عندما ضاق الخناق على الإعلاميين العرب في بلادهم، إبان أحداث الربيع العربي، قبل 7 سنوات، وجدوا في تركيا ملاذاً يتنفسون فيه “نسمات الحرية”.
وفتحت تركيا ذراعيها لمئات من الإعلاميين والصحفيين العرب ، الفارّين من ويلات الحروب والتضييق على الحريات، التي تشهدها بلادهم.
ويتواجد في تركيا، وفق إحصائية لمراسل الأناضول، أكثر من 3 آلاف إعلامي عربي يعملون في عشرات المواقع الإلكترونية والفضائيات والمحطات الإذاعية الناطقة بالعربية.
ونجحت تركيا في استقطات تلك الأعداد بفضل مساحة الحرية الممنوحة للإعلام، وغياب التدخلات والإملاءات السياسية والأمنية، إلى جانب البنية التحتية المناسبة، بحسب العديد من الصحفيين والإعلاميين.
وبحسبهم، فإن إسطنبول، على وجه الخصوص، باتت عاصمة للإعلام العربي، ومركزاً للإعلام المعبّر عن ثورات الربيع العربي، الرافض للقمع والقهر والثورات المضادة.
كما استقبلت تركيا، خلال السبع سنوات الماضية، أكثر من 4 ملايين من اللاجئين العرب، من سوريا والعراق واليمن وفلسطين، بالإضافة إلى الآلاف من المصريين، وهو ما خلق حاجة ماسة لإعلام عربي يعكس معاناة وآلام وآمال تلك الشعوب.
ونتيجةً حتمية للجوء ملايين العرب إلى تركيا، والانفتاح الكبير في العلاقات العربية التركية، على الصعيدين الرسمي والشعبي، شهدت إسطنبول انطلاق عشرات المواقع الإخبارية العربية، والعديد من القنوات المتلفزة، إلى جانب محطات إذاعية.
وتعني تلك الوسائل الإعلامية بتغطية أحداث الربيع العربي، والمنعطفات السياسية للقضية الفلسطينية، إلى جانب قضايا إقليمية وعالمية.
ويأتي الفلسطينيون في المرتبة الأولى، إذ يبلغ مجموع العاملين في قطاع الإعلام والصحافة في تركيا نحو 900 إعلامي فلسطينين.
وفي المراتب التالية يحل الإعلاميون المصريون، السوريون، العراقيون، اليمنيون، ودول المغرب العربي.
ومن أبرز الفضائيات العربية التي تتخذ من إسطنبول مقرًا لها، قنوات الشرق (مصر)، مكملين (مصر)، تلفزيون وطن (مصر)، جسر (سوريا)، بلقيس (اليمن)، الرافدين (العراق)، أحرار ليبيا (ليبيا)، نبأ (ليبيا)، كما توجد في إسطنبول عشرات الاستديوهات التابعة لقنوات عربية تتواجد إداراتها في أوروبا والشرق الأوسط.
ومن أهم المواقع الإلكترونية، التي تتخذ من تركيا مركزًا لها، ، هاف بوست، عربي 21، رصد، ساسة بوست، فلسطين بوست، خليج أون لاين، وإذاعة مسك.
وبحسب مدير مكتب شبكة الجزيرة في تركيا عبد العظيم محمد، فإن إسطنبول أصبحت “عاصمة الربيع العربي المقهور، وتركيا بشكل عام صارت ملاذاً آمنًا للمضطهدين في بلادهم من العرب”.
ويعتبر محمد، أنه كان من الطبيعي أن تكون تركيا “مكاناً وأرضاً خصبة للاعلاميين ووسائل الإعلام العربية في ظل مناخ الحرية والقوانين التي تكفل للإعلامين حرية العمل وحرية الكلمة”.
ويضيف، إلى أنه “لا توجد أي معوقات تتعلق بالأخبار ولا الموضوعات التي نتناولها، وبالعكس هناك تسهيلات تساعد على إبراز الخبر التركي والقصص الإخبارية التي نهتم بها”.
ويتابع “ربما العائق الوحيد هو بيروقراطية المؤسسات وطريقة التعامل معها، وما عدا ذلك فإن لنا كامل الحرية في العمل بكافة أنحاء تركيا”.
بدوره، قال الإعلامي العراقي صهيب الفلاحي، “من خلال تجربتي الشخصية، فالحرية في العمل أبدًا ليست شعارًا أو مدحًا لتركيا، إنما هي واقع لمسناه من خلال عملنا الميداني”.
ويشير الفلاحي، والذي يشغل المدير التنفيدي لشركة إعلامية، إلى أنها أطلقت موقعًا إعلاميًا متخصصًا بالشأن التركي “تركيا بوست”، من دون أية عوائق، كما أسسنا “رابطة الصحفيين العراقيين في الخارج”.
ويلفت كذلك إلى تنظيم أكبر حدث عربي ثقافي في تركيا وهو “معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي”، والذي زاره أكثر من 50 ألفًا من كل تركيا وخارجها.
ويرى أن التحدي الأكبر في تركيا هو “كيف تحافظ المؤسسات العربية على استمرارية عطاءها في ظل التحديات المالية والقانونية والتنظيمية المصاحبة لعملها”.
ويقول الإعلامي الفلسطيني عبد الله داود إن إسطنبول تمتاز بتنوع التوجهات الفكرية والثقافية.
وعلى الصعيد الفلسطيني، يضيف: “نتلقى دعمًا وتأييداً كبيرين وأفقًا واسعًا للتعبير عن مآلات القضية من جميع أطرافها”.
فيما ذهبت الصحفية الأردنية سارة أبو عطية، إلى أن التكنولوجيا الحديثة والمتطورة المتاحة في إسطنبول، ساعدت الإعلام الجديد بشكل جليّ.
وتضيف: نستطيع إنتاج المواد الإعلامية واستئجار إستوديوهات مؤهلة لإيصال الصوت الحر بتكاليف معقولة، من دون التعثر بعقبات غلاء أسعارها.
بدوره، يصف الإعلامي المصري مجاهد المليجي، مراسل موقع “عربي 21″، إسطنبول بـ”ملجأ الأحرار” في العالم العربي، لاسيما الإعلاميين المطاردين في بلدانهم من أنظمة قمعية.
ويتابع “هنا في إسطنبول نرى نعمة كبيرة، أن تكتب وأنت مطمئن على حياتك، فلا خوف من المداهمة والملاحقة، كما هو الحال في العديد من الدول العربية”.
وترى الإعلامية الفلسطينية آلاء غانم، أن ما ينقص الإعلام في الدول العربية هو “فضاء الحرية، دون الإملاءات السياسية والأمنية”. مضيفة “ما نبحث عنه وجدناه في تركيا”.
بدوره، اعتبر الإعلامي المغربي زهير عطوف، أن تجمع الإعلاميين العرب الكبير في تركيا، “يعطي فكرة واضحة عن حرية الصحافة الموجودة، فأصبحت تركيا منبراً لمن لا منبر له”.
وبخلاف هذه الفضائيات والإذاعات والمواقع الإلكترونية المهاجرة، يوجد في إسطنبول أيضًا القسم العربي لوكالة الأناضول للأنباء، ومقر القناة التركية الرسمية الناطقة بالعربية (TRT)، وموقع “أخبار تركيا” الإلكتروني.
الاناضول