انتبهوا.. تركيا الغد قيد الإنشاء واملها في “القوة الكاسحة”

إنّ خط التضامن القومي ومحاولات التوصّل إلى الاتفاق الوطني التي تسعى تركيا لتنفيذه ليست جهدًا مقتصرًا على الانتخابات فقط. كما أنه ليست استعدادًا مقتصرًا على الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو المحلية. ولا شك أنّ التعديلات القانونية والتحالفات السياسية تبدو في الظاهر وكأنها متعلقة بهذه الأمور وتدار من خلالها.

لكننا أمام حسابات أكبر بكثير. فما تعيشه تركيا حاليا هو استعداد لمرحلة ما بعد الانتخابات، للتهديدات التي من المحتمل أن يواجهها بلدنا، التحديات التي تتعرض لها تركيا وبحثها عن اكتساب القوة على المستويين الإقليمي والدولي. إننا نمر بمرحلة تاريخية مليئة بالمخططات الكبرى وتصفية الحسابات الخطيرة والطموحات الكبيرة والصراعات الشديدة.

لدينا طموحات كبرى وأمامنا صراعات كبرى

لقد خاضت تركيا معارك داخلية كبيرة للغاية، وتعرضنا تقريبًا لشتى أنواع مخططات “العمليات الداخلية”. تعرضنا للهجوم من ناحية الجنوب من قِبل التنظيمات الإرهابية و”الحلفاء التقليديين”، وهو ما لا يزال مستمرًّا. فالمنطقة التي نعيش بها يعاد تعريفها ورسم خريطتها.

فالدول تقسم، وخرائط الحاميات الأجنبية بالكامل ترسم. وثمة خرائط مماثلة تطرح على الطاولة لتقسيم تركيا. كما أن تهديدات جديدة تقترب، وتركيا تستعد لمواجهة هذه التهديدات. تقدم الحكومة التركية على وضع حجر أساس تضامن اجتماعي متين للغاية بقدر اهتمامها بالاستعدادات الدفاعية والأمن الداخلي وعمليات القضاء على التهديدات المتنامية على الجانب الآخر من حدودنا.

هناك جبهتان محددتان.. إما محور تركيا أو صفوف التدخل الدولي

ينبغي لنا الاستعداد لما سيحدث مستقبلا أكثر من استعدادانا لما نشهده اليوم. فمن أجل هذا السبب نطلق عبارة “الدفاع عن الوطن”، وندعو الجميع للتوحد تحت مظلة “محور تركيا”.

لقد استقبل العالم بأسره، وليست منطقتنا فقط، مناخا سياسيا قاسيا للغاية. فجميع خطوط الصدع بدأت تتحرك، لا في الشرق الأوسط فقط، بل في جميع أنحاء العالم من البلطيق وأوروبا الغربية شمالا إلى منطقة الهادئ في آسيا جنوبا. ولهذا، لا ولن يكون أمامنا خيار آخر سوى أن تكون بلدنا تركيا قوية في عالم كهذا. لن ينقلنا إلى المستقبل أي علاقة تحالف أو شراكة أحادية الجانب.

ولهذا السبب لم يعد هناك أي معنى للتحزبات الأيديولوجية/السياسية في الداخل، ولا معنى كذلك للهويات السياسية التقليدية. لم نعد سوى أمام خيارين لا ثالث لهما. فإما سنصطف جميعا تحت مظلة “محور تركيا” أو نقف في صف من تدخلوا في شؤون المنطقة من الخارج. وعليه، فالانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية المقبلة ستكون أكثر انتخابات تاريخنا السياسي حساسية. وينبغي لتركيا تخطي هذه العقبة.

أكبر العقبات الاستراتيجية أمام تركيا

يجب على البنية الأساسية والقوة الكاسحة من المجتمع في الداخل أن تتحد في محور تركيا لتضيق الخناق على مساحات العمليات الداخلية والخارجية وإيقافها. ومن المستحيل إكمال هذا التحول الكبير دون تخطى هذه العقبة الكبرى.

ولن يكون ممكنا كذلك أن نكسب مرحلة ما بعد القرن العشرين ونحدد القرن الحادي والعشرين وما بعده ونرسم طريقنا بأنفسنا. فإذا كان الأمر كذلك، فإن ما يقف أمامنا ليست انتخابات عادية، بل عملية تشكيل مصير تركيا. وهو أبرز القرارات والخطوات الاستراتيجية لعملية إنشاء تركيا التي لا خضع للوصاية أو الحماية أو تكون دولة ضمن جبهة ما أبدا.

الصراع الجديد سيكون إقليميا.. ادعموا الإرادة التي تشكل التاريخ

سيتحرك الهيكل الأساسي لتركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية ومشاركة حزب الحركة القومية وسائر الأحزاب الأخرى، وستدعم الإرادة “البناءة للتاريخ” التي تشكل هذه المطقة منذ مئات السنين. إن اللعبة ستكون أكبر وعلى مستوى إقليمي حتى وإن فشلت محاولة 15 يوليو الانقلابية وتدخلت تركيا بشكل حاسم ضد مخططات فتح جبهة عبر ممر الإرهاب ونجحت في إضعاف أوساط “العمليات الداخلية” بشكل كبير. ستجري جميع الاستعدادات لنزع فتيل صراعات الهوية، وستشتد وطئة محاولات التدخلات لاستغلال جميع الفراغات الداخلية التي اعتبروها جوانب “ضعف”.

إذن، على كل من يؤمن بـ”محور تركيا” وتصفية الحسابات التاريخية الكبرى ويقول “نحن من يحدد إعادة إنشاء المنطقة” أن ينضم إلى هذا التحالف، وأن يتحرك وفق منظور أسمى من التحزب السياسي، وأن يشارك في المسيرة الكبرى لتركيا ويدعم كفاحها. عليه الانضمام إلى القيادة السياسية التي نقلت بلدنا إلى هذه المرحلة، والعقل السياسي والحماس الجماهيري.

علينا تذكر مشروع 7 يونيو!/حزيران

تذكروا انتخابات 7 يونيو. كان المشروع كالتالي: سيُجرّ حزب العدالة والتنمية إلى القاع حتى لا يستطيع تشكيل الحكومة بمفرده. سيقوى حزب الشعوب الديمقراطي، وسيضمن انتقال الأصوات بين حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي. وقد روج السيناريو، الذي خطط له بالكامل في الخارج، في داخل تركيا من خلال وسائل إعلام مجموعة دوغان. فأجروا دراسة مدهشة للرأي العام. وتحقق الهدف. أسفرت الصناديق عن نتائج جعلت من الحكومة الائتلافة أمرًا لا بدّ منه.

وكانت المرحلة من المخطط هي إجبار حزب العدالة والتنمية على تشكيل ائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري. وبهذه الطريقة كان العقل والكوادر السياسية الراغبة في وضع المقدرات القومية التركية في المقام الأول ستتعرض للرهن من خلال حزب الشعب الجمهوري. لكن الحمد لله أنّ الانتخابات أعيدت وفشل هذا المخطط الدولي.

الأدوات الداخلية و الهدم من الداخل

لو كان هذا المخطط قد نجح لكان المخطط المنفذ من خلال هجوم 15 يوليو/تموز وممرّ الإرهاب قد نجح كذلك. لقد دبروا مؤامرة كبيرة للغاية ضدّ تركيا؛ إذ كانت هذه المؤامرة مبنية على التمزيق والتركيع من الداخل. ولاحظوا أنهم الآن يحاولون من الخارج تنفيذ ما فشلوا به من الداخل. ونحن من جانبنا ندفع هذه التهديدات بعزيمة غير عادية والهجوم بدلا من الدفاع. وهذا هو أساس عملية غصن الزيتون التي ستستمر على المنوال نفسه.

وأما الذين ظلوا خارج المحور الوطني، محور تركيا، ومن لا يدعمون تركيا في خضم تصفية الحسابات الكبرى هذه، سيستغلون كأدوات داخلية لتنفيذ محاولات تدخل دولية جديدة.

تحويل حزب الشعب الجمهوري إلى قضية أمن قومي

إن مما يعطينا فكرة عن إشارات المخطط الجديد نذكر تحويل حزب الشعب الجمهوري بسرعة إلى ما يشبه هوية حزب الشعوب الديمقراطي، وتغيره إلى حزب جبهة وصراعات قائمة على الهوية، وتهميشه، وإخراجه من عباءة كونه حزبا ينتمي إلى تركيا. فالانتقال بهذه الطريقة بين هذين الحزبين سيدمر حزب الشعب الجمهوري.

إن الأوساط السياسية التي لم تحجز لنفسها مكانا داخل التحالف ستفقد قدرتها على الخطاب في صراعات الغد. ذلك أن هناك تصفية حسابات كبرى تقترب، وحينها ستتلاشي تلك الأحزاب سريعا في خضم تلك الصراعات.

ولنحذر مقدما: هناك بعض من يحاولون البحث عن مكان لأنفسهم في صفوف ذلك التدخل الدولي للحصول على القوة والوصول إلى السلطة. فهناك احتمال كبير أن يتحول هؤلاء إلى “مسألة أمن قومي”. وربما تحتم الظروف وضع تعريف كهذا.

انتبهوا، تركيا الغد قيد الإنشاء!

لقد ولى عهد توجيه تركيا من خلال مخططات 6 يونيو وهجمات 15 يوليو وتهديدات “ممر الإرهاب”. إن تركيا هي بلد طموحات أكبر.

من المستحيل أن يحاول أحد الوصول إلى السلطة وكسب شعبية في الداخل عن طريق التقارب مع ألمانيا أو الولايات المتحدة أو أي قوة أخرى. ولنحذر من هذا المنبر كل من لديه أي حسابات أخرى أو يسعى للفوز بـ”المناقصات الداخلية” للسيناريوهات الدولية الجديدة، ونقول لهم إنهم يقدمون على محاولة انتحار.

إن “محور تركيا” قوي، وسيقوى مستقبلا. ولا شك أن الشراكات التي بدأت في صورة تحالف انتخابي ستقوى قاعدتها أكثر. فبلدنا يستعد لعالم الغد.

ليخترْ الجميع صفهنحن في المحور الوطني

يجب أن يحجز كل من يفكر في محور الوطن والتاريخ والهوية القومية لنفسه مقعدا في خط التضامن هذا. ذلك أننا أمام عملية إنشاء للمنطقة وتصفية حسابات تاريخية.

ثمة خطوات كبرى يخطوها الجيل والكوادر المؤسسة التي تشكل مرحلة صعود تركيا الجديدة. فهذه فرصة سنحت بعد مائة عام. ومن يركز على الحسابات التافهة سيخسرون ويندثرون، وأما أصحاب الحسابات الكبرى فسينسون في الصفحات الخاطئة من التاريخ.

نحن في مكاننا، في مقدمة صفوف المحور الوطني وجبهة الكفاه. ولن نتردد في ذلك طرف عين.. وإن الانتخابات المقبلة تحمل ما تحمله عملية غصن الزيتون من أهمية. وكذلك دعوى دعم تركيا العظيمة! فليختار الجميع مكانه..

ابرهيم كراجول ـ يني شفق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.