اعتبرت الرئاسة التونسية وقوى فاعلة سياسيا واقتصاديا زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لتونس، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، حدثا مهما وخطوة جديدة نحو تعميق علاقات قوية وممتازة أصلا.
الرئاسة التونسية قالت، في بيان الأربعاء، إن الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، مرتاح “لمستوى التعاون المتميّز بين البلدين وتقديره كبير لمواقف تركيا المُساندة لمسار الانتقال الديمقراطي في تونس ومختلف أشكال الدعم الذي قدمته منذ سنة 2011″.
وشددت الرئاسة على “الأهمية الكبرى التي تُوليها بلادنا (تونس) لتطوير العلاقات الثنائية وتنويعها”.
ونوهت إلى “تفهم الجانب التركي لخصوصية الظرف الاقتصادي والاجتماعي، الذي تمرّ به تونس، وحرص الرئيس أردوغان على اصطحاب وفد هام من رجال الأعمال الأتراك، لاستكشاف مناخ الاستثمار وفرص الشراكة في تونس”.
الرئيس التركي، وعقب لقائه نظيره التونسي، هنأ، الأربعاء، جميع السياسيين التونسيين بالنجاح الذي حققوه في البلاد، مشددا على أن تونس تركيا ستقف دائمًا إلى جانبهم.
وأوضح أردوغان، خلال مؤتمر صحفي مشترك، أنه بحث مع السبسي قضايا إقليمية متعددة، بجانب العلاقات بين تركيا وتونس.
وأضاف أنهم قرروا تكثيف الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين خلال الفترة المقبلة.
وعبّر أردوغان عن رغبة أنقرة في تعزيز التعاون مع تونس في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والاستثمار والسياحة والزراعة، وغيرها.
وشدد على أهمية زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، البالغ حاليًا مليار و125 مليون دولار، إلى مستويات أعلى.
وأضاف أنه تم الاتفاق مع الجانب التونسي على زيادة التجارة بشكل متوازن، وأن تزيد تركيا دعمها الاقتصادي لتونس.
وفي لقاءات منفردة، استقبل أردوغان، الأربعاء، رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، ورئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان)، محمد الناصر، والمدير التنفيذي لحركة “نداء تونس” (56 نائبا من أصل 217)، حافظ قايد السبسي، ورئيس حركة “النهضة” (الكتلة البرلمانية الأولى بـ68 نائبا)، راشد الغنوشي.
كما حضر أغلب زعماء الأحزاب التونسية والمنظمات الكبرى مأدبة غذاء نظمها السبسي على شرف أردوغان والوفد المصاحب له.
مشيدا بالرئيس التركي، كتب الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي (2011-2014)، على صفحته بموقع “فيسبوك”: “مرحبا بالرئيس أردوغان في تونس، مرة أخرى وللتاريخ لم تجد الثورة التونسية من سند مخلص ودائم إبان الفترة الانتقالية قدر تركيا التي سلحت جيشنا وأمننا بقدر هام وقطر التي أعانتنا اقتصاديا”.
وأطاحت ثورة شعبية في تونس بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي (1987-2011)، لتنطلق بعدها ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة في عدد من الدول العربية.
وأضاف المرزوقي: “كم يثلج الصدر أن أرى هذه الصداقة تتواصل رغم تغير الأشخاص”.
والتقى الرئيس التركي، في العاصمة تونس الأربعاء، برئيس البرلمان التونسي وعدد من النواب.
وقال مساعد رئيس البرلمان المكلف بالتشريع، الصحبي عتيق، الذي حضر اللقاء، إن “زيارة الرئيس التركي لتونس كانت ناجحة وهامة”.
وأضاف النائب البرلماني عن حركة “النهضة”، في تصريح للأناضول، أن “تركيا بلد دعم الثورة التونسية، وتجمعه بتونس علاقات أخوة تاريخية عريقة”.
ولفت إلى أن “تركيا قدمت مساعدات لتونس قبل وبعد ثورة تونس في يناير (كانون ثان) 2011، منها مساعدات وهبات عسكرية لدعم تونس في مجال مكافحة الإرهاب”.
وأعرب عن أمله في أن تستفيد بلاده من التجربة التركية الناجحة، خاصة في المجال الاقتصادي.
ووفق أرقام رسمية تونسية تبلغ قيمة العجز في الميزان التجاري بين البلدين 1482 مليون دينار (حوالي 595 مليون دولار أمريكي) لصالح تركيا.
وأضاف عتيق أن تونس تتطلع إلى تقليص العجز التجاري على مستوى التبادلات التجارية مع تركيا، وأن “الرئيس أردوغان وعد، خلال لقائه مع النواب التونسيين، باتخاذ إجراءات لتقليص هذا العجز”.
فيما أشاد رئيس فيديرالية مؤسسة المواطنة “كوناكت” (مستقلة تضم حوالي أربعة آلاف رجل وسيدة أعمال)، طارق الشريف، بتوقيع بلاده مع تركيا، الأربعاء، اتفاقيات وبروتوكلات تعاون في المجالات العسكرية والاستثمارية والبيئية.
وقال الشريف للأناضول إن “تركيا لديها، على الصعيد الاقتصادي، صناعة متطورة، وأنا متأكد أن التعاون بين البلدين سيكون حافزا لتقوم تركيا بالتصنيع في تونس”.
وأضاف أن “المنتج التركي في مجالات عديدة بلغ مستويات ممتازة في العالم، وهذا يمكنه أن يعود بالفائدة على تونس”.
وتابع بقوله: “لدى تركيا إمكانيات كبيرة في المجال الصناعي، ويمكن إقامة شراكات في هذا المجال بين القطاعين الخاص والحكومي في كلا البلدين”.
وحول القطاعات التي يمكن من خلالها تطوير التعاون الثنائي، قال الشريف إن “تركيا لها نجاحات كبيرة في قطاعات الفلاحة والصناعة والسياحة، ويمكن تطوير التعاون في هذه القطاعات”.
ولفت إلى أن “العديد من رجال وسيدات الأعمال التونسيين في مؤسسة (كوناكت) لهم تعاملات اقتصادية في تركيا، ويقتنون تجهيزات صناعية ومواد أولية تركية ولديهم شراكات مع نظرائهم في تركيا، نظرا لأن هذا البلد (تركيا) له قدرة تنافسية متميزة”.
وخلال فعاليات المنتدى التونسي التركي للاستثمار والأعمال، الأربعاء، قال وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، إن أنقرة ستواصل تطوير علاقاتها الاقتصادية ومبادلاتها التجارية مع تونس بكل السبل الممكنة، بما يحقق توازنا أكبر في الميزان التجاري بين البلدين.
ورأى زيبكجي أن “الحل الأمثل لمعالجة عدم التوازن في المبادلات التجارية بين البلدين يكون عبر زيادة الرقم الأضعف، وهو معدل الصادرات التونسية إلى تركيا، وليس عبر تخفيض الرقم الأكبر (الصادرات التركية إلى تونس)”.
ودعا الوزير التركي رجال الأعمال الأتراك إلى العمل والاستثمار في تونس.
وأشار زيبكجي إلى أن “اجتماع اللجنة العليا المشتركة للبلدين، في فبراير(شباط) المقبل بإشراف رؤساء حكومتي البلدين، سيبحث سبل تعزز المبادلات التجارية”.
بدوره، اعتبر وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي التونسي، زياد العذاري، أن منتدى الاستثمار والأعمال “يمثل فرصة حقيقية لفتح آفاق هامة وواعدة في العلاقات الاقتصادية”.
وأفاد العذاري بوجود قناعة بين مسؤولي البلدين بأن العلاقات التجارية والاقتصادية مازالت لا ترتقي إلى المأمول، مقارنة بالعلاقات التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية العريقة بينهما.
وشدد على “رغبة الحكومة التونسية في تطوير حجم الصادرات التونسية إلى تركيا، بما يساهم في تحقيق توازن تجاري بين البلدين.”
ونوّه الوزير التونسي بتفهم المسؤولين الأتراك لضرورة العمل على تقليص العجز التجاري.
وأضاف العذاري أن “الجانب التركي مستعد لمضاعفة وارداته من بعض المنتجات التونسية، منها الفوسفات والمواد الغذائية، مثل زيت الزيتون والتمور”.
ولم تقتصر زيارة الرئيس التركي لتونس على الرسائل الموجهة إلى التونسيين بشأن أوضاعهم الداخلية، بل تناولت اهتمامات إقليمية ودولية للبلدين.
وخلال المؤتمر الصحفي مع السبسي، قال أردوغان إن تركيا وتونس تقولان إن “القدس خط أحمر بالنسبة لنا، ولا يمكن قبول أي خطوة بخصوص تغيير الوضع التاريخي للقدس وقدسيتها”.
وفجر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 6 ديسمبر/ كانون أول الجاري، غضبا في دول عربية وإسلامية وغربية بإعلانه اعتراف بلاده رسميا بالقدس (بشطريها الشرقي والغربي) عاصمة مزعومة لإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، والبدء بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس الشرقية الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
وأشار أردوغان إلى أن قمة دول منظمة التعاون الإسلامي، في إسطنبول يوم 13 ديسمبر/ كانون أول الجاري، أكّدت أيضًا أن القدس خط أحمر لما تتمتع به من قدسية وأهمية.
وشدّد على أن تركيا ستواصل دعمها لفلسطين ولعملية السلام.
واعتبر الباحث في العلاقات الدولية، بشير الجويني، أن “رسائل أردوغان بشأن القدس مهمة جدا”.
وأضاف الجويني، في حديث للأناضول، أن “تركيا مثل أي دولة لها مصالح ورغبة في قيادة المشهد، وهي قادرة على قيادة التحركات بشأن القدس، خاصة بعد انسحاب مصر والسعودية، للانكفاء على مشاكلهما الخارجية”.
وشدد على أن “تركيا قادرة على تقديم الإضافة في الموضوع، وكان انعقاد الؤتمر الإسلامي خطوة سبقت بها تركيا كل الأطراف”.
كما شدد الرئيس التركي، خلال المؤتمر الصحفي، على أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، “مارس إرهاب الدولة ضدّ شعبه”.
وتابع أردوغان: “لا يمكن أبداً مواصلة الطريق مع بشار الأسد في سوريا، لماذا (؟).. لأنه لا يمكن المضي مع شخص قتل قرابة مليون مواطن من شعبه”.
وأضاف: “أقولها بصراحة تامة.. الأسد إرهابي مارس إرهاب الدولة”.
ما علق عليه الجويني بأن “موقف تركيا من سوريا شهد هزات عديدة، ورفض أردوغان للأسد هو الثابت الوحيد في المقاربة التركية لحل الأزمة السورية” القائمة منذ عام 2011.
واعتبر الجويني أن “الموقف من الأسد هو رسالة موجهة إلى النظام السوري و(حليفته) إيران، وليست موجهة إلى الداخل التونسي”.
وتطرقت مباحثات الرئيسين التركي والتونسي أيضا إلى الأزمة القائمة منذ سنوات في ليبياة، جارة تونس.
وقالت الرئاسة التونسية، في بيان، إن البلدين أكدا على “أهمية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في ليبيا، بمشاركة جميع الأطياف الممثلة للشعب الليبي، وتحت مظلة الأمم المتحدة”.
وبشأن الأوضاع في ليبيا، قال الجويني إن “تركيا تهتم بليبيا، ليس للبعد الاقتصادي فقط، بل لرمزية ليبيا عند تركيا، وأهمية العلاقات الليبية التركية تاريخيا”.
وختم بأن “تركيا تعتبر أن القرب التونسي لليبيا يمكن أن يساهم في إيجاد حل.. و اللقاءات الليبية التونسية التركية العديدة تشهد على تقدير تركيا للدور التونسي”.