مثلت نتائج الانتخابات التركية في 24 حزيران الماضي منعطفا تاريخيا في الحياة السياسية والديمقراطية في البلاد، لكونها نهاية النظام البرلماني وبداية للتطبيق الفعلي للنظام الرئاسي الذي أقر في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، التي وافق عليها الشعب التركي في 16 نيسان عام 2017 بنسبة 52%.
وبتنصيب رجب طيب أردوغان رئيسا للبلاد بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية بنسبة 52.6%، تكون تركيا قد دخلت فعليا في النظام السياسي الجديد، وإعلانا عن بدء العمل به على أرض الواقع.
تحولات المشهد
التحول إلى النظام الرئاسي سيكون له أثر كبير على طبيعة مؤسسات الدولة، وإدارة الحكم فيها. فالتحول إلى النظام الرئاسي سيحد من تدخلات الجيش والمؤسسة العسكرية، بعد عقود طويلة من تأثر العمل السياسي في البلاد من تدخلات عسكرية وقضائية، حيث شهد تركيا 7 تدخلات عسكرية والعديد من التحركات القضائية التي أعاقت عمل الحكومات المنتخبة.
واستطاع قادة الجيش الإطاحة بأربع حكومات منتخبة ديمقراطيا من السلطة، وتنظيم محاكم عسكرية لشخصيات مدنية وسياسية نتج عنها إعدامات كان أبرزها إعدام رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس عام 1961.
وعلى مدار تاريخ طويل من الحياة السياسية أعرب الكثير من المسؤولين المنتخبين عن قلقهم من تدخلات الجيش والقضاء في عملهم، وخصوصا الشخصيات القادمة من خلفيات محافظة مثل الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، والذي يرأس أيضا حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وخلال حكم حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 بدأ تراجع نفوذ العسكر في الحياة السياسية، ومع النظام الجديد سيضمن الدستور منع تأثير العسكر بشكل شبه نهائي. وقام أردوغان بوضع القيادة العسكرية تحت إشراف وزارة الدفاع الوطني، والتي يشرف عليها الوزير التابع للحكومة المنتخبة.
ولأول مرة في التاريخ التركي الحديث، ستخضع مؤسسة الجيش للرقابة من قبل مجلس الإشراف على الدولة المدنية، وهي خطوة تضع الجيش على قدم المساواة مع الفروع التنفيذية الأخرى للدولة.
كما ستكون المحاكم العسكرية فقط في القضايا التأديبية المتعلقة بالضباط والجنود داخل الجيش، ولن يتم استخدامها ضد أي مدني أو سياسي وفقا للدستور الجديد.
وسيتم إلغاء المقعدين المخصصين للقضاة العسكريين في المحكمة الدستورية المكونة من 17 مقعدًا، لتصبح مكونة من 15 قاضيا مدنيا فقط، وسيتم تعيين 3 قضاة من قبل البرلمان و12 الآخرين من قبل الرئيس كما كان في السابق.
كما ألغت التعديلات الدستورية القوانين العرفية، لأنه أُسيء استخدامها من قبل العسكريين، وعلى الرعم من أن هذا الأمر رمزي إلا أنه يحمل مغزا كبيرا.
كما سيشمل التحول إلى النظام الرئاسي إلغاء منصب رئيس الوزراء وتحويل صلاحياته التنفيذية إلى مكتب الرئيس.
إلغاء مكتب رئيس الوزراء
تقاسم الرئيس ورئيس الوزراء الصلاحيات التنفيذية على مدار عقود طويلة من تاريخ الجمهورية التركية، إلا أن هذا الأمر كان سببا رئيسيا في الصراع والتنافر بين المنصبين، ما أثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد في أكثر من مرحلة تاريخية.
وشهدت الحياة السياسية التركية صعود رؤساء وزراء إلى منصب الرئاسة كان آخرهم رجب طيب أردوغان وفي السابق سليمان ديميريل وتورغوت أوزال، لكن أيا منها لم يستطع تمرير مقترح تحويل النظام البرلماني إلى رئاسي من خلال البرلمان.
لكن أردوغان استطاع تحقيق ذلك، فمع التغييرات الجديدة سيصبح الرئيس هو المسؤول عن الحكومة وتشكيلها، واستلام جميع سلطات رئيس الوزراء ومسؤولياته.
ووفقا للترتيب الجديد سيكون هناك نواب للرئيس لم يحدد عددهم القانون، وتعيين أعضاء مجلس الوزراء من قبل الرئيس. ويشار إلى أن النظام الجديد يمنع أعضاء البرلمان من أن يتقلدوا مناصب وزارية.
كما سيعين الرئيس الرؤساء التنفيذيين رفيعي المستوى للمؤسسات العامة ورؤساء الجامعات بعد 24 يونيو/ حزيران. وبحسب التعديلات الدستورية تجري الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل متزامن كل 5 سنوات.
مكتب الرئيس
كان المواطنون الأتراك يصوتون للأحزاب في الانتخابات البرلمانية، من ثم يتم اختيار رئيس الحزب الفائز بأكبر عدد من الأصوات كرئيس للحكومة التي يشكلها من أعضاء البرلمان.
وعام 2014 توجه المواطنون الأتراك لأول مرة لانتخاب رئيس للجمهورية بشكل مباشر، لكن الدستور كان يمنع أن يكون الرئيس حزبيا، إلا أن التعديلات الدستورية أتاحت للرئيس الاحتفاظ بعلاقتهه مع حزبه السياسي.
ووفقا للنظام الجديد، فإن الرئيس يمكن له اتخاذ قرار إعلان حالة الطوارئ في عدد من مناطق أو كل أنحاء البلاد لمدة 6 أشهر، على أن يتم نشر القرار في الجريدة الرسمية وتقديمه إلى البرلمان ليتم اعتماده.
ويمكن للرئيس أن يسن قوانين معينة بمراسيم تتعلق بقضايا تنفيذية، تاركاً تنظيم الحقوق والواجبات الأساسية للسلطة التشريعية، إذ لا يمكن إصدار مرسوم رئاسي حول هذا الموضوع.
وفي حال أصدر البرلمان والرئيس قوانين أو مراسيم بشأن نفس الموضوع، يصبح القرار الرئاسي باطلاً، كما يمكن للبرلمان جلب المراسيم الرئاسية أمام المحكمة الدستورية لمراجعتها.
ويتمتع الرئيس بصلاحية وضع ميزانية الدولة على أن يصادق عليها البرلمان، وإذا تم رفضها يتم اعتماد ميزانية السنة السابقة. وكان وضع الميزانية والمصادقة عليها من صلاحيات البرلمان فقط.
وفي مجال الرقابة، يفقد البرلمان حق التدقيق في الوزراء، لكنه يقوم بمراقبة أداء السلطة التنفيذية من خلال التحقيقات البرلمانية والمناقشات العامة والتحقيقات المكتوبة، على أن يجيب نواب الرئيس والوزراء في غضون 15 يوما.
ويتيح النظام الجديد محاكمة رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان، وإذا ثبتت إدانته فسيتم إقالته.
وبعد الانتخابات سيكون للبرلمان الحق بالدعوة إلى انتخابات مبكرة بمجموع أصوات 360 نائبا من أصل 600، كما يحق أيضا للرئيس الدعوة لانتخابات مبكرة، وعلى كلا الحالتين سيعني ذلك انتخابات جديدة للبرلمان والرئاسة بشكل متزامن.
.
trt