بينما انهمك العالم بكذبة استقلال كردستان، كان بوتين يخطط بهدوء.. هذه الخطة الروسية التي سيطرت بها على نفط العراق

في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وفي ذروة الأزمة السياسية بمنطقة كردستان العراق، وصل خطاب إلى وزارة النفط العراقية في بغداد من إيجور سيتشن رئيس شركة روسنفت الروسية.

كتب سيتشن في الخطاب، الذي اطلعت “رويترز” على نسخة منه” أن حكومة بغداد تبدي “قصوراً في الموقف البنّاء والاهتمام” إزاء عرض “روسنفت” تطوير حقول في جنوب العراق.

كانت كردستان، التي يقطنها نحو 6 ملايين نسمة في شمال العراق، سعت في ذلك الحين للانفصال عن بقية البلاد، لكن المحاولة فشلت. ورفضت بغداد استفتاء الاستقلال الذي أُجري في 25 سبتمبر/أيلول 2017، وأرسلت قوات للسيطرة على حقول نفط مهمة تعد مصدر الدخل الرئيسي للإقليم.

تعزيز للنفوذ الروسي

والآن يقول سيتشن، وهو من أقرب حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنه في ظل إحجام بغداد عن العمل مع “روسنفت”، فإن الشركة ستتعاون مع حكومة كردستان العراق، التي أبدت “اهتماماً أكبر بالتوسع في التعاون الاستراتيجي”.

وأكدت قوى عالمية، من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي أبدت في السابق تعاطفاً مع حملة استقلال كردستان، لحكومة بغداد اعترافها بسيادتها على أراضي العراق بالكامل، ومن ضمنها كردستان.

لكنّ خطاب سيتشن لم يشر إلى مثل هذا الإقرار. وتعهدت “روسنفت” باستثمار مليارات الدولارات في كردستان، مما أغضب حكومة بغداد، وهي الآن، وبدلاً من أن تتراجع، تتشبث بموقفها.

وقالت 7 مصادر مطلعة إن موقف سيتشن أقوى مما ظنه المسؤولون العراقيون. فقبل أيام، تملكت “روسنفت” خطوط أنابيب تصدير النفط إلى تركيا من حكومة كردستان مقابل 1.8 مليار دولار. لم يكن هدف الصفقة تجارياً فحسب؛ بل لتعزيز نفوذ روسيا السياسي في العراق والشرق الأوسط، بحسب مصادر في “روسنفت” وصناعة النفط والحكومتين الكردية والعراقية.

وأوضحت المصادر أن السيطرة على خطوط الأنابيب منحت “روسنفت” دوراً محورياً في المحادثات الجارية بين حكومة كردستان وبغداد الرامية إلى استئناف صادرات النفط بالكامل والتي تعطلت بسبب الاستفتاء وسيطرة العراق على حقول.

يملك إقليم كردستان احتياطيات نفطية ضخمة، قد تكون ثلث إجمالي العراق، وصادراته حيوية للاقتصاد المحلي والعراق ككل.

وفي مؤشر على نفوذ “روسنفت”، قالت 3 مصادر بالقطاع في أربيل وبغداد إن مسؤولين أكراداً قالوا إنهم لن يشرعوا في ضخ النفط وتحويل الأموال التي يدرُّها للحكومة العراقية ما لم تسدد رسوماً خاصة بخط الأنابيب لشركة النفط الروسية الكبرى.

وأقر وزير النفط العراقي، جبار اللعيبي، فعلياً، بدور الشركة المتنامي في كردستان حين اجتمع مع ديدييه كاسيميرو، اليد اليمنى لسيتشن في بغداد، الشهر الحالي (أبريل/نيسان 2018)، وقال إنه مستعد للتعاون مع “روسنفت” في “تجديد الأنابيب”.

ولم يردَّ سيتشن والكرملين ومكتب رئيس وزراء العراق و”روسنفت” على طلبات للتعقيب من أجل هذا التقرير. وقال الكرملين وسيتشن مراراً إن مشروعات “روسنفت” تجارية محضة وليست سياسية.

وامتنعت وزارة النفط العراقية عن التعقيب على أي جوانب سياسية لصفقة “روسنفت”.

من كراكاس إلى نيودلهي

قالت مصادر إن تحركات “روسنفت” في كردستان، التي يربطها تحالف قديم بالولايات المتحدة، توضح كيف يستغل الكرملين “روسنفت”، ورئيسها التنفيذي المِقدام، كأداة في السياسة الخارجية في أنحاء العالم، من أربيل إلى كراكاس ونيودلهي.

وتستغل العديد من الدول، ومن بينها إيطاليا وفرنسا، شركات النفط الكبرى فيها كأداة في السياسة الخارجية، لكنّ استغلال موسكو لـ”روسنفت” تزايد بشكل كبير في العقدين الأخيرين في ظل حكم بوتين.

بالنسبة لكردستان، ينطوي تنامي النفوذ الروسي على تحول جيوسياسي حاد. وارتبط الإقليم بتحالف وثيق مع واشنطن منذ الإطاحة بصدام حسين إبان الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003.

وقال أموس هوشستاين، الذي عمل مبعوثاً خاصاً للطاقة في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إنه في حين تسعى “روسنفت” وشركات النفط الروسية الأخرى التابعة للدولة لتحقيق أرباح، فإنها تعمل أيضاً ككيانات سياسية عند الضرورة.

وصرح لـ”رويترز”: “إنها تتبع الرئيس بوتين مباشرة. ليست جميع الصفقات سياسية. لكن حين يريد بوتين إبرام صفقة سياسية، فإنها تفعل بالطبع. لا تملك روسيا أدوات كثيرة لممارسة نفوذها السياسي، والطاقة أكثرها فاعلية”.

ووجدت بغداد، التي لا تعترف بصفقة خط الأنابيب، نفسها في وضع صعب.

وتواجه الحكومة مصاعب مالية بسبب الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولا يتاح لها إلا مبالغ بسيطة لمد خطوط أنابيب جديدة من كردستان، في حين لا ترغب في تعطيل تدفقات النفط من المنطقة التي تعول عليها لتحقيق إيرادات هي في أمسّ حاجة إليها.

“وزير خارجية ثانٍ”

دور روسنفت في دعم السياسة الخارجية للكرملين لا يقتصر على العراق فقد لجأت إليه روسيا في أماكن أخرى من العالم بحسب روسنفت ومصادر في الصناعة.

وقال مصدر في القطاع: “سيتشن يتصرف كوزير خارجية ثانٍ، أو بعبارة أخرى فإنه يمثل القوة الاقتصادية وراء السياسات الخارجية الروسية. في كثير من الأحيان، تكون هذه السياسات لإثارة غضب الأميركيين”.

في فنزويلا، قدمت “روسنفت” قروضاً بنحو 6 مليارات دولار لدعم الحكومة. وقد ينتهي المطاف بتملك الشركة مصافي تكسان المملوكة حالياً لشركة النفط الوطنية؛ لأنها ضمان الدَّين.

وفي الهند، استثمرت “روسنفت” 13 مليار دولار في مصفاة، وهو سعر مبالَغ فيه لمجمع نفطي؛ إذ سعت للتغلب على عرض من أرامكو السعودية وتعزيز علاقات روسيا بحليف تقليدي للولايات المتحدة.

وقال سيتشن هذا العام (2018)، في حديث نادر لصحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج، إنه واثق بسداد فنزويلا وكردستان ديونهما بالكامل، ونفى أن تكون الصفقات سياسية.

ورداً على سؤال عما إذا كان يعتبر نفسه رجل سياسة، أجاب سيتشن (57 عاماً)، قائلاً: “هذا سؤال صعب. أشعر دائماً بأنني عشت أكثر من حياة. أعتقد أن الكلمة المناسبة هي مدير”.

وُلد سيتشن في سان بطرسبرغ، وعمل في الثمانينيات مترجماً عسكرياً في موزمبيق وأنغولا، حيث خاضت موسكو وواشنطن حروباً بالوكالة.

تعرّف بوتين على سيتشن في التسعينيات بسان بطرسبرغ، واصطحبه معه إلى موسكو حيث بزغ نجمه. وساعده سيتشن في تأميم قطاع كبير من صناعة النفط الروسية، وعُين رئيساً تنفيذياً لـ”روسنفت” في 2012.

اجتماع موسكو

يدافع الأكراد، منذ فترة طويلة، عن حق الإقليم في توقيع اتفاقات مع الشركات الأجنبية فيما يتعلق بضخ النفط من أراضيه بوصفه منطقة شبه مستقلة. وفي 2014، بدأ صادرات نفط مستقلة عبر تركيا.

غير أن الحكومة المركزية في العراق تقول إن صفقات الأكراد مع الشركات الأجنبية أو تصدير النفط من كردستان يعد مخالفاً للقانون دون الحصول على موافقة بغداد.

كانت روسيا هي القوة العالمية الكبرى الوحيدة التي لم تعارض استفتاء استقلال كردستان، قائلة إنها تتفهم تطلعات الأكراد إلى الاستقلال. وحثّ كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وإيران حكومة الإقليم على إلغاء الاقتراع أو تأجيله.

وفي حين حاول وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، دون جدوى، التفاوض لتأجيل الاقتراع، كان سيتشن منهمكاً في مفاوضات صفقة خط الأنابيب.

وفي الأيام التالية للاستفتاء، توجه مسؤولون أكراد، من بينهم وزير الموارد الطبيعية آشتي هورامي، إلى موسكو؛ للاجتماع مع مسؤولين تنفيذيين في “روسنفت” ومسؤولين بوزارة الخارجية الروسية، بحسب مصدرين.

وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول 2017، في ذروة الفوضى التي أعقبت الاستفتاء حين كانت قوات الحشد الشعبي تطرد قوات البيشمركة من حقول كركوك، كان سيتشن قد أبرم الاتفاق.

وقالت المصادر إن “روسنفت” سددت الدفعة الأخيرة من إجمالي قيمة الصفقة البالغة 1.8 مليار دولار لأربيل. ولم تكشف “روسنفت” ولا سيتشن، وهما يخضعان لعقوبات بسبب ضم روسيا إلى منطقة القرم، المبلغ الذي سددته الشركة لشراء خطوط الأنابيب

 

 

 

 

.

رويترز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.