انشق أمس العميد طلال سلو، من قوات سوريا الديموقراطية (قسد) بعدما عمل متحدثًا باسمها، ذاهبًا لتركيا وحلفائها السوريين، في وقت بدا غريبًا، يشهد تقدم كبيرًا لـ«قسد» على الساحة السورية، وهو ما قد يُمثل بالنسبة لبعض المحللين «صفعة تركية في وجه واشنطن»، قد تطيل من أمد الحرب.
بداية ما الذي حدث؟
قال إبراهيم الإدلبي، الناطق باسم «الجيش الحر»: إن العميد سلو، الناطق باسم «قسد»، قد انشق فجر أمس من «قسد» وفّر إلى تركيا، بعدما كان يُنسق «سرًا» مع قيادات «الحر»، وأفادت مصادر بالجيش الحر أيضًا بأن التنسيق شمل المخابرات التركية، ليصل إلى منطقة جرابلس الواقعة تحت سيطرة «الحر» وعملية درع الفرات التي تقودها تركيا في سوريا، قبل أن يصل إلى تركيا، الخبر أكده أيضًا التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، الذي أفاد بأنه «على علم بتقارير تفيد بانشقاق سلو.. لكن ليست لديه تفاصيل أخرى بشأن وضعه الحالي».
وحول تفاصيل هروبه من «قسد» مروًرا بجرابلس وصولًا إلى تركيا، أفادت تقارير صحافية بأن سلو وصل فجر أمس بسيارته الخاصة وسلاحه الشخصي، إلى آخر حواجز سيطرة «قسد»، قبل أن ينطلق نحو أقرب حاجز لعملية درع الفرات، حيث التقى هناك بمجموعة أمنية تابعة لـ«الحر» نقلته إلى جرابلس، قبل أن ينتقل بعد ذلك لتركيا، وبحسب التقرير نفسه، فإن سلو قد قال من منطقة على الحدود السورية التركية إنه بين «أصدقائه السوريين والأتراك».
من هو طلال سلو؟
ولد سلو في بلدة الراعي شمال شرق حلب، بالقرب من الحدود السورية التركية؛ إذ تبعد 60 كيلومترًا فقط عن الحدود التركية، وهو تركماني الأصل، تخرّج من الكلية الجوية عام 1978، وعمل ضابطًا في الجيش النظامي السوري، قبل أن يعتقله النظام في 2004، ويحبسه ـ20 شهرًا في سجن صدنايا؛ لأسباب وصفتها تقارير صحافية بـ«السياسية والطائفية»؛ لتوتر علاقته مع النظام، وبعد ذلك أفرج عنه النظام، وسرحه من الخدمة في الجيش، ولكن خدمته العسكرية لم تتوقف هذه المرة «ضد النظام».
مع العام الثالث من بدء الانتفاضة السورية، حصل سلو على رتبة «عقيد فخرية»، وعمل قائدًا لما يُسمى بـ«لواء السلاجقة»، المدعوم تركيًا شمالي حلب، و اندلعت معركة بين اللواء و«تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، استمرت لـ6 أيام، وانتهت بانتصار (داعش)؛ ليغادر سلو إلى تركيا، ويمكث هناك لنحو سنة ونصف.
وخلال تواجده في تركيا جرت لقاءات بين سلو والمخابرات التركية، ولكن نشبت الخلافات بينهم، وأوقفت تركيا دعم «السلاجقة» و«فضّلت المخابرات التركية الاعتماد على مجموعة غير أكفاء لألوية تركمانية أخرى» على حد تعبير سلو، الذي عاد إلى سوريا مرة أخرى في أكتوبر (تشرين أول) 2015؛ لينضم إلى «قسد»، القوات الكردية العربية، التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، وتمثل عمودها الفقري، وتتلقى الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
ونال سلو منصبًا رفيع المستوى بوصوله إلى قسد؛ إذ عُين متحدثًا باسمها؛ ليلعب دورًا إعلاميًا ملحوظًا، ليس فقط في المعارك التي تقودها قسد ضد داعش، وإنما أيضًا لمعارك قسد ضد الجيش الحر المدعوم من تركيا، وقد ترقى سلو مؤخرًا ليصبح عميدًا، وبرز الرجل إعلاميًا بعد إعلان قسد قبل أقل من شهر سيطرتها على «الرقة»، أحد أكبر معاقل داعش، والتي كان يعتبرها عاصمة خلافته.
لماذا انشق سلو عن قسد؟
هذه مقدمة تبدو «مُبشرة»، تساعد على استمرار سلو في «قسد»، ولكن ما وقع فعليًا، هو ما يُمكن تسميه بـ«انشقاق مفاجئ» لسلو، وقد أرجعت مصادر بـالجيش الحر أسباب ذلك إلى تعرضه لضغوط من قيادات في قسد دفعته للانشقاق.
وقد ربط البعض بين تعيين، مصطفى بالي المسؤول الإعلامي في حزب الاتحاد الديمقراطي (الذراع السياسي للوحدات الكردية) رئيسًا للمكتب الإعلامي في قسد، مشيرين إلى أن تعيينه همّش من دور سلو، وبالي أدى مؤخرًا مهام تبدو مرتبطة أكثر بسلو؛ بإجراء بالي حوار مع منظمة «هيومن رايتس واتش»، في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) قبل أقل من أسبوع من انشقاق سلو.
وأفادت تقارير صحافية بأن تهميش سلو تضمن معاملة سيئة من قيادات قسد، وإخباره «متأخرًا» بالتحركات العسكرية، بالإضافة إلى تسليمه أكثر من مرة معلومات غير صحيحة ليدلي بها إعلاميًا، وعدم دعوته للاجتماعات التي تجري بين قسد والأمريكيين حول مناطق الإدارة الذاتية شمالي سوريا، ولا تنفصل تلك التحليلات عن حقيقة السيطرة الكردية على قسد، وضغوطهم على سلو الواجهة «غير الكردية» لـ«قسد»، ليظهر سلو بمشهد أقرب إلى «الدمية» الذي يحركه الأكراد، وهو ما قد يكون سببًا دفعه للانشقاق.
وقد تكون تلك الضغوط تجمعت مع ضغوط تركية أخرى، مرتبطة بأولاد سلو الذين يعيشون في تركيا؛ إذ أعرب سلو سلفًا عن تلك الضغوط، عندما قال إن أبناءه كانوا يتعرضون لمضايقات في تركيا، وقد سُحبت منهم «المنحة الدراسية» التي أعطتها تركيا لهم أثناء تواجده هناك.
ولفت سلفًا: «أخشى أن يأخذ الموضوع بعدًا أكبر؛ لأنّي أتلقى التهديدات دومًا منهم؛ كوني أنا الوحيد التركماني ضمن هذا المشروع، وأنا المشرف على موضوع تواجد التركمان، سواء سياسيًا أو عسكريًا، والتنسيق بينهم وبين والإدارة العسكرية لقسد»، لذلك قد تكون تلك الضغوط المتشابكة تجمعت على سلو ودفعته للانشقاق عن «قسد»، والذهاب إلى تركيا.
توقيت «غريب» لانشقاق سلو
جاء انشقاق سلو في توقيت بدا «غريبًا»؛ إذ جاء بعد أقل من شهر من استعادة «قسد» للرقة من «داعش» وما صاحب ذلك من «صيت إعلامي»، ويأتي أيضًا مع تعاظم المساحة التي تسيطر عليها «قسد» في الجغرافيا السورية، وتفوقها على أي فصيل معارض على الأراضي السورية، فجغرافيًا لم يتفوق على «قسد» في مساحة السيطرة داخل الأراضي السورية، سوى النظام السوري وحلفائه، فيما قاربت مساحة سيطرة «قسد» من ضعف مساحة سيطرة الفصائل المعارضة.
إذ أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان خريطة جديدة، محدثة حتى 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، تُظهر تباين مناطق السيطرة على الأراضي السورية، ونسب السيطرة المختلفة على الأراضي السورية بين أطراف الصراع، وبحسب أرقام المرصد، فقد جاء النظام السوري أولًا بمساعدة حلفائه (روسيا، إيران، حزب الله)، بسيطرته على نحو 53.7% من جغرافيا سوريا، بمساحة تقترب من من 100 ألف كيلو متر مربع.
فيما جاءت قسد في المركز الثاني، بسيطرتها على نحو 26.8% من الجغرافيا السورية بمساحة تقترب من 50 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة تقترب من ضعف ما تسيطر عليه الفصائل المعارضة، التي جاءت في المركز الثالث، بسيطرتها على 13.7% من الجغرافيا السورية، بمساحة تزيد عن 25 ألف كيلو متر مربع، وتتضمن تلك النسبة 1.2% تسيطر عليها فصائل «درع الفرات» التي تقودها تركيا، فيما جاء داعش أخيرًا بسيطرته على 5.8% من جغرافية سوريا، بمساحة تبلغ 10 آلاف كيلومتر مربع.
«صفعة تركية في وجه أمريكا» قد تطيل من أمد الحرب
تُظهر الأرقام سالفة الذكر أن الحرب السورية قاربت بشكل ما على الانتهاء، وبالأخص ضد داعش مع سيطرة النظام السوري على غالبية المساحة في سوريا، والتقلص الشديد لمناطق سيطرة داعش، ولكن حربًا جديدة قد تنشأ على ما يبدو بين الفصائل المعارضة السورية، وبالأخص المدعومة من تركيا، وبين قسد الصديق المفضل لأمريكا في الداخل السوري، بعيدًا عن النظام وداعش، فطريقة انشقاق سلو والتدخل التركي فيها، وأسبابه المحتملة، لا تشي بأن الرجل انشق لـيتقاعد.
وإنما سيلعب على ما يبدو دورًا في الخلاف التركي الأمريكي بشأن أكراد سوريا، من خلال المعلومات الأمنية والعسكرية التي يمتلكها سلو، عن القوات الكردية المتمركزة بالقرب من الحدود التركية، وطبيعة الدعم الأمريكي لتلك الوحدات، والأهداف الاستراتيجية لذلك الدعم.
ويمثل الموقف المتباين تجاه الوحدات الكردية تلك، أبرز أسباب الخلاف بين أنقرة واشنطن، فالوحدات التي تعتبرها أمريكا صديقها المفضل في سوريا لا تفرق أنقرة كثيرًا بينها وبين داعش، وتصنف كليهما على أنهما منظمات إرهابية، وتعتبر تركيا الوحدات الكردية المسيطرة على قسد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا في تركيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي، الذي تحاربه أنقرة جنوبي تركيا بالقرب من الحدود السورية التركية، ومع تقلص نفوذ داعش في سوريا، تبقى الوحدات الكردية تمثل الخطر الأكبر بالنسبة لتركيا الآن.
وقد انزعجت تركيا كثيرًا من رفع الأكراد أثناء احتفالهم باستعادة الرقة، صورة عبد الله أوجلان، الزعيم الكردي بحزب العمل الكردستاني، المسجون في تركيا منذ عام 1999، بعد الحكم بالسجن مدى الحياة لاتهامه بالخيانة، وهو ما عدّه رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، خطوة «تضر العلاقات الأمريكية التركية بشدة» الأمر امتد للرئيس التركي نفسه رجب طيب أردوغان الذي تساءل «كيف تفسر الولايات المتحدة صورة أوجلان في الرقة؟ هل هذه هي الطريقة التي يتعاونون بها معنا في الصراع ضد الإرهاب؟ إنكم لا تقفون معنا ضد الإرهاب».
وكان أحد أهم أسباب التدخل العسكري التركي في شمالي سوريا، في عملية درع الفرات التي انطلقت في أغسطس (آب) 2016، هو وقف تمدد سيطرة الوحدات الكردية على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، وقد وقعت اشتباكات مباشرة بالفعل بين تركيا وحلفائها بالداخل من الجيش الحر من جهة، وبين الوحدات الكردية من جهة أخرى، خلال عملية درع الفرات.
لذلك يمثل انشقاق سلو من قسد ولجوئه إلى تركيا الداعمة للجيش الحر «صفعة تركية في وجه أمريكا» في إطار موقفهما المختلف من الأكراد، وقد تتجدد الاشتباكات العسكرية مرة أخرى بين قسد وفصائل معارضة أخرى، أو قد تستفيد تركيا على الأقل من وجود سلو معها، لأخذ التدابير والاحتياطات اللازمة من الوجود الكردي، على الحدود السورية التركية، وأدى الانشقاق أيضًا إلى ما يبدو قلقًا كرديًا فقد أبدى مسؤولون منهم اليوم تمسكهم ببقاء الولايات المتحدة، ومد تواجد مسؤولين أمريكيين في سوريا معهم، حتى بعد التخلص من داعش، لمواجهة ما أسمّوه بالمسؤولين الأكراد بـ«االتدخلات الإيرانية والتركية في سوريا».
ساسة بوست