نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده بن هبارد، يناقش فيه مستقبل القناة التلفزيونية “أم بي سي”، بعد الإفراج عن مؤسسها وليد الإبراهيم.
ويشير التقرير، إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان طالما أعجبته قناة “أم بي سي”، أكبر شبكة تلفزيونية في العالم العربي، بقنواتها المتعددة، وبرامجها الشعبية “أوبرا” و”أراب غوت تلانت” و”أراب آيدول”، التي يتابعها الملايين.
ويفيد الكاتب بأن ابن سلمان تفاوض قبل عامين لشراء الشبكة، لكن الأمور أخذت منعطفا مختلفا في تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث استدعي مدير الشركة ومعظم أعضاء مجلس إدارتها إلى الرياض، واعتقلوا بتهم الفساد، واحتجزوا في “ريتز كارلتون”، إلى جانب عدد من الأمراء ورجال الأعمال.
وتذكر الصحيفة أن تحولا حدث في يوم الجمعة، عندما أفرج عن مؤسسها ومديرها وليد الإبراهيم، وذلك بحسب بيان لـ”أم بي سي” اطلعت عليه “نيويورك تايمز”، مشيرة إلى أن عملية الاعتقال، وبعد شهرين ونصف، تتنقل إلى مرحلة جديدة، حيث تم الإفراج عن معظم الـ350 معتقلا تقريبا، بعد تبرئتهم، أو لقبولهم تسويات مالية مع الحكومة، أما البقية فإن الأمير بن سلمان يقوم بالضغط عليهم، ويهددهم بنقلهم إلى سجون حقيقية، ومحاكمتهم، بحسب المسؤولين السعوديين.
ويستدرك التقرير بأن “العملية بكاملها لا تزال مغلفة بالسرية عن سبب اعتقال الإبراهيم وغيره، ومن غير المعلوم أيضا الترتيبات حول شروط الإفراج عن الإبراهيم، وفيما إن كان قد تخلى عن شبكة (أم بي سي)، إدارتها أو أرصدتها”.
ويورد هبارد نقلا عن الأمير ابن سلمان، قوله إن الحملة هي جزء من محاولة مكافحة الفساد، وبأنها قد تؤدي إلى جمع 100 مليار دولار لدعم حملته لتأهيل الاقتصاد وتنويعه، بعيدا عن الموارد النفطية، وجذب المستثمرين الخارجيين، مستدركا بأن هناك من يقول إن الاعتماد على هذه الإجراءات، حيث يتم اعتقال المتهمين في فندق، وحرمانهم من الاتصال مع محاميهم، في الوقت الذي حولوا فيه أرصدتهم للدولة، سيؤثر على عملية الإصلاح التي يدعو إليها ابن سلمان.
وتنقل الصحيفة عن الزميل الزائر في معهد “أمريكان إنتربرايز” أندرو براون، قوله: “القول بأنك تحتجز النخبة السعودية بناء على القانون، لكننا سنحل المشكلة ليس من خلال عملية قانونية لكن بموجب تسويات مريبة تحت الطاولة، مثل القول إنك ستحل مشكلة الفساد بنوع جديد من الفساد”.
ويجد التقرير أن قصة “أم بي سي” تشير، كما يشك الكثير من السعوديين، بأن التذرع بفكرة مكافحة الفساد يخفي وراءه دوافع أخرى، مثل الرغبة في القضاء على المنافسين، وتصفية حسابات، وربما السيطرة على رصيد، مثل “أم بي سي”.
ويلفت الكاتب إلى أن القناة أنشئت في لندن عام 1991، وكان الإبراهيم, الذي تزوجت شقيقته الملك فهد، أسسها إلى جانب صالح كامل، وهو رجل أعمال آخر من الذين شملتهم الاعتقالات، حيث دعم الملك القناة في البداية، إلا أنها بدأت تتوسع بعد انتقالها إلى دبي عام 2002، وتوسعت لعدة قنوات ترفيهية ورياضية، وحققت أرباحا جيدة لمالكيها، وابتعدت القناة عن السياسة، حيث تبنت أجندة اجتماعية في سياق العالم العربي.
وتنوه الصحيفة إلى أن محمد بن سلمان صعد إلى السلطة عام 2015، عندما أصبح والده ملكا، وأخذ يمنحه سلطات واسعة، وأصبح بعد عامين الحاكم الفعلي للبلاد، فهو يدير وزارة الدفاع والشؤون الاقتصادية والنفط، وهمش أبناء عمه الأمراء، وأصبح في المركز الثاني بعد والده، وعندها بدأ ممثلوه بالتحاور مع الإبراهيم حول بيع القناة، إلا أن المفاوضات تعرقلت بسبب إصرار الأمير على دفع ثمن أقل من القيمة الحقيقية للشبكة، وهو 3.5 مليار دولار.
ويكشف التقرير عن أن محاسبين من شركة الحسابات القانونية “بي دبليو سي يو” جاءوا في الخريف الماضي لتقييم الشركة، فيما استدعي الإبراهيم في بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر إلى الرياض؛ لمقابلة الأمير ابن سلمان، وعندما سافر من دبي فإنه اعتقد أنه على طريق توقيع عقد بيع الشبكة للأمير، لكنه عندما وصل إلى الرياض أعلنت القنوات التلفزيونية السعودية عن “وجبة” الاعتقالات الأولى، وفي اليوم التالي وعندما وصل لمقابلة الأمير فإنه اعتقل ونقل إلى ريتز كارلتون، واعتقل معه مساهمون كبار وأعضاء في مجلس الإدارة، ما أثار المخاوف داخل الشركة بأن الأمير بدلا من شرائها فإنه يريد السيطرة عليها مجانا.
ويقول هبارد إن الحكومة السعودية رفضت التعليق على التقرير، وكذلك “أم بي سي” وشركة المحاسبة البريطانية، منوها إلى أنه بناء على قوانين السرية، فإن الحكومة السعودية لم تقدم سببا لاعتقاله، وإن كانت له علاقة بالشبكة، أو بثروته الكبيرة التي بناها خلال علاقته مع الملك فهد الذي توفي عام 2005، حيث أن هناك الكثير من المرتبطين بالملك وأبناء فهد وكذلك الملك عبدالله ممن قضوا فترات في “الريتز”، ما قاد الكثيرين للتكهن بأن ابن سلمان يرغب بتهميش من أثروا خلال حكم الملكين السابقين لوالده.
ويعلق براون قائلا: “هذا يعزز الصورة بأنه رغم الدفعة الواسعة لمكافحة الفساد، فإن هناك تصفية حسابات ومصالح بين القادة السعوديين واضحة أيضا”.
وبحسب الصحيفة، فإن المدير التنفيذي للشركة سام بارنيت، أعلن يوم الجمعة عن إطلاق سراح الإبراهيم، إلا أن الموظفين يتساءلون عما إذا كانت “أم بي سي” لا تزال ملكا للإبراهيم أم للأمير، وكيف سيؤثر اعتقاله على دوره.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالقول: “ربما كان مصير الشركة أشبه مايكون بمصير مجموعة ابن لادن، التي ظلت لعقود شركة الإنشاءات المفضلة لدى العائلة المالكة، وبعد اعتقال خمسة من الإخوة الذين يديرون الشركة، قامت الحكومة بالسيطرة عليها فعليا، وربما آلت إلى مصير قناة (العربية)، التي أطلقتها شركة (أم بي سي)، وفي عام 2014 سيطر الديوان الملكي بشكل فعال على القناة، التي ظلت تحافظ على مظهر الاستقلالية”.
وكالات