وسط ساحة عامة، بمدينة غزة، ورغم الجو البارد، يجلس الخمسيني فضل الديري (52 عاماً) هو وأطفاله الثمانية “حفاة الأقدام”؛ بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة جرّاء حالة الفقر وتردّي ظروفهم المعيشية.
وأمضى الديري وعائلته الليلة الماضية، داخل خيمة نصبها في ساحة السرايا، وسط المدينة، إلا أنها انهارت على رؤوسهم، بفعل الرياح الشديدة وقوة الأمطار المتساقطة.
وقال الديري إن أطفاله الصغار استيقظوا فزعين ليلاً، بعد أن ضربت وجوهم مياه الأمطار الباردة.
وانتقل الديري وأطفاله، بمساعدة بعض الشبان، إلى خيمة أخرى نصبوها في ذات الليلة، لكنّها تهالكت أيضا بسبب الأمطار.
الديري، عاطل عن العمل، ومصاب بأمراض مزمنة كـ” ضغط الدم المرتفع، والسكري، والاكتئاب”، كما يشكو من إعاقة في قدميه (اليمين أطول من اليسار)، كما يقول لـ”الأناضول”.
وتنقّل الديري برفقة عائلته المكوّنة من 9 أفراد، خلال السنوات الماضية، من بيت مستأجر لآخر، حيث كان يتعرض لـ”الطرد” منها، بسبب عدم قدرته على دفع ثمن الإيجارات المتراكمة عليه.
ويقول الديري:” قضيت حياتي وأنا ساكن بالإيجار، يسدد بعضه أهل الخير، كنت أتنقل من منزل لآخر، وأتعرض للطرد بسبب عدم قدرتي على تسديد الإيجارات المتراكمة، أو بسبب كبر حجم عائلتي”.
ويناشد الديري “الحكومة الفلسطينية والمؤسسات الخيرية بإيجاد منزل يؤويه وعائلته من برد الشتاء”، وبـ”توفير حياة كريمة له ولعائلته، في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها”.
وعلى مقربة من الديري، جلست طفلته الصغيرة جنان، ابنة العشرة أعوام، محاولة الحصول على بعض الحرارة، من خلال فرك يديها الصغيرتين ببعضهما البعض.
لكنها تعجز عن إيجاد طريقة لتدفئة قدميها الحافيتين، أو لتمنع الهواء البارد من لسعهما.
وتقول “جنان”، لمراسلة الأناضول، إنها تشعر بالحزن الشديد، بسبب حالة الفقر التي تعيشها أسرتها.
عائلة الديري ليست الوحيدة، التي تعيش هذه الظروف في قطاع غزة المحاصر للعام الـ(12) على التوالي، إنما هي حالة واحدة فقط.
فعلى شاطئ بحر مدينة غزة، عايشت عائلة هاني اللحام (57 عامًا) ليلة شديدة القسوة، فالأمطار الي هطلت في ساعات الليل الماضية، والرياح الباردة القوية، حرمت العائلة من النوم، وأصابتهم بالخوف والبرد الشديدين.
وتسكن عائلة اللحام الأب لثلاثة أطفال أصغرهم يبلغ عامين، في خيمة منذ عام، لعدم مقدرتها على دفع إيجار المنزل، فالأب لا يعمل منذ سنوات، فقد كان يملك مزرعة دواجن صغيرة، إلا أن تجارته أفلست، حسب قوله.
وقبل أسبوعين من الآن، كانت الخيمة الصغيرة المهترئة، عبارة عن أغطية وأقمشة، ونايلون بلاستيكي يستخدم في صناعة الدفيئات الزراعية، حتى تبرعت إحدى الجهات للعائلة بقطع من ورق الجلد المقوى المستخدم في صناعة اللوحات الإعلانية واللافتات، والقليل من الأخشاب، لتثبيت الخيمة بشكل أكبر.
ويقول اللحام، ” لم أنم أنا وزوجتي وأطفالي طوال الليل، الرياح القوية مزّقت قطع النايلون، وغمرت المياه جزء من خيمتنا”.
وتابع:” البرد كان قارسًا جدًا لأننا نقيم على الشاطئ، وكنت أخشى كثيرًا أن تتهالك الخيمة بشكل كامل، فلا مكان آخر أتوجه إليه، وأخاف أن يغرق صغاري بمياه المطر”.
وأردف:” الحياة هنا صعبة للغاية، والمكان غير آمن، أخشى على صغاري الوصول للبحر والغرق، إنني أعيش في قلق دائم، ولا جدران تحمينا البرد والحر، ولا طعام ولا ماء”.
وتلجأ العائلة لإحدى الاستراحات المتواجدة على شاطئ البحر، طلبًا لمياه الشرب، ولا تحصل عليها دومًا.
ويقول إن زوجته أُصيبت بمرض الربو، فيما يعاني صغاره من الزكام والرشح شبه الدائم طوال فترة الشتاء.
وتعاني غزة، حيث يعيش قرابة مليوني نسمة، من أوضاع معيشية متردية للغاية، جراء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 11 عاماً.
كما تسبب تعثر عملية المصالحة بين حركتي “فتح”، و”حماس”، في تفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة.
وبحسب آخر الإحصائيات، فإن نسبة الفقر في قطاع غزة بلغت حوالي 80%، فيما ارتفعت نسبة البطالة في صفوف المواطنين إلى 50%.
الاناضول