في 13 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1307، أوقف الملك الفرنسي، فيليب الرابع، فرسان المعبد في فرنسا. ويرى البعض أن ذلك يعد بمثابة مؤشر على بداية سقوط النظام الديني لفرسان المعبد، حيث اختلطت الأساطير بالحقيقة منذ قرون حول هؤلاء الفرسان.
النظام الذي يطبقه فرسان المعبد هو عبارة عن نظام عسكري ديني، حيث يقوم النظام الديني لفرسان المعبد على حماية الحجاج الوافدين إلى الأراضي المقدسة، فضلاً عن الطرق المؤدية لهذه الأماكن، بحسب تقرير لصحيفة Le Figaro الفرنسية، تناول تاريخ فرسان المعبد.
علاوة على ذلك، عمل هؤلاء الفرسان على الدفاع عن “الدول الصليبية” في المشرق العربي التي أنشأها الصليبيون في كل من سوريا وفلسطين، على غرار “كونتية الرها”، وإمارة أنطاكية، أو مملكة القدس اللاتينية.
في الواقع، يستلهم نظام فرسان المعبد قوانينه من تعاليم “بندكت النيرسي”. وعلى الرغم من طابعه العسكري، فإنه يتميز بطابع ديني يتمحور أساساً حول الزهد، حيث يقلل المقاتلون من الأكل، ويقيمون الصلوات في أوقاتها.
بالإضافة إلى ذلك، بنى فرسان المعبد الذين يقاتلون إلى جانب الإفرنج في الأرض المقدسة، حصوناً مسيحية في هذه المناطق التي يقاتلون فيها، حيث إن آخرها كان ” قلعة عتليت”، قبل أن يتم تدميرها خلال شهر أغسطس/آب سنة 1291.
والجدير بالذكر أن فرسان الهيكل قد قاتلوا ضد “المورو” في شبه الجزيرة الأيبيرية، إذ لا تزال آثار حصونهم موجودة إلى يومنا هذا.
هذه الفكرة خاطئة تماماً. فقد تم الاعتراف بنظام فرسان المعبد خلال مؤتمر “تروا”، الذي عقد تحت إشراف ممثل البابا، الكاردينال ماتيو ألبانو، خلال شهر يناير/كانون الثاني سنة 1129، ما يعني أنهم ليسوا صناعة بابوية. وفعلاً، تلقى بعد ذلك البابا “أونوريه الثاني” مطالب لسنِّ قواعد تنظم حياة طائفة (فرسان الهيكل) كانت موجودة منذ سنوات.
وقد كانت هذه الطائفة تتكون من فرسان توحدوا فيما بينهم منذ سنة 112، استجابة لمبادرة أطلقها فارس من مقاطعة “شامبانيا” الفرنسية يطلق عليه اسم “هيوجز دي بانز”، قبل أن يلتزموا بالولاء الديني لبطريرك القدس عن طريق الالتزام بالحياة الفقيرة، والعفة، والطاعة.
بعد ذلك، وقف رئيس الدير، “برنارد من كليرفو”، إلى جانب هيوجز دي بانز، كما أقر النظام العقائدي لفرسان الهيكل المرتكز على، الدين والحرب.
وسرعان ما أضحى يطلق على هذه الطائفة الدينية الجديدة لقب “الجنود الفقراء للمسيح ومعبد سليمان” في إشارة إلى معبد سليمان في القدس.
علاوة على ذلك، حظي نظام فرسان الهيكل على عدة امتيازات على مر السنين، على غرار الإعفاء من دفع ضريبة “العشر”، التي تم تعديلها والعمل بها في جل المناطق المسيحية والمحافظات، حيث كان هناك سبع عشرة محافظة في نهاية القرن الثالث عشر على غرار ألمانيا، وإنكلترا، وأراغون، والبرتغال، والمجر، وفرنسا، وبوليا.
هل كل “فرسان المعبد” عبارة عن فرسان؟
هذا غير صحيح، حيث يطلق عليهم اسم “جنود المسيح الفقراء”. فضلاً عن ذلك، لا يعدّ كل فرسان الهيكل من الفرسان، بل إن جلّهم ليسوا من المقاتلين.
ولكن يصنف فرسان المعبد إلى فرسان تعلموا الفروسية قبل أن ينضموا إلى هذه الطائفة. إضافة إلى باقي أعضاء الأخوية، هم لا يُعتبرون من النبلاء وليسوا بفرسان، كما أنهم لطالما عُرفوا بارتدائهم لمعاطف قاتمة اللون.
في المقابل، يخشى فرسان المعبد كثيراً من المسلمين، نظراً لأنهم كانوا أكثر تنظيماً منهم، حيث كانت مجموعة المسلمين العسكرية متماسكة فيما بينها. ويُذكر أنهم كوَّنوا سوراً من أجسادهم، عندما سقط الجدار في معركة قلعة “داربزاك” في تركيا سنة 1188. وفي هذا الإطار، كان المسلمون متحدين، وقد جعلت هذه الخاصيات منهم أشخاصاً لا يقهرون.
من جهة أخرى، تتكون طائفة فرسان الهيكل أيضاً من الرقباء، أو “المهنيين” المتخصصين في القيام بمهام تقنية، إدارية، وأخرى لها علاقة بالزراعة، حيث يعمل جلهم في “الإقطاعات”.
ومنذ سنة 1139، انتدب فرسان المعبد إلى صفوفهم قساوسة، إذ تم تكليفهم بالإشراف على المكاتب، وكانوا الوحيدين الذين سُمح لهم بحلق شعرهم من فوق.
علاوة على ذلك، أسَّسوا إقطاعات مركزية وإدارية. كما أسس فرسان الهيكل في الغرب أيضاً مشاريع زراعية، حيث يتم تحويل ثلث العائدات بصفة سنوية إلى دعم جهود الحرب في الأرض المقدسة.
في السياق ذاته، يحسن فرسان المعبد إدارة ثرواتهم وممتلكاتهم، كما أنهم يتمتعون بعدة حقوق مختلفة، ويسهرون على ضمان تحويل الأموال من الغرب إلى الشرق على حسابهم الخاص، فضلاً عن حمايتهم للحجيج المسيحيين. وتجدر الإشارة إلى أن فرسان المعبد يقرضون الأموال في بعض الأحيان.
وعلى الرغم أن كلّ ما ذكر آنفاً يشير إلى أن فرسان الهيكل أشخاص أغنياء، فإن ذلك ليس صحيحاً، إذ إنهم لا يمتلكون ثروة نقدية، دون أن نتجاهل طبعاً حقيقة أن الدفاع عن الممتلكات في الأراضي المقدسة عمل مكلف للغاية، من قبيل تمويل المعدات والتجنيد، بما في ذلك تمويل المرتزقة الذين لا ينتمون إلى نظام فرسان المعبد، وبناء الحصون.
كما كان يتم إرسال الأموال إلى سوريا وفلسطين لتمويل الحروب التي دارت هناك. ومع ذلك، إذا أخذنا بعين الاعتبار العقارات الهائلة والأراضي التي يمتلكها فرسان الهيكل، فإنهم يبدون أغنياء.
يعدّ ذلك صحيحاً، فقد كان فيليب الرابع يعمل على بسط سلطته على الكنيسة في فرنسا، لذلك فهو لم يتسامح مع “استقلالية” فرسان الهيكل، قبل أن يوضعوا تحت وصاية البابا منذ سنة 1139، ما دفع بفيليب الرابع إلى تصفيتهم.
ولتحقيق ذلك، بدأ الملك الفرنسي بنشر الشائعات حول السلوك غير الأخلاقي لبعض عناصر فرسان المعبد، قبل أن يوجِّه لهم تهماً بالهرطقة.
من جهته، أبلغ البابا “كليمنت الخامس”، الذي كان يمثل السلطة الوحيدة التي يحق لها محاكمة فرسان الهيكل، نظيره فيليب الرابع، خلال شهر أغسطس/آب، أنه قد فتح تحقيقاً تحت إشراف الكنيسة في التهم الموجهة لفرسان المعبد.
وفي تحدٍّ صارخ للقانون الكنسي، أقدم الملك الفرنسي مستغلاً تواجد زعيم فرسان المعبد، جاك دو مولاي، في مملكته، على اعتقال عناصرهم، يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1139، وصادر ممتلكاتهم.
وتحت التعذيب والضغوطات المعنوية، اعترف فرسان المعبد في فرنسا بالجرائم والتهم الموجهة إليهم، مما دفع بالمحققين إلى إعلان محاكمة رسمية. وقد تسببت هذه الحادثة في نشر الشكوك حول مصداقية فرسان المعبد.
هذه التهمة لا أساس لها من الصحة، لكن أصدر البابا كليمنت الخامس مرسوماً لإيقاف فرسان المعبد في كل المناطق المسيحية، خلال شهر سبتمبر/أيلول سنة 1307، على الرغم من أنه لم يكن مقتنعاً باتهامات ملك فرنسا.
ومن جهته، أراد البابا أن يستعيد السيطرة على القضية برُمتها، على حساب ملك فرنسا، حيث قرر إيقاف العمل بمحاكم التفتيش، خلال شهر فبراير/شباط سنة 1308.
وخلال يوم 12 أغسطس/آب من السنة نفسها، بدأ البابا بمحاكمة فرسان المعبد. وبعد عدة تقلبات، وتحت ضغط مباشر من الملك الفرنسي، تم حل جماعة فرسان المعبد، يوم 22 مارس/آذار سنة 1312، “بموجب مرسوم لا رجعة فيه وساري المفعول إلى الأبد”، حيث تم اتخاذ هذا القرار خلال مؤتمر نُظم في مدينة فيينا.
بعد ذلك، تقرَّب البابا من الحاشية الملكية لفيليب الرابع، حيث أراد كليمنت الخامس أن يضع حداً لصراعه الطويل مع ملك فرنسا مضحياً بفرسان المعبد.
ولكن لم يتم اتخاذ أي حكم واضح في حق فرسان المعبد، بمعنى أنه لم يتم إقرار إدانتهم بالهرطقة، كما لم تتم تبرئتهم. في المقابل، تم حجز ممتلكات فرسان الهيكل المنتشرة في جميع المقاطعات، وتحويل ملكيتها، بأمر بابوي، خلال شهر مايو/أيار إلى نظام ديني عسكري آخر، وهو “فرسان القديس يوحنا”.
لعنة زعيم فرسان المعبد!
لا وجود لما يسمى بلعنة “جاك دو مولاي”، الذي قتل في محرقة أعدها له الملك الفرنسي بعد أن حكم عليه البابا بالموت. ولكن هذه الأسطورة انتشرت من على لسان المؤرخ الإيطالي، باولو إيميليو، خلال القرن السادس عشر، وقد استوحى ذلك من الكلمات التي كتبها أحد فرسان المعبد منذ سنة 1330.
وقد ذُكر أن المسؤوليْن عن إعدام جاك دو مولاي قد توفيا بعد وقت قصير من تنفيذ حكم الإعدام في حق هذا الزعيم لفرسان المعبد، وكان ذلك يوم 18 مارس/آذار سنة 1314، حيث عانى البابا من مرض مزمن قبل أن يفارق الحياة يوم 20 أبريل/نيسان من السنة نفسها.
وتوفي الملك فيليب الرابع، بدوره، عن عمر يناهز 46 سنة، يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1314، ربما نتيجة تعرضه لسكتة دماغية. زد على ذلك، قتل أحفاده في مذبحة أدت إلى انقراض سلالته الحاكمة.
وبحسب القس “جيوفروي دو باري”، الذي حضر مراسم تعذيب زعيم فرسان المعبد وإعدامه على المحرقة، نفّذ جاك دو مولاي في حقه حكم الإعدام نظراً لأنه كان شخصاً عاصياً ومنحرفاً.
وأضاف القس الفرنسي أن دو مولاي تنبأ قبل إعدامه بكلمات ذكر فيها أن “الله يعرف من منا أذنب ومن أخطأ، وسيلحق الطالع السيئ أولئك الذين يدينوننا زورا، وسينتقم الله لموتنا”. ولكنه لم يذكر اسم كل من الملك الفرنسي، فيليب الرابع، ولا اسم البابا كليمنت الثاني.
كنز فرسان المعبد
هذه المعلومة يمكن اعتبارها صحيحة وخاطئة في نفس الوقت، حيث إن لفرسان الهيكل كنزاً على غرار كل الطوائف الدينية، وهو عبارة عن آثار مقدسة وأرشيف.
ومع استعادة صلاح الدين الأيوبي للقدس خلال سنة 1187 بعد انتصاره في معركة حطين، تم تحويل إرث فرسان المعبد إلى مدينة عكا في فلسطين. بعد ذلك، نقله القائد تيبو غودان إلى مدينة “ليماسول” في جزيرة قبرص سنة 1291، وهي المدينة التي تم فيها تركيز معقل فرسان الهيكل، بعد أن طُرد المسيحيون نهائياً من الأرض المقدسة. بعد ذلك، مُحي أية أثرُ هذا الكنز تزامناً مع تفكيك جماعة فرسان الهيكل سنة 1312.
وبعكس الأفكار المتداولة عن طريق الأدب والسينما، فإن “كنز” فرسان المعبد ليس عبارة عن عملات، وحلي، ووثائق سرية. وقد عمل الكثير على البحث عن هذا الكنز في كل من اسكتلندا، والبرتغال، وفرنسا، وتحديداً في منطقة “جيزور”. وقد استمرت هذه الأسطورة طويلاً.
في الختام، يعد نظام فرسان المعبد مزروعاً بين الشرق والغرب، وهو موجود منذ قرنين تقريباً، ولكن سقوطه المدوي يفسر سبب المكانة الخاصة التي يحظى بها فرسان المعبد في مخيلة الكثيرين
هاف بوست عربي
في دراسة مثيرة شملت 100 دولة، تم الكشف عن قائمة البلدان الأكثر عصبية، حيث احتلت…
تركيا الآن ألقت الشرطة التركية القبض على مواطن سوري مشتبه به بتهمة قتل السيدة ليلى…
شهدت إحدى مباريات دوري الهواة في مدينة قيصري حادثة صادمة أثارت جدلاً كبيرًا على وسائل…
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تركيا تواصل جهودها لتحقيق الاستقلال الكامل في قطاع…
أصدرت هيئة الأرصاد الجوية التركية، الخميس، تحذيرات متتالية من عاصفة جوية وسقوط ثلوج في…
أحدثت طائرة بيرقدار تي بي 3 التركية آفاقًا جديدة في هذا المجال من خلال الهبوط…
هذا الموقع يستعمل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربة استخدامك.