لا تتوقف معاناة الأطفال السوريين اللاجئين بلبنان عند الفقر والعوز المادي، فبعضهم يواجه أزمة أكبر وهي عدم الاعتراف بوجوده من الأساس.
ويفتقد الكثير من الأطفال لأوراق ثبوتية، تقدر أعدادهم بـ650 ألفاً، لعدم تسجيلهم في البلاد، تارة لرفض وزارة الداخلية تسجيلهم، وتارة لأن أسرهم دخلوا البلاد بطرق غير شرعية، إلى جانب أسباب أخرى.
النزوح السوري، الذي بدأ مع اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد في 2013، لم يمثل أزمة للبنان في البداية، وفق رئيس الحكومة حينها نجيب ميقاتي، واستمر الوضع حتى 2013.
ومع مطلع 2014، بدأت الحكومة تظهر قلقها إزاء زيادة أعداد النازحين، وفي 2015 شهدت المساعدات الدولية تراجعا ما شكّل أزمة حقيقية ما تزال حتى اليوم.
وفي نفس العام، اتفقت معظم الأقطاب اللبنانية على ضرورة منع دخول اللاجئين السوريين إلى لبنان لأسباب أمنية واقتصادية بالمرتبة الأولى.
غير أن هذا القرار لم يمنع السوريين من الدخول خلسة ما نتج عنه إفراز حالات ولادة جديدة، من دون تسجيلها رسمياً.
وإضافة إلى معاناة أطفال ولدوا لآباء دخلوا البلاد خلسة، هنالك أطفال لم تقبل الدولة اللبنانية تسجيلهم في وزارة الداخلية بين 2011 حتى 2017، لعدم شرعية وجود أسرهم.
وشرعت السلطات، منذ خمسة أشهر، قبول تسجيلهم في سجل الأجانب بالتعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وفق ما قال الباحث السياسي والمتخصص في شؤون النازحين زياد الصايغ، للأناضول.
** تفاوت الأرقام وأخطاء من الدولة
ثمة تضارب في العدد الرسمي للنازحين السوريين في لبنان، فبحسب آخر دراسات للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فالعدد يصل إلى مليون و150 ألف نازح.
الدولة اللبنانية تشير، في أرقامها التقديرية، إلى مليون ونصف مليون سوري، مع هامش خطأ بنحو 350 ألف شخص، زيادة أو نقصانا.
وفي مهب الأرقام غير الواضحة، ظهر بوضوح وجود 150 ألفاً من الأطفال غير مسجلين في الدوائر الرسمية، وبدأ تسجيلهم منذ 5 أشهر، بحسب الصايغ، في وقت تقدرهم دراسة أخرى بـ650 ألفاً.
السماح بتسجيلهم يجنب الأطفال في الخطوة الأولى الدخول في خانة “مكتومي القيد”، فحين يأتي موعد عودتهم إلى بلادهم سيكون لديهم بطاقات صادرة عن سجل الأجانب في وزارة الداخلية.
في هذا الإطار، لفت الصايغ، إلى خطأ الحكومة اللبنانية حين لم تميّز بين النازح السوري والعامل الموجود أصلاً منذ زمن، ولذا عليها النظر جيداً بتلك النقطة.
الخطأ الأكبر حين دعت معظم الجهات السياسية والحزبية السوريين للقدوم إلى لبنان كملاذ آمن لهم، وها هي ترفضهم وتدعوهم للعودة في أقرب فرصة، فماذا استجد بين اليوم والأمس؟ وفق الصايغ.
وتعتبر قضية النازحين من أصعب الملفات أمام الحكومة لا سيّما بعد انقسام السياسيين والأحزاب بين رفضه للوجود السوري وضرورة عودتهم إلى أماكن آمنة في وطنهم.
فيما فريق آخر يدعو للتريّث قبل دفع هؤلاء للذهاب إلى الجحيم في ظل وجود بشار الأسد، على سدة الحكم.
** الوضع الاقتصادي
يُعتبر وزير الدولة لشؤون النازحين في لبنان معين المرعبي، من أكثر الشخصيات السياسية التي ساندت الثورة السورية ووقفت إلى جانب النازحين.
كما أن المرعبي، من بين الشخصيات الفاعلة (تحديداً في شمال لبنان المتاخم للحدود السورية) التي قدمت لهم المساعدات.
بالنسبة للوزير، عودة النازحين اليوم، أصبحت ضرورية لأسباب اقتصادية بحتة، خاصة مع تزايد البطالة التي يشهدها لبنان بسبب وجود مليوني نازح سوري وفلسطيني وعراقي.
وأضاف المرعبي، في حديث للأناضول، أنّ عدم توفّر البنى التحتية الجيدة في الأصل – حتى قبل النزوح – ساهم في ذلك، لا سيما وأن الأزمة بدت جلية بقرى الأطراف التي نزح إليها السوريون.
باختصار لم يدرك السياسيون، الذين دعموا النزوح (بمن فيهم مرعبي)، أن الوضع في سوريا سيأخذ هذه الفترة ما تسبب في تفاقم الأعباء، وفق الوزير.
كوزير معني بهذا الملف، اعتبر أنّ مهتمه اليوم تصنيف الوجود السوري في لبنان، فليس كل سوري نازح فهنالك التاجر والطالب والمقيم، إلى جانب ذلك ضرورة العمل على تسجيل كل طفل بلا أوراق رسمية.
كذلك لفت إلى ضرورة تسهيل خروج السوريين من لبنان من خلال عدم فرض غرامات التأخير على الإقامة.
في الوقت نفسه، رأى المرعبي، أنه لا يمكن فرض الخروج والعودة على النازحين في ظل وجود بشار الأسد، لذا يتعين الوصول إلى حل في المسألة.
الرقم التقريبي، الذي بحوزة المرعبي، لعدد الأطفال غير المسجلين في الدوائر الرسمية، هو 650 ألف طفل.
مصدر الرقم هو دراسة غير رسمية حول الفرق بين عدد الأطفال المسجلين وغير المسجلين في المدارس، ولكنه يبقى أيضاً غير دقيق.
الحل لعودة هادئة لجميع النازحين (وليس المواطنين السوريين العاديين) في لبنان هو السماح لهم بتسجيل أطفالهم في وزارة الداخلية.
كذلك فتح المجال أمام البالغين بتسوية أوضاعهم، حينها يتم حصر الرقم الدقيق لعدد النازحين المفترض عودتهم في تاريخ لم يحدد بعد، بحسب المرعبي.
** تراجع المساعدات بنسبة 49%
تزامناً مع صدور قرار وقف استقبال النازحين السوريين إلى لبنان (2015) تراجعت الدول المانحة في تقديم المساعدات العينية والمالية بنسبة 49%.
هذا يعني أن ناقوس الخطر بدأ يُقرع ويهدد بحالة فوضى في بلد يبلغ عدد سكانه 3 ملايين ونصف المليون نسمة، إلى جانب مليون و900 ألف سوري بينهم مليون ونصف نازحين. بحسب الباحث زياد صايغ.
مراسل الأناضول، زار مخيّم “كترمايا” للاجئين (في قضاء الشوف وسط جبل لبنان)، الذي يضم 300 لاجئ، بينهم 15 عائلة لم تستطع تسجيل أطفالها.
أغلب تلك الأسر رفضت التحدّث أو ذكر اسمها، لأن معظم الآباء هربوا من سوريا إلى لبنان حتى لا يضطروا للانضمام للخدمة الإلزامية بالجيش.
إلى جانب آخرين يخشون من الظهور أمام العدسات كون إقامتهم غير شرعية في لبنان ويخافون الملاحقة.
النساء كنّ أكثر جرأة، فتحدثت “خضرا العلي” (28 سنة)، للأناضول، شارحة وضعها المأساوي بسبب عدم السماح لزوجها بتسجيل ابنتيه (الأولى عمرها عامين والثانية عام واحد) كونه لا يحمل إقامة شرعية.
جارتها في الغرفة المجاورة هدى القصير، قالت إن ابنتها دخلت عامها الثالث، وهي دون أوراق رسمية، كون الدولة اللبنانية أوقفت تسجيلهم منذ سنتين.
وأشارت إلى أنه عندما سمحت وزارة الداخلية بذلك منذ 5 أشهر لم يستطع زوجها تسجيلها لعدم وجود إقامة شرعية لهم، ولم يجد الشخص الذي يقبل كفالته.
باسل القاسم، يعيش في دوامة، بعدما أعطته السفار البريطانية ولزوجته تأشيرة هجرة كون أهله يمتلكون الجنسية، لكن المشكلة مع طفلته (عامان) غير المسجّلة.
القاسم، يقول ، إنه لا يمكنه السفر مع زوجته وتركها وحدها في المخيّم، ويعيش في دوامة منتظراً الحل من السماء.