أحداث هزت السعودية خلال 2017

شهدت السعودية خلال الأشهر القليلة الماضية أحداثا درامية غير مألوفة في المملكة، التي طالما عرفت بنهجها المحافظ.

ومع أن الملك سلمان بن عبدالعزيز أثار دهشة المراقبين بقرارات مفاجئة اتخذها عقب صعوده إلى سدة الحكم في يناير/كانون الثاني 2015، فقد كانت الأحداث خلال 2017 غير مسبوقة في وتيرتها.

ولم يقتصر الأمر على إعادة ترتيب خلافة العرش السعودي وإفساح المجال أمام الأمير الشاب محمد بن سلمان، بل تعقدت علاقات المملكة إقليميا على نحو جعل الكثيرين يخشون نشوب حرب أخرى في المنطقة.

  • تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد ذروة ثورة في قيادة السعودية

القطيعة مع قطر

في صباح الخامس من يونيو/حزيران الماضي، بدت منطقة الخليج على شفا منعطف جديد في العلاقات بين دولها.

فقد وردت أنباء متتابعة عن سلسلة من العقوبات فرضتها دول عربية أربع – وفي مقدمتها السعودية – ضد قطر.

وبين عشية وضحاها، أصبح صدى الحديث عن احتمال نشوب حرب يتردد في أرجاء المنطقة

وجهت السعودية والإمارات ومصر والبحرين اتهامات بدعم “الإرهاب” إلى قطر، التي شاركتهم قبل أقل من شهر في قمة نظمت في الرياض بمناسبة أول زيارة خارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وبدا أن الدولة الخليجية الصغيرة، التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، تتحسب للأسوأ. وخلال فترة وجيزة وصلت إليها قوات تركية، وذلك بعد موافقة البرلمان التركي عليها بشكل عاجل.

بُذلت جهود للوساطة بين الدول الأربعة وقطر، وبدت بارقة أمل بعد ورود نبأ اتصال بين الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني والأمير السعودي محمد بن سلمان.

لكن، سرعان ما أعلنت الرياض عن تعطيل أي تواصل مع الدوحة، متهمة إياها بـ”تحريف الحقائق، بما لا يبني الثقة المطلوبة للحوار”.

ولا يتوقع الأكاديمي السعودي خالد باطرفي، المحاضر بجامعة الفيصل، أن يحدث حل “في وقت قريب” للأزمة مع قطر، مشيرا إلى أن كلا الطرفين متمسك بموقفه.

وقال باطرفي لبي بي سي عربي إن المسافة بين الجانبين أصبحت كبيرة، مشيرا إلى أن الأزمة لها تأثير على مجلس التعاون الخليجي، لكن ليس بالقدر الكبير.

ومع مرور الأيام، لم تعد هذه الأزمة تستحوذ على العناوين الرئيسية على أهميتها، فقد باتت تتردد أصداء تغيرات درامية أخرى داخل المملكة.

 

بعد مرور ما يزيد قليلا عن أسبوعين على اندلاع الأزمة مع قطر، صعد محمد بن سلمان فجأة، ليصبح على بعد خطوة واحدة فقط عن عرش المملكة.

ففي صباح 21 يونيو/حزيران، نقلت وسائل الإعلام أخبار تغييرات في ترتيبات خلافة العرش السعودي، إذ عزل الأمير محمد بن نايف من منصب ولي العهد، وأخذ محمد بن سلمان موقعه خلف أبيه مباشرة.

وأصبح للأمير الشاب سلطات غير مسبوقة، فهو أيضا وزير للدفاع ونائب لرئيس الوزراء ورئيس لمجلس الشؤون السياسية والأمنية ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.

ولا يستبعد مراقبون أن يقدم الملك السعودي على ترك عرشه لابنه الشاب، لكن ربما لن يحدث ذلك قبل الزيارة المتوقع أن يقوم بها الملك للولايات المتحدة أوائل 2018.

ومع أن ولي العهد أثار الكثير من الجدل خارج حدود المملكة، ينظر إليه الكثيرون من رعيته باعتباره نموذجا لجيل الشباب في بلد نحو 20 في المئة من سكانه تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما.

قرار تاريخي بشأن المرأة السعودية

لم تستطع السعوديات لعقود قيادة السيارات في شوارع مملكتهم الغنية بالنفط.

وظلت نساء، في هذا البلد الذي انفرد بحظر على قيادة المرأة للسيارة، ينظمن بين الفينة والأخرى حملات لانتزاع هذا الحق.

ومع أنه لم تكن ثمة قوانين سعودية تحظر صراحة قيادة المرأة للسيارة، ألقت الشرطة الدينية، التي تعرف باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، القبض من قبل على نساء حاولن تحدي ذلك الحظر الفعلي.

اقرأ أيضا

وفي مناسبات أخرى، حذر رجال دين من مخاطر على “عفة وعذرية” النساء في البلاد اذا سمح لهن بقيادة السيارة.

لكن، في أواخر سبتمبر/أيلول أصدر الملك سلمان قرارا تاريخيا ينص على تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة على الذكور والإناث على حد سواء.

وفي إطار التغييرات التي شهدتها السعودية المرتبطة بوضع المرأة، أُعلن السماح للنساء بحضور فعاليات رياضية مع عائلاتهن داخل الملاعب مع مستهل 2018. لكن مسؤولين أوضحوا أن ذلك سيتم وفق “ضوابط خاصة”.

لكن لا تزال ثمة قيود على السعوديات، إذ يتعين عليهن الالتزام بها عند السفر للخارج أو فتح حساب بنكي، على سبيل المثال.

ويقول باطرفي إن المرأة السعودية لا تزال تنتظر قانون بشأن قضية التحرش.

ويؤكد على أن هذا القانون المرتقب له أهميته خاصة بالنسبة للمرأة العاملة “لضمان حمايتها من أي تحرش”.

ويشير إلى أن المرأة أقبلت على كافة الفرص التي أتيحت لها في إطار التغييرات، قائلا إن المرأة أصبح لها وجود في مناصب عليا والقطاع الخاص وقيادة الشركات.

اعتقالات الامراء

كانت التطورات التي شهدتها السعودية في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مدوية في أرجاء العالم، فقد أعلن عن موجة اعتقالات شملت نحو مئتي شخص من بينهم الأمير الوليد بن طلال، وهو من أغنى أغنياء العالم، ووزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله، الذي كان ينظر إليه باعتباره وريثا محتملا لعرش المملكة عندما كان أبوه يجلس على كرسي الحكم.

وتزامنت هذه الأحداث مع الإعلان عن لجنة “لمكافحة الفساد” لتكون سلطة أخرى في يد ولي العهد.

ويرى باطرفي أن “الحملة على الفساد ستستمر وستشمل فئات أخرى من العاملين في الدولة أو في السلك العسكري أو الأمني أو في القطاع الخاص”.

ويقول إن هذه الحملة “بدأت من الأعلى، ولا زال أمامها مشور طويل حتى تصل إلى القاعدة”.

ولم يذهب الموقوفون إلى سجن عادي، بل دفع بهم داخل فندق ريتز كارلتون الفخم، الذي استطاعت بي بي سي الدخول إليه بشكل حصري.

وتحدث النائب العام السعودي عن أن الفساد داخل المملكة شمل إساءة استغلال 100 مليار دولار، على الأقل، على مدار عقود.

وأطلق سراح عدد من المحتجزين، ومن بينهم الأمير متعب بن عبد الله، مقابل تسويات مالية.

وقال ولي العهد – في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز – إن 95 في المئة من المحتجزين وافقوا على “تسوية مع الحكومة يتنازلون بموجبها عن ما كسبوه بطريقة غير قانونية”.

لكن، لا يزال الملياردير الوليد بن طلال، الذي أثار اعتقاله قلق المستثمرين حول العالم، محتجزا وسط أنباء بأن السلطات السعودية طالبته بدفع ستة مليارات من الدولارات لتسوية قضيته.

السماح بدور السينما

كما أعلنت السلطات السعودية خلال الشهر الحالي أنها قررت السماح بفتح صالات للعرض السينمائي خلال 2018.

وجاء ذلك في إطار تغييرات تشملها خطة ولي العهد للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.

وكانت صالات السينما في المملكة قد حظرت في سبعينيات القرن الماضي.

وأكدت وزارة الثقافة والإعلام على أن دور السينما “ستخضع للرقابة وفق معايير السياسة الإعلامية للمملكة”.

وقالت في بيان صحفي إن “العروض ستتوافق مع القيم والثوابت المرعية، بما يتضمن تقديم محتوى هادف لا يتعارض مع الأحكام الشرعية ولا يخل بالاعتبارات الأخلاقية في المملكة”.

ويتوقع باطرفي استمرار نهج التغييرات في السعودية، قائلا إنه “هذا زمن الشباب، وهم ليس لديهم وقت للانتظار”.

 

BBC

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.