الانتخابات المبكرة في تركيا .. نحو صيف لاهب

يوجد في تركيا حاليا ستة وثمانون حزبا ينشطون على الساحة السياسية، أولها تأسس في حزيران عام 1983 وهو الحزب الديمقراطي Demokrat Parti ، وآخرها تأسس قبل خمسة أشهر فقط وهو حزب وحدة أوتوكن ÖTÜKEN BİRLİĞİ PARTİSİ.
ومع ذلك فإن أحزابا لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة هي التي استطاعت فقط أن تصول وتجول في هذه الساحة على مدى الفترة الماضية، وهي حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي.
وبحسب دراسة أعدتها واحدة من شركات استطلاع الرأي (غيزيجي) في الفترة ما بين 14-15 نيسان إبريل الماضي ، أي قبل ثلاثة أيام فقط من إعلان الرئيس التركي أردوغان الذهاب إلى انتخابات مبكرة فإن نتائج استبيان رأي العينة التي شملت 3864 شخصا في 21 مدينة تشير إلى أن الأصوات التي يمكن أن تحصل عليها تلك الأحزاب حاليا تتوزع كالتالي:
حزب العدالة والتنمية 45.8%
حزب الشعب الجمهوري 19.7%
حزب الحركة القومية 7%
حزب الخير أو الحزب الجيد 16.3%
حزب الشعوب الديمقراطي 9.7%
وفي حال كانت هذه العينة قد اختيرت عشوائيا وبشكل احترافي فإن هناك كثيرا مما يمكن قراءته منها ، أولها وجود انخفاض في نسبة أصوات حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي ، ويُرد ذلك إلى الأحداث الأخيرة التي عاشتها تركيا وموقف تلك الأحزاب منها وخصوصا فيما يتعلق بالعملية العسكرية التي خاضها الجيش التركي في مدينة عفرين السورية ومحيطها.
كما يلاحظ أيضا أن هناك انزياحا في أصوات حزب الحركة القومية باتجاه حزب الخير أو الحزب الجيد ، والذي تقوده ميرال أكشينير المنشقة عن حزب الحركة القومية بعد خلافات عميقة مع دولت بهتشلي على رئاسة الحزب، وهذا الانزياح هو ما يفسر ربما مخاوف بهتشلي من دخول أكشينير المنافسة الانتخابية ورغبته تبكير الانتخابات، ولكن على ما يبدو فإن هذا التبكير لم يمنع أكشينير من دخول غمار هذه المنافسة مع إعلان المفوضية العليا للانتخابات حق حزبها في دخول السباق الانتخابي الحالي.
انتخاب رئيس الجمهورية
لكن القضية لا تقف عند ما يمكن للأحزاب أن تحققه من نتائج في هذه الانتخابات ، بل تمتد إلى التحالفات التي يمكن أن تكون بين بعضها من أجل تحديد الشخص الذي سيجلس على كرسي الرئاسة.
المعطيات الحالية تشير إلى أن هناك صراعا داخل حزب المعارضة الرئيسي في البلاد ، فهو لا يقدم نفسه كجبهة واحدة رغم كل الدعاية السياسية التي يقودها زعيمه الحالي كمال كيليتشدار أوغلو.
جبهة الصقور في الحزب ليست راضية عن طريقة إدارة كيليتشدار أوغلو للمنافسة الحقيقية وهو ما يعطي مؤشرات حقيقية على وجود صراع داخلي في تشكيل قائمة المرشحين للبرلمان وعلى اختيار مرشح الحزب للرئاسة، فالنائب عن مدينة يالوفا محرم اينجة والذي خاض المنافسة على زعامة الحزب مرتين ضد رئيسه الحالي أعلن موقفا واضحا من سعي كيليتشدار أوغلو لترشيح الرئيس التركي الأسبق عبد الله غول للرئاسة مجددا، حيث قال إن عبد الله غول لا يمكن أن يكون مرشحا عن حزب الشعب الجمهوري.
وفي الوقت نفسه فإن ميرال أكشينير رئيسة حزب الخير أو الحزب الجيد أعلنت إصرارها على دخول السباق الرئاسي حتى وإن اختير غول مرشحا رئاسيا من المعارضة، وهو ما يعني أن حسابات حسم اختيار الرئيس في حال ترشح غول وأكشينير في مواجهة أردوغان قد تبنى على أساس جولة ثانية من التصويت.
في مقابل كل ذلك فإن حزب العدالة والتنمية يقدم مع حزب الحركة القومية جبهة موحدة تشكل مبدأيا أكثر من 50% من أصوات الناخبين يضاف إليها أصوات حزب الوحدة الكبرى التي تشكل 2% تقريبا
ما هي المعايير التي ستحدد سير أصوات الناخبين
بالنظر إلى أن حزب العدالة والتنمية أسس خلال الشهور الماضية حملة انتخابية سابقة لزمانها، حيث زار الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء يلدرم معظم المدن التركية، فإن أمام أحزاب المعارضة مدة زمنية قصيرة لإقناع الناخب ببرنامجها ومرشحيها.
هناك عدة مشاكل وقضايا يريد الشارع التركي حلولا لها من بينها مشاكل الاقتصاد والتي تشكل معظم هموم المواطن التركي حاليا وما ينضوي تحتها من مشكلة حياتية كالبطالة وارتفاع أسعار السلع ونسب التضخم، إضافة إلى المخاوف الأمنية والإرهاب، ومشاكل في استقرار نظام التعليم وغيرها.
شهران حاسمان
يعتبر رئيس البرلمان التركي السابق والنائب عن حزب العدالة في دورات تشريعية مضت ”بولنت أرينتش” واحدا من أبرز المؤسسين لحزب العدالة والتنمية رفقة أردوغان وعبد الله غول ، وقد أثار استدعاء أردوغان له للتشاور تخمينات عدة ، في مقدمتها أن يكون أردوغان قد حمل أرينتش رسالة لغول بالانعكاسات السلبية المحتملة على الحزب في حال قرر عبد الله غول خوض غمار المنافسة الرئاسية .
وعلى عكس ما كان متوقعا بعد الإعلان عن إجراء الانتخابات المبكرة من عدم وجود كثير من الانعطافات في موازين القوى خصوصا وان المعارضة لم تكن جاهزة على مستوى التنظيم لهذا السباق ، فإن الحملة التي قام بها زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو ضد زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي بتقديمه 15 نائبا لميرال أكشينار لتأمين وجود كتلة نيابية لحزب الخير تمكنه من خوض غمار المنافسة ، والحملة التي قام بها حزب السعادة ضد الرئيس أردوغان بإعلانه رغبته في ترشح عبد الله غول، كل ذلك من شأنه أن يجعل رقعة الشطرنج الحالية مفتوحة على كثير من الاحتمالات ، وتجعل الانتخابات في حزيران المقبلة انتخابات ساخنة تعقد في جو صيفي وسياسي لاهب .

المعتز بالله حسن

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.