دواء يمنحك لذة الحب ويعالج الامراض النفسية

هل خطر ببالك يوماً أنه يمكنك أن تتناول قرصاً يعطيك شعوراً بنفس اللذة التي تحس بها حين تجتمع بالحبيب؟ .. بل وأكثر.. قرصاً يمنحك نفس الشعور بالسعادة ولكن دون الاضطراب الظاهر وخفقان القلب والتعرق!

هذا الخيال أصبح الآن حقيقة بفضل ابتكار علماء أستراليين عقاراً يحاكي مفعوله تأثير “هرمون الحب” الذي يسمى علمياً هرمون الأوكسيتوسين؛ أملاً في إمكانية استخدامه لعلاج أمراضٍ مثل القلق والفصام.

ولمعرفة مدى أهمية هذا الهرمون لا بد أن تعلم أن المركبات المكونة له تتدخل في جميع أنواع الوظائف الموجودة بجسم الإنسان؛ إذ ترتبط مع المستقبلات العصبية في المخ؛ ومن ثم تؤثر على رعاية الأمهات أبناءهن، والتفاعلات الاجتماعية، ومستويات التوتر والقلق، ويلعب الهرمون أيضاً دوراً في مساعدة النساء في أثناء الولادة.

ويُعتقد حسب تقرير صحيفة  Independent البريطانية، أنَّ هذه المادة الجديدة المصنّعة يمكن عند تناولها تجنب عدد من الآثار الجانبية المرتبطة بالعلاجات الحالية التي تحاول محاكاة تأثير الأوكسيتوسين.

وقال قائد فريق البحث والمتخصص بالكيمياء الطبية في جامعة كوينزلاند الأسترالية ماركوس موتنتالر: “الجانب السلبي للأوكسيتوسين هو أنَّه يحفز عدداً من المستقبلات الحسية، والتي يمكن أن يؤدي بعضها إلى آثار جانبية غير مرغوبة”.

وبما أن مركباته تدخل -كما ذكرنا آنفاً- في جميع وظائف الجسد، فهذا يعني أنه يملك قيمة طبية؛ فعلى سبيل المثال، في أثناء الولادة ربما تحصل النساء على قطراتٍ من الأوكسيتوسين لجعل انقباضاتهن أقوى، وهو ما يعني أنه إذا استُخدم بمستوياتٍ مرتفعة، فإنَّ هذا العلاج يمكن أن يسبب آثاراً جانبية مزعجة؛ مثل: مشاكل القلب والأوعية الدموية، أو تمزق الرحم.

 

فاعلية المركب الجديد

ويُنصح أيضاً باستخدام الهرمون كعلاج لأمراض عدةٍ، مثل القلق والاكتئاب والإدمان وفقدان الشهية والفصام، وذلك بفضل قدرته على تعزيز السلوك الاجتماعي والترابط، ولكن الآثار الجانبية الخطيرة المرتبطة بالأوكسيتوسين تُصعّب استخدامه مع البشر.

ولكن المادة الجديدة، التي تناولها بحثٌ جديد نُشر في دورية Science Signaling العلمية، يمكنها توفير بديل قابل للاستخدام.

وقال موتنتالر: “فاعلية المركب الذي طورناه، مماثلة تماماً لفعالية الأوكسيتوسين، ولكنَّه يظهر انتقائية مُطورة تجاه مستقبلات الأوكسيتوسين؛ مما يعني احتمالية تقليل الآثار الجانبية الخطيرة”.

واختبر فريق البحث المركبَّ -وهو عبارة عن نسخة من هرمون الأوكسيتوسين مع بعض التعديلات- على الفئران، ووجدوا أنَّها تغلبت على الخوف الاجتماعي سريعاً، وهذا يعكس دوراً محتملاً للهرمون في علاج أمراضٍ مختلفة تتضمن أعراضها مثل هذا الخوف.

وقال المتخصص بدراسة تأثير العقاقير على المخ والجهاز العصبي في جامعة سان جورج لندن الدكتور أليكسيس بيلي، تعقيباً على ابتكار المركب الجديد: “بصفتي باحثاً متخصصاً بدراسة هرمون الأوكسيتوسين والصحة النفسية، أرحب بتطوير هذه المادة التي تعمل بانتقائية مع مستقبلات الأوكسيتوسين”.

وأضاف بيلي أنَّ هناك أدلة جيدة على فوائد الأوكسيتوسين في بعض الأمراض التي يتوافر لها القليل من العلاجات الأخرى مثل التوحد، ولكنَّه أشار إلى الحاجة للمزيد من الأبحاث لتحديد الفائدة الطبية لكل من الأوكسيتوسين والأوكسيتوسين الاصطناعي في علاج الأمراض النفسية.

واتفقت الطبيبة النفسية في جامعة كارديف في ويلز الدكتورة أريانا دي فلوريو، مع الرأي القائل بأنَّ تأكيد الفوائد المحتملة للأوكسيتوسين ما زال مبكراً.

وقالت أريانا: “هناك ضجيجٌ مثار؛ لأنَّها جزيئات مثيرة للاهتمام للغاية”، ولكنَّها أشارت إلى أنَّها ليست اختبارات سريرية، وأنَّه لا يوجد دليل قوي يدعم الاستخدام اليومي للعلاج.

وأضافت أريانا أنَّه في حين تُعد الآثار الجانبية للعلاج أحد الأمور التي يجب وضعها في الحسبان، هناك مشكلة أكبر قد تظهر، وهي حقيقة أنَّ فوائد استخدام الأوكسيتوسين مع الأشخاص الذين يعانون اضطرابات القلق قد تكون ناتجة عن تأثير الدواء الوهمي (النفسي)، وهذا قد يعني أنَّ الأوكسيتوسين ربما لا يملك قيمةً كبيرة كدواء.

ولكنَّ موتنتالر وزملاءه يسعون إلى تحسين الخصائص الدوائية لمادتهم الجديدة، ويُجرون المزيد من الدراسات الشاملة لقدراتها العلاجية المحتملة.

وختم: “لا يُعد المركب الجديد مبادرة واعدة لعلاجاتٍ مستقبلية فقط؛ بل أيضاً خطوة مهمة لفهم دور مُستقبِلات الأوكسيتوسين في الصحة والمرض”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.