معلومات “حساسة” من مقر قيادة عملية “غصن الزيتون”

يوجد في مقرّ قيادة عملية “غصن الزيتون” في هاتاي خَطّا هاتف يوفران الاتصال المباشر مع تل رفعت الواقعة جنوب عفرين، ويعمل هذا الخط على مدار ساعات اليوم الأربعة والعشرين وأيام الأسبوع السبعة منذ بدء العملية، ويوجد على الجانب التركي من هذا الخط في هاتاي ضابطان تركيان يتحدثان اللغة الروسية كلغتهم الأم، وأمّا على الجانب الآخر فيوجد نظرائهم الروس الذين انسحبوا إلى تل رفعت قبل تاريخ 20 يناير الماضي.

لا بدّ أن تكونوا قد أدركتم لماذا أنشأ هذا الخط.

الهدف هو عدم الاستهداف الخاطئ للجنود الروس في المنطقة، حتى وإن كانوا انسحبوا ناحية الجنوب خلال العمليات التي تشنها القوات التركية برا وجوا ضد طبي كا كا/ي ب ك”.

ولِأنقل لكم معلومتين أخريتَين من ساحة العملية:

لنتذكر مشاهد عناصر “بي كا كا/ي ب ك” الذين استُهدفوا في المكان الذي اختبؤوا به بعدما كُشفوا “متلبسين”، استُهدفوا عبر طائرة من دون طيار بينما كانوا يطلقون صواريخ بشكل عشوائي من جنديرس باتجاه الأراضي التركية.

عندما رأينا تلك المشاهد أدركنا أنها التقطت من مسافة أقرب بكثير من المعتاد، وعلمنا أن لهذا الأمر سببا؛ ألا وهو أن السماء كانت غائمة ذلك اليوم، فجرى تشغيل الطائرة من دون طيار التي حيّدت عناصر بي كا كا وإطلاقها إلى ارتفاع منخفض “تحت الغيوم”.

ووفقًا لقرار القادة الذين أداروا العملية، فقد تعقبت الطائرة الإرهابيين بعدما انخفضت تقريبا إلى مسافة يمكن منها استهدافها بحجر يرمى. أي أن ذلك كان مخاطرة كبيرة.

والمعلومة الثانية متعلقة بالحساسية التي راعاها القادة خلال العملية.

تستهدف أهداف “بي كا كا/ي ب ك” في ريف عفرين بشكل مكثف بمعلومات استخباراتية بشرية وإلكترونية يجري الحصول عليها من ساحة المعركة.

وتصل بيانات الأهداف المحددة إلى مقر قيادة العملية في هاتاي وكذلك إلى قيادة القوات الجوية في العاصمة أنقرة.

لكن في بعض الحالات لا يجري التحرك على الفور. وأقصد بعبارة “بعض الحالات” الحالات التي لا يزول بها الشك بشأن اختلاط مدنيين بصفوف عناصر “بي كا كا/ي ب ك”.

فالقوات التركية تواجه هذه الوضعية كثيرا وتتراجع عن تنفيذ العمليات العسكرية على تلك المنطقة.

وليس هناك داع للتذمر من هذا الأمر، فلنترك المجال لتركيا لتظهر اختلافها فيما يتعلق بحساسية معاملة المدنيين.

عند اكتمال الهلال هناك ضغوطات “ابقوا هنا”

والآن لننتقل للحديث عن التطورات المحتملة التي يمكن مواجهتها في عملية عفرين خلال المرحلة المقبلة.

نعلم أنّ الهلال قد اكتمل يوم الاثنين الماضي، وأنّ وحدات الجيش التركي والجيش السوري الحرّ، التي بدأت شنّ الهجمات عبر 7 جبهات منذ يوم 20 يناير الماضي؛ قد تمكنّت من وصل هذه الجبهات ببعضها مطلع الأسبوع الجاري، لتقطع صلة ريف عفرين بالحدود التركية.

وعندما ننظر إلى هذه الخطوة من أنقرة نرى أنّها جزء واحد فقط من هذه العملية، نقول هذا لأننا حصلنا مرات عديدة من المسؤولين في أنقرة على تأكيد بشأن صحة المعلومات التي تشير إلى أنّ مركز عفرين كان ضمن العملية منذ اليوم الأول لها.

ولنضيف ما يلي:

حتى في هذه الوضعية تتمتع عملية غصن الزيتون بقيمة كبيرة نظرًا لأنها تؤمّن الحدود. نحن الآن أمام إشارات تفيد بأنّ ضغوطًا قد بدأت على تركيا من أجل “عدم التقدّم أكثر” في ريف عفرين اعتبارًا من “ظهور الهلال”.

أتحدث عن الضغوط التي تقول “أمنتم حدودكم، توقفوا هنا ولا تتقدّموا أكثر”.

وعلى سبيل المثال أعلن مجلس الأمن بالأمم المتحدة وقفًا لإطلاق النار في سوريا لمدة 30 يوما بقرار حمل رقم 2401 وافق عليه يوم السبت الماضي.

والآن تتعرض تركيا من خلال هذا القرار لضغط يقول “هذا يُلزمكم أنتم كذلك”، وكانت الولايات المتحدة قد تركت انطباعًا وكأنّها وافقت على هذا القرار من أجل إيقاف تركيا في عفرين، لا بسبب المأساة التي تشهدها الغوطة الشرقية؛ إذ دعا المتحدّث باسم خارجيتها نويرت أنقرة لـ”إعادة قرءاة القرار”.

وقد ردّت الخارجية التركية على الدعوة بقولها “هذه دعوة لا أساس لها وتظهر أن نويرت إما لم يستطع إدراك النقطة الأساسية من القرار أو أراد تحريفها”.

أين يقف الروس؟

ورد من روسيا أمس تصريح محير؛ إذ قال وزير خارجيتها لافروف في كلمة ألقاها في جنيف “هناك أهمية كبيرة لخضوع جميع العناصر في سوريا لقرار وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا في عموم البلاد”.

فهل يمكن أن نقرأ تصريح لافروف بالمعنى ذاته الذي يحمله متحدث الخارجية الأمريكية؟

هذا محتمل.

إنّ الولايات المتحدة وروسيا قادرتان على عقد الاتفاقات السرية بشأن سوريا دون التلميح لأحد حينًا، وحينا آخر يتحير الإنسان في قدر الثقة التي يمكن أن يعيرها للآخرين.

شخصيا أتوقع خلال المرحلة المقبلة زيادة الضغط على تركيا من أجل عدم “النزول أكثر”، وذلك بشكل مستقل عن النقاشات الدائرة حول قرار مجلس الأمن.

ونرى واشنطن تصدر تصريحًا في كل مرّة تقول فيه “نتفهم مخاوفكم بشأن أمن حدودكم”، ثمّ سرعان ما يعقبه تصريح تقول فيه “لكن عملية عفرين تشتت ذهن تنظيم ي ب ك”، وهو ما يعطينا فكرة عن الصف الذي تقف به الولايات المتحدة.

وفي الحقيقة يجب النظر إلى ماذا سيقوله الروس.

كنا قد رأينا الولايات المتحدة عندما ضغطت قائلة “لا تنزلوا أكثر من 20 كم أخرى” خلال عملية درع الفرات. بيد أنّ تركيا تعاونت مع روسيا وسيطرت على مدينة الباب وأظهرت أنها لا تلقي بالًا لمثل تلك الضغوط.

ولن أقول إنّ هذا الأمر سينتهي إذا كان اتفاق عفرين الذي توصلت إليه أنقرة مع موسكو لا يزال يشمل كذلك مركز مدينة عفرين.

لكن إذا انضمّ الروس هم كذلك إلى ممارسي الضغوط على تركيا لعدم النزول أكثر إلى الأسفل، فيمكننا أن نتوقع زيادة الضغوط الممارسة على تركيا واستمرارها خلال الأيام المقبلة لإيقافها تقدمها في عفرين.

محمد اجات – يني شفق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.