صحيفة: لهذا السبب يقصف طيران النظام السوري وروسيا الغوطة رغم الهدنة
اعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية الثلاثاء 27 فبراير/شباط 2018، إن قرار مجلس الأمن الأخير بفرض هدنة في مدينة الغوطة الشرقية بدمشق، لا فائدة منه، بل إنه أعطى المبرر لقوات الأسد وحلفائه لمزيد من القصف، بزعم وجود عناصر تابعة لتنظيم القاعدة في المدينة المحاصرة منذ 5 سنوات.
وقالت الغارديان عندما أعلن عن وقفٍ لإطلاق النار برعاية الأمم المتحدة يوم السبت، 24 فبراير/شباط، بحث سكان الغوطة مرةً أخرى عن الاختباء، خوفاً من أنَّ ما سيحدث بعد ذلك لن يشبه السلام في شيء.
بعد يومين تقريباً من ذلك، ومع التقاط المزيد من الجثث المنتشلة من تحت الأنقاط، والأطفال القتلى الملفوفين في الأكفان، واستمرار الطائرات الحربية الروسية والسورية في إثارة الرعب من السماء، ومزاعم بهجوم جديد بالكلور، فمن الواضح أنَّ الهدنة المزعومة لم تؤد حتى إلى هدوء.
وأضافت الغارديان، كما هو الحال منذ بدء الحرب، فشلت الأمم المتحدة مرةً أخرى في وقف المعاناة في سوريا، أو حتى إبطائها. في حمص وحلب، والزبداني ومضايا، وإدلب، والآن الغوطة، فشلت الإرادة الدولية في وجه أنصار الحرب بلا قيود. لقد أصبحت الوحشية مطلقة الأيدي لتفكك سوريا روتيناً إلى حد أنَّ أولئك الذين يحاولون منعها قد أصبحوا عملياً ضامنيها.
روسيا خرقت تعهداتها
وبحسب الصحيفة البريطانية فإن روسيا، أحد أطراف قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، خرقت تعهدها خلال ساعات، فأرسلت الطائرات الحربية لإسقاط المزيد من القنابل بينما شنَّت القوات السورية والقوات المدعومة إيرانياً توغلاتٍ برية في هذه المنطقة المعارضة. وبالنسبة لقرارٍ ملزم، لا يُعَد هذا التصرف بادرةً لطيفة.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن أمس، الإثنين 26 فبراير/شباط، عن توقف للقصف لمدة خمس ساعات، بزعم السماح بدخول المساعدات. وتُهمِّش هذه الخطوة، حال جرى تطبيقها، الأمم المتحدة بصفتها صانعة قرار، وهو ما حاول الزعيم الروسي فعله طوال الأزمة؛ إذ نصَّب نفسه وجيشه حكاماً نهائيين فيمن يحصل على طعام أو يُقتل.
وجاءت ذريعة استمرار الهجوم من صياغة القرار، الذي جرى الجدال حوله لأيام قبل تمريره وانتهى به الأمر بالسماح باستمرار الضربات على المجموعات المسلحة التي تُعتبر إرهابية، بحسب الغارديان.
في الغوطة، كان هذا يعني خلية من عدة مئات من أعضاء جماعة متحالفة مع تنظيم القاعدة تُسمى هيئة تحرير الشام. وتدير هذه الخلية مساحة تشغل بعض ضواحي منطقة الغوطة، وهو حي كبير في أطراف دمشق كان محورياً في الأيام الأولى من الثورة ضد بشار الأسد وظل معقلاً من معاقل المعارضة في سنوات الـ8 التالية.
الأمم المتحدة مكروهة مثل هيئة تحرير الشام
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن هناك حالة استياء من هيئة تحرير الشام داخل الغوطة تقريباً مثل التي تواجهها الأمم المتحدة. إذ يقول المواطنون وأعضاء أكبر جماعتين معارضتين، جيش الإسلام وفيلق الرحمن، إنَّ الجهاديين في الغوطة ليس لهم نفوذ، وليس لهم أي روابط مباشرة بمعقلهم في محافظة إدلب التي تدير القاعدة معظمها. وقد كانت كلتا المجموعتين طرفاً في أكثر من وقفٍ لإطلاق النار وُقِّع مع روسيا في محادثات خفض التصعيد في الأستانة. وكلتاهما ليستا مُصنَّفتين منظماتٍ إرهابية.
وقال أحد السكان المحليين، يُدعى محمد بدر، إنَّ “هيئة تحرير الشام بالكاد تتكون من 300 مقاتل هنا في الغوطة الشرقية. وهم منبوذون وغير مرغوب فيهم، ولا يمكنهم الضغط علينا بأي طريقة حتى لو حاولوا. عندما كان لهم سلطان علينا منذ عامين، كان الأمر خانقاً. كانوا يفرضون الضرائب على المزارعين ويصادرون أراضيهم ويستولون على منازل المدنيين الذين غادروها. لم يفعلوا شيئاً سوى أنَّهم عاثوا فساداً وأثقلونا نحن السوريين وأثقلوا ثورتنا”، بحسب الغارديان.
وقال أحد السكان ويُدعى مهند محمود قاسم، 33 عاماً للغارديان: “تتكون هيئة تحرير الشام من 240 مقاتلاً. وعلى الرغم من محاولتهم تطبيق السيناريو ذاته الذي طُبِّق في إدلب؛ الفوضى والأسلمة، فإنَّهم ليس لديهم سلطة ولا خيار في الغوطة. فيلق الرحمن هو المجموعة ذات اليد العليا هنا”.
وفي الشهور الستة الماضية، فشلت محاولات طرد هيئة تحرير الشام وعائلات أعضائها لعدم القدرة على التفاوض على الخروج من المنطقة التي تحاصرها قوات النظام المحيطة بها. وقد وُقِّعت مثل هذه الاتفاقات في أماكن أخرى من سوريا، بطول الحدود مع لبنان، وفي حلب حين عصفت القوات الموالية لنظام الأسد بحلب الشرقية التي كانت واقعة تحت سيطرة المعارضة، في أواخر عام 2016، بحسب الغارديان.
الخروج من حلب
وعادةً ما كانت تتضمن هذه الصفقات تحولاتٍ سكانية؛ فيغادر المقاتلون أولاً، ثم يُنقَل السكان بأعداد كبيرة إلى حيث يُجبَرون على الاختلاط بالجهاديين. ثم بعد ذلك بوقتٍ قصير لا يكون ثمة أي تمييز. بالنسبة للنظام وداعميه، الذين كانت الانتفاضة في أعينهم تتعلق بالجهاد العالمي في المقام الأول، ستعود الأمور إلى سيرتها الأولى.
ومثَّلت حلب تحولاً مؤثراً في انتقال زخم المعارضة بعيداً عن جماعات المعارضة الكثيرة التي كانت لها الغلبة حتى عام 2015 في شمال سوريا. ولما ألقت روسيا وإيران بثقليهما لمنع سقوط الأسد، زادت حصيلة القتلى من المدنيين، وزاد كذلك خروجهم من البلاد. وقتها، كما هو الحال الآن، لم يكن باستطاعة الأمم المتحدة فعل الكثير لوقف انهيار البلاد. إذ منعت روسيا والصين كل محاولة لإدانة تصرفات الأسد، وأُعيقت الأمم المتحدة كلما أرادت إيصال المساعدات، واضطر مسؤولو الأمم المتحدة التوسل طلباً للرحمة، بحسب الصحيفة البريطانية؟
وقال مسؤول غربي بارز: “بينما لا يوجد أي نوع من أنواع الردع، مع إفلاتٍ كامل من العقاب، فبإمكاني التأكيد أنَّ النظام العالمي يتحول. فلم يعد ثمة ثمن يُدفع مقابل السلوك السيئ. والرسالة المهمة التي يرسلها ترامب هي أنَّ الولايات المتحدة لا تبالي. إنَّ هذه هي الموسيقى التصويرية للطغيان في كل مكان”.
وبينما تتساقط القنابل يوم الإثنين على الغوطة، قالت إحدى الساكنات وتُدعى ميادة صبحي: “لا شيء يمكنه إيقاف مأساتنا. لماذا قد نؤمن بأنَّ العالم سيأتي لإنقاذنا؟ أولئك الذين يقتلوننا يعرفون أنَّ أحداً لن ينتقدهم”.
في غضون ذلك، وفي جزءٍ آخر من الضاحية، ينتظر مهند محمود قاسم مصيره، إذ يقول: “قرار الأمم المتحدة لا فائدة منه. لم يكن هذا القرار سوى ضوء أخضر لقتلنا جميعاً هنا. لقد أقرّ المجتمع الدولي موتنا”.
هاف بوست