لماذا صمتت روسيا تجاه الضربة الإسرائيلية لإيران هذه المرة؟

نشبت حرب الظل المتوترة بين إيران وإسرائيل في الساعات الأولى من يوم الخميس 10 مايو/أيار 2018، حين هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية عشرات المواقع الإيرانية في الداخل السوري. وكان ذلك رداً قويَّاً على ما سمّته إسرائيل هجوماً صاروخياً إيرانياً انطلق من أرضٍ سوريةٍ قبل ذلك بساعات.

ووقعت هذه الضربات المتبادلة -وهي الهجمات الأخطر من الجانبين في مواجهتهما بشأن الوجود الإيراني في سوريا- بعد أقل من يومين من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، بحسب تقرير لصحيفة  The New York Timesالأميركية.

وصرَّحَ وزير الدفاع الإسرائيلي بأنَّ الطائرات الحربية الإسرائيلية دمَّرت “جُلَّ” المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، بعدما أطلقت إيران 20 صاروخاً على أراضٍ تابعة لإسرائيل، دون تحقيق أهدافها.

وجاءت هجمات إيران، بعد وقتٍ قصيرٍ من انسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، من الاتفاق النووي، رافعةً بذلك التكهنات بأنها لن تشعر ثانيةً بتقييدٍ أميركي إزاء خرق الاتفاق النووي إذا ما هاجمت إسرائيل.

روسيا تغض الطرف

وظهرت إسرائيل بجرأةٍ غير معهودة، جزءٌ منها بسبب ما بدا أنَّه سماح استثنائي من جانب روسيا، الحليف الأهم لسوريا، الأمر الذي أتاح للإسرائيليين الرد بقوةٍ ضد القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا.

ولم تشجب موسكو الهجمات الإسرائيلية، كما كانت تفعل في السابق، وبدلاً من ذلك طالبت إسرائيل وإيران بحل خلافاتهما بالطرق الدبلوماسية.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أمضى 10 ساعاتٍ في اجتماعٍ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الأربعاء 9 مايو/أيار 2018، لحكومته يوم الخميس 10 مايو/أيار 2018، إنَّه أقنع الروس بتأجيل بيع أسلحةٍ متطورةٍ لسوريا.

وتُعَدُّ كلٌّ من روسيا وإيران حليفَين في الحرب السورية دفاعاً عن النظام السوري. ولكن بعد أن ظهر أنَّ الحرب بدأت في الخمود، يرى بعض المحللين افتراقاً لأهداف روسيا وإيران؛ فموسكو تُفضِّل حكومةً مركزيةً علمانيةً قويةً في سوريا، بينما تميل طهران إلى وجود حكومةٍ أضعف، بما يسمح للميليشيات المدعومة من إيران بتدخُّلٍ كبير.

وحققت إسرائيل مكاسب جرّاء ضرباتها ضد إيران وحلفائها داخل سوريا، وهو ما يندر بأن تُقرَّ به علناً. إلا أنَّ إيران لم ترُدّ عسكرياً حتى الآن، ما بدا أنَّه تقيُّدٌ بالاتفاق النووي في انتظار قرار ترمب بشأنه.

ورغم ذلك، فلدى الإيرانيين الكثير مما يمكن أن يفقدوه إذا ما استمر الصراع في التصاعد. فيبدو أنَّهم لا يزالون حريصين على الحفاظ على الاتفاق النووي رغم تجدُّد العقوبات الأميركية. ويشمل الاتفاق كلاً من روسيا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي.

وقال أوفر زالزبرغ، المحلل بمجموعة الأزمات الدولية: “نرى الآن أنَّ نتنياهو يشعر بأنَّ الوجود الإيراني بسوريا في وضعٍ هشٍّ، مما يُمكِّنه من استهداف مواقع منه، ذلك أنَّ قدرات إيران لرد الضربات قد ضعُفت -وقد دُمّرت بعض هذه القواعد الإيرانية بالفعل، ربما أقل مما يدَّعي- كذلك فإنَّ إيران ليس لديها طريقٌ واضح للرد دون تعريض نفسها للخطر”، بحسب الصحيفة الأميركية.

وأوضحت إسرائيل ذلك يوم الخميس 10 مايو/أيار 2018، أنَّ تخطيطها للضربات الجوية أصبح معروفاً داخلياً باسم “الشطرنج”، وأنها تنظر إلى ما بعد ذلك كما لو أنَّ إيران قد تجترُّها إلى فخٍّ في اللعبة السورية.

وجاء الهجوم الصاروخي الإيراني ضد إسرائيل، بعد ما كان من الضربة الصاروخية الإسرائيلية على قريةٍ بمرتفعات الجولان السورية، في وقتٍ متأخرٍ يوم الأربعاء 9 مايو/أيار 2018.

وفي وقتٍ مبكرٍ من الخميس، أطلقت القوات الإيرانية نحو 20 صاروخاً من نوع غراد وفجر 5  على الجزء المحتل من مرتفعات الجولان السورية، مستهدفةً مواقع أمامية للجيش الإسرائيلي، وفقاً للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي. وكان وابل الصواريخ قد أُطلق تحت قيادة “قوات فيلق القدس”، وهي فرقةٌ من الحرس الثوري الإيراني، واستخدمت أسلحةً إيرانيةً، حسبما ذكر المتحدث الإسرائيلي الكولونيل جوناثان كورنيكوس.

واعترض نظام القبة الحديدية الإسرائيلي الدفاعي المضاد للصواريخ 4 من الصواريخ، وسقطت أغلب الصواريخ قبل الوصول للأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، حسب تصريحات الجيش. وفي الواقع أنَّه ببزوغ صباح يوم الخميس 10 مايو/أيار 2018، كانت الحياة الإسرائيلية قد عادت إلى طبيعتها في مرتفعات الجولان، ومن ضمنها خروج الأطفال إلى المدارس.

تصعيد خطير في المنطقة

وبحسب الصحيفة الأميركية، تظلُّ الهجمات الصاروخية تصعيداً واضحاً في المناورات الإيرانية في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن إسرائيل قد ضربت القوات الإيرانية في سوريا بعددٍ من الضربات الجوية القاتلة، فإنَّ طهران كانت مكبّلةً عن الرد، حتى الآن.

وقال جوشوا لانديس، الخبير في الشأن السوري ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما الأميركية: “على إيران أن توضح أن بإمكانها الرد، حتى وإن كان رداً ضعيفاً. ولكنها كشفت ضعفاً أيضاً؛ إذ لم يكن لصواريخها أي أثرٍ حقيقي”.

وبعد الهجوم الصاروخي الإيراني، ردَّت إسرائيل رداً أشدَّ قوة بكثير.

وقالت إسرائيل إنَّ ردها وجَّه ضربةً حادة لقدرات إيران العسكرية بسوريا. وقال الجيش الإسرائيلي في بيانٍ، إنَّ الأهداف شملت ما وصفه بأنَّه مواقع تابعة للاستخبارات الإيرانية، من بينها مقرٌ لوجيستي تابع لقوة القدس، ومركبات عسكرية، ومخازن ذخيرة تابعة لقوة القدس في مطار دمشق الدولي، وأنظمةٌ استخباراتية مرتبطة بهذه القوات، ومواقع عسكرية وذخائر بالمنطقة العازلة بين هضبة الجولان السورية والجزء الذي تحتله إسرائيل، بحسب الصحيفة البريطانية.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، صباح الخميس، في تصريحاتٍ أُذيعت من مؤتمرٍ سياسي بمدينة هرتسيليا بالقرب من تل أبيب: “إذا أمطرونا بالنيران، فسنرد بفيضانٍ منها. أتمنى أن يكون الأمر قد انتهى عند هذه الجولة، وأن يكون الجميع قد فهموا الوضع”.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يقع مقره في بريطانيا، أنَّ حصيلة القتلى الإجمالية التي خلَّفتها الغارات بلغت 23 شخصاً على الأقل. بيد أنَّ الجيش السوري قال إنَّ عدد القتلى بلغ 3 أشخاصٍ فقط، بينما لم تُبلّغ إسرائيل عن وقوع إصاباتٍ في صفوفها.

وقالت إسرائيل إنَّها لا تعتزم مزيداً من التصعيد، وأشار محللون يبحثون عن أدلةٍ على ردٍّ مُحتَمَلٍ من جانب إيران، إلى أن وسائل الإعلام الإخبارية الإيرانية تجاهلت الغارات الليلية تجاهلاً كبيراً، مع التركيز بدلاً من ذلك على الاتفاق النووي. بينما لم يتطرَّقالتقرير الذي أصدرته وكالة أنباء فارس الإيرانية باللغة الإنكليزية عن الغارات الجوية إلى علاقة إيران بما حدث، بحسب الصحيفة الأميركية.

ضربة مالية جديدة لإيران

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن إيران تعرَّضت لضربة ماليةٍ جديدةٍ الخميس 10 مايو/أيار 2018؛ إذ ذكرت وزارة الخزانة الأميركية أنَّها تعاونت مع الإمارات العربية المتحدة لتعطيل شبكةً إيرانية لتبادل العملات، نقلت ملايين الدولارات إلى الحرس الثوري الإيراني بالتنسيق مع البنك المركزي الإيراني. وقال ستيفن منوتشين وزير الخزانة الأميركي، في بيان: “نحن عازمون على قطع إمدادات الإيرادات الخاصة بالحرس الثوري الإيراني حيثما كان مصدرها ومهما كانت وجهتها”.

وجديرٌ بالذكر أنَّ إيران استفادت من الفوضى في سوريا لبناء بنيةٍ تحتية عسكرية كبيرةهناك؛ إذ كوَّنت جماعاتٍ مُسلَّحة كبيرة تضم الآلاف من المقاتلين ودرَّبتها، وأرسلت مستشارين من الحرس الثوري الإيراني إلى قواعد عسكرية سورية.

وذكر نتنياهو في الأسبوع الجاري، أنَّ الحرس الثوري الإيراني نقل أسلحةً متطورة إلى سوريا، من بينها صواريخ أرض-أرض وطائراتٌ من دون طيار وبطارياتٌ إيرانية مضادة للطائرات، قائلاً إنَّها قد تهدد الطائرات العسكرية الإسرائيلية.

لطالما كانت تصريحات المؤسستين السياسية والأمنية بإسرائيل موحَّدةً وعلنية في التعهُّد بإحباط جهود إيران الساعية لترسيخ نفسها عسكرياً عبر حدود إسرائيل الشمالية، وبناء ما يصفه مسؤولون أميركيون وإسرائيليون بأنَّه ممرٌ بري من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا، بحسب الصحيفة الأميركية.

وازدادت التوترات بين إيران وإسرائيل تعقيداً؛ بسبب انسحاب ترمب من الاتفاق النووي يوم الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018.

إذ كانت إسرائيل تشجب هذا الاتفاق، ويُذكَر أنَّ ترمب وَعَد في أثناء حملته الانتخابية بالانسحاب منه، بيد أنَّ بعض الدول الأوروبية والعديد من المحللين اعتبروا هذا الاتفاق عنصراً حاسماً يمنع إيران وإسرائيل، الخصمين العنيدين، من الدخول في صراعٍ شامل.

وبينما أعلن ترمب قراره، وضعت إسرائيل قواتها في “حالة تأهُّب قصوى”، واستدعت بعض الجنود الاحتياطيين، ونشرت بعض بطاريات القبة الحديدية، وأمرت السلطات التابعة لها في هضبة الجولان بإعداد ملاجئ عامة للحماية من الصواريخ والقنابل بعدما اكتشفت ما سمَّته بنظامٍ غريب من جانب القوات الإيرانية، بحسب الصحيفة الأميركية.

كانت الغارات الجوية، التي شنَّتها إسرائيل في وقتٍ مبكر من يوم الخميس، بعض كبرى العمليات الجوية التي شنتها إسرائيل عبر الحدود السورية على مرِّ عقود، وأوسع هجومٍ مباشر حتى الآن على معدات ومنشآت إيرانية؛ إذ قال الكولونيل كونريكس: “هذه عمليةٌ استعددنا لها ولم نُفاجأ بها”.

وقالت إسرائيل إنَّها أبلغت روسيا سلفاً بالهجوم الذي وقع ليلاً.

جديرٌ بالذكر أنَّ إيران ساعدت حزب الله -القوة المدعومة إيرانياً في لبنان- في السنوات الأخيرة على تجميع ترسانة ضخمة من الصواريخ التي يمكن استخدامها ضد إسرائيل رادعاً للهجمات الإسرائيلية المحتملة على برنامج إيران النووي.

وشنَّت إسرائيل عشرات الهجمات ضد أسلحةٍ وقوافل متطورة كانت متجهة إلى حزب الله، على حد قولها. ولكن منذ شهر فبراير/شباط 2018، عندما اعترضت إسرائيل طائرةً إيرانية من دون طيار اخترقت مجالها الجوي قادمةً من سوريا على حد قول السلطات الإسرائيلية، وأطلقت شرارة يومٍ من تبادل الضربات العنيفة عبر الحدود– يبدو أن جهود إسرائيل صارت أكثر تركيزاً على المنشآت والمعدات الإيرانية في سوريا، بحسب الصحيفة الأميركية.

 

 

 

.

م.عرب يبوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.