات ورأيناها تتساقط واحدة تلو الأخرى خلال السنوات الأخيرة ليتضح لنا عداءها لشعوبها، وعمالتها للغرب، وتصالحها معه على حسابنا، بعد أن أفقدتنا بنهبها ثروات البلاد وأفقرتها وضخت أموالنا في بنوك سادتها الراضين عنها.
ولأننا فقدنا كل الثقة بالمؤسسات الدينية والدعاة وحتى العلماء الذين قدمتهم لنا الحكومات التي تتفنن في قمع معارضيها بعد أن لم يعد خافيا على أصغرنا تلاعبهم بالشريعة وكذبهم الصريح والتدليس.
فليس أقل من أن نأخذ دورنا بجانب هذا الشعب لنرسم معا من جديد ولادة فجر جديد لهذه الأمة بعد أن أتيحت لنا هذه الفرصة باجتماعنا من جديد.
فرصتنا لتجديد الدين واستعادته نقيا من هنا أيضا؟
رأينا كيف زور تاريخنا بطرق ملتوية حينا كما فعل “جرجي زيدان” وغيره ونالوا جوائز الغرب الثمينة كمثال، أو بطرق مباشرة حتى كما في كتب كثيرة هي بين أيدينا، أو عبر إخفاء أغلب التاريخ الذي هو أساس للمستقبل، والأبيض منه تحديدا، واستبقاء ما يرضي المستعمر، وينزع من المسلمين شعورهم بالانتماء أولا للأمة، ومن ثم قيمتهم وشعورهم بالعزة، ومعرفة دورهم في هذا الكون.
ونظنه قد آن الأوان لكي نعيد للدين نصاعته وبريقه معا، ولدينا الفرصة باجتماع علماء كبار يشهد لهم، فروا بدينهم ولم يبيعوه ولم يؤثروا الصمت، ولدينا كل المقومات لفعلها، وهي ربما أهم ما علينا أن نبدأ به رحلتنا نحو استعادة مكانتنا وما سرق منا.
والأهم أننا نملك هنا ما نبتغيه كمسلمين من حرية تمكننا من خلال وجودنا واجتماعنا في تركيا، من تنقية ما لحق بديننا من ترهات فرضتها الأجندات الخبيثة قاصدة استعبادنا، وتغييب شخصية المسلم الحقيقي عنا وعن أجيال قادمة، كما فعلت مع أجيال مضت.
لا وقت أنسب من اليوم ليبدأ علماءنا إذن بعملهم الجراحي العظيم لإنقاذ أجيالنا القادمة من هذا العبث والمتاهات التي جعلتهم ألعوبة في يد الغرب الصليبي، يتحكمون بعقولهم لأنهم ملكوا من قبل المؤسسات الدينية وسيطروا عليها وعلى ما تنتجه من علوم أضاعتنا ولم تحفظنا، ولم ترشد شبابنا إلا إلى طرق الهوان والضلال، وضرب الإسلام في مقتل بعد اكتمال تشويهه وسحق عقول أهله وتطلعاتهم الكبيرة.
وما زلت أذكر جيدا أن النقطة التي استطاع أحد الملحدين يوما أن يهزمني بها خلال نقاشات دارت بيني وبينه في سنوات الشباب الأولى كانت خلخلة ثقتي بصحة الأحاديث النبوية ورواتها، وعبر جرعات صغيرة من التلميحات غير المباشرة، والتي أصبحت بعدها مباشرة جدا عندما استبان له جهلي وضعف حصيلتي كحال كل شبابنا.
وصلت يومها إلى مرحلة متقدمة من مراحل الشك ودوامته لم يخرجني منها نحو بر الأمان سوى العلم والعلم وحده، وكان لعلوم الحديث وعلوم الجرح والتعديل- تحديدا- أثرها الذي اسكن نفسي، وأعاد لي تلك الثقة بما بين أيدينا من علوم وأحاديث وسيرة نبوية.
المشكلة التي سيرى العالم أثرها قريبا جدا والتي لم يتنبه لها العلماء الذين استفاضوا في فتاوى تحريم قيادة المرأة للسيارة مثلا، ورصدوا لها الأدلة والبراهين بدأت بوادرها بسخرية هائلة محزنة لقلب كل مسلم غيور، وستكون فيما بعد دليلا جديدا ينتهزه العلمانيون والملاحدة لضرب عقيدة أبنائنا وبناتنا في مقتل عندما تهتز في أعينهم صورة العلماء جميعا.
فتنة قادمة لا محالة وقد تكون موجة من الإلحاد اقوى من تلك التي مرت علينا في ستينات القرن الماضي وكان سببها جهل وصورة مشوهة للمسلمين،
ولا بد من أن يكون للأمر من يتصدى له، وينتصر لدين الله عبر تنقيته وتصفيته مما لحق به من شوائب التقاليد التي أساءت وألصقت به زورا وظلما، وأن ينبري للأمر أهله من الثقات والمتبحرين في شتى أنواع العلوم الإسلامية، ومن كانوا على الفطرة دون أن يعيدونا إلى فوضى التيارات والأحزاب، فنصر الشريعة هو تنقيتها أولا.
فما علينا؟
سنقف مع تركيا إذن، نبدأ ببلد واحد قوي نثق به وبأهله، نأخذ دورنا في القافلة كل حسب علمه وقدراته، دون أن يشغلنا هم الحياة وهموم الدنيا، والجدل النقدي الذي لا فائدة ترجى منه، والذي ضيعنا معه الكثير من الوقت، ولا بد من التدارك.
عرض التعليقات
يبقى الأمل في تركيا العثمانية للعودة بالسلام لعزه. نحن كشعوب مسلمة مغلوبين بحكام موالين للغرب الكافر. لكن نحن مع تركيا في مسيرتها و فخورون أيضا بتاريخها العثماني الحافل بالبطولات.