عبر نصٍ مدوّن، تعهد السلطان العثماني محمد الفاتح، منذ 555 عاما، بضمان حرية ممارسة الرهبان المسيحيين في البوسنة والهرسك، شعائرهم الدينية، بعد فتحها.
ومنذ ذلك الوقت ما زال نص التعهد هذا محفوظاً في دير مسيحي، وسط مدينة فوينيكا بالبوسنة والهرسك.
ويعدّ تعهد السلطان محمد الفاتح، واحد من أقدم المواثيق التي نُشرت في مجال حقوق الإنسان والحريات.
ومنح السلطان العثماني تعهده إلى الراهب الفرنسيسكاني آنديو زفيزدوفيتش، في 28 مايو/ أيار عام 1463 .
وتضمّن نص التعهد، الحفاظ على حرية العبادة للفرنسيسكانيين القاطنين في البوسنة والهرسك، إضافة إلى منحهم عدداً من الحقوق والحريات في مجالات أخرى.
والرهبنة الفرنسيسكانية، والتي يعرف رهبانها باسم الفرنسيسكان، هي رهبنة في الكنيسة الكاثوليكية، تأسست شمالي إيطاليا في القرن الثالث عشر.
ومنذ عصور، يحافظ رجال دين مسيحيون ينتمون إلى الطائفة الكاثوليكية، على التعهد في دير بُني فوق تلة مرتفعة بمدينة فوينيكا.
ويتم الاحتفاظ بالتعهد في قسم خاص داخل متحف الدير، وعلى الرغم من الحروب العديدة التي شهدتها البوسنة والهرسك بعد انسحاب العثمانيين منها عام 1878، وخضوعها لاحتلال العديد من الدول المختلفة، إلّا أنّ التعهد ما زال موجوداً في مكانه دون أن يلحق به ضرر.
تعهد السلطان العثماني وفّر للفرنسيسكانيين البوسنيين حماية واسعة، الأمر الذي دفع مسيحيي البوسنة إلى الإقرار بأنّ هذه الوثيقة دليل على مدى احترام الدولة العثمانية لثقافة ومعتقدات الآخرين.
وفي كل عام يتوافد إلى الدير، مئات الزوار من كافة المذاهب والمعتقدات والبلدان، بغية رؤية التعهد.
وزوّدت إدارة الدير، المتحف بنظام بريل للقراءة، كي يتمكن المكفوفون الذين يزورون المكان، من قراءة التعهد.
ويعتبر تعهد السلطان محمد الفاتح من أقدم الوثائق التي نُشرت في مجال حقوق الإنسان والحريات، حيث نُشرت هذه الوثيقة قبل الدستور الأمريكي بـ 313 عاماً، وقبل ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بـ 485 عاماً، وقبل معاهدة مجلس أوروبا لحماية الأقليات القومية بـ532 عاما.
وفي تصريح للأناضول قال الراهب جانكو ليوبوس مدير متحف الدير، إنّ الدير ما زال محتفظا بالنسخة الأصلية للتعهد الذي منحه السلطان العثماني محمد الفاتح قبل 5 قرون، إلى الراهب الفرنسيسكاني آنديو زفيزدوفيتش.
وأوضح أنّ الرهبان الفرنسيسكانيين تمكنوا من البقاء في بلدهم وحصلوا على حرية التجول فيها، كما تمكن المسيحيون المُهجّرون من العودة إلى بلدهم بفضل تعهد السلطان العثماني.
وأضاف ليوبوس :”تعهد السلطان محمد الفاتح، ضمن للرهبان الفرنسيسكانيين سلامتهم وأمنهم والحفاظ على ممتلكاتهم، وبعد هذا التعهد، بدأت حياة آمنة ومستقرة للمسيحيين في البوسنة والهرسك”.
وأكّد ليوبوس أنّ تعهد السلطان محمد الفاتح ساهم بشكل كبير في استمرار الكنيسة الكاثوليكية في البوسنة والهرسك، لافتا أنّ التعهد كان الحكم بين المسيحيين والسلطات المحلية في حال حدوث أي خلاف بينهم وبين إدارات الدولة.
وتقع جمهورية البوسنة والهرسك في منطقة البلقان، شرقي أوروبا وهي إحدى جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، ونالت استقلالها خلال حرب البوسنة (1992 – 1995)، وتقطنها أغلبية مسلمة.
.
الاناضول