رافق سعد صديقه مؤخراً في رحلة قصيرة إلى حي «الفردوس» داخل مدينة حلب السورية، وهو الحي الذي كان مقراً لفصائل المعارضة لعدة سنوات إلى أن خرجوا منها، في ديسمبر/كانون الأول 2016، وشكَّل ذلك وقتها ضربة قاسية للمناصرين للثورة السورية.
عند الوصول، سأل سعد صديقَه عن السبب الذي قدما لأجله، فأخبره أنه سيتزوج، لكن بشكل سري، فردَّ عليه بسؤال آخر: ولماذا ذلك؟ فأجابه بنوع من التشنج أنه سيشرح له كافة التفاصيل فيما بعد.
الدمار الذي كان يحيط بسعد وصديقه، والذي ما زالت أثاره واضحة في كل مكان، أضاف نوعاً آخر من السرية على ما كان الصديقان ينويان القيام به. الأمر الغريب أن توجههما كان إلى أحد المكاتب العقارية، أما الأكثر غرابة بالنسبة لسعد فهو ملاحقة أعين الناس لهما، وكأنهما يرتكبان فعلاً مشيناً.
البحث عن زوجة
وشرح سعد ما حصل داخل المكتب العقاري، ولفت إلى أن صاحب المكتب الذي عرّف عن نفسه بأنه «أبو حسن»، بدأ بعرض صور لفتيات بأعمار مختلفة، تبدأ بـ22 عاماً وحتى الـ45، أمام صديقه، لاختيار إحداهن ليتزوجها، موضحاً أنهن جميعاً غير عازبات، وتابع قائلاً: «عدد الصور كان كبيراً ويتجاوز الثلاثين صورة.. رأينا كل الصور أنا وصديقي الذي أشار في النهاية إلى إحداهن» بحسب عربي بوست.
صاحب المكتب العقاري شرح تفاصيل عقد الزواج، الذي عرفه بـ «زواج المتعة»، وبيَّن أنه لا بد من تحديد مدة عقد الزواج، والتي تبدأ من ساعة إلى عدة سنوات، إضافة إلى الاتفاق على المهر، وقال سعد: «أخبرنا أن المهر 100 ألف ليرة سورية (نحو 200 دولار أميركي)، إذا كانت المدة أسبوعاً، و150 ألفاً (300 دولار أميركي) لعشرة أيام».
أبو حسن عرض على سعد وصديقه خدمات أخرى، كتأجير منزل خلال مدة الزواج، والتمتع بسرية كاملة أيضاً.
فقدن أزواجهن بسبب الحرب
بقيت صور الفتيات عالقة في بال سعد، مَن هن؟ ولماذا يقدمن على هذا النوع من الزواج؟ الإجابة عن تلك الأسئلة لم تكن سهلة، وتطلبت منه البحث أكثر، وعلمَّ فيما بعد أن هناك عدد من المكاتب المنتشرة في حلب التي تعقد هذا النوع من الزواج، والقسم الأكبر منها في حي «هنانو» الواقع في حلب الشرقية، إضافة إلى بعض المناطق في ريف حلب الجنوبي، وهي أيضاً مناطق كانت تقع بقبضة المعارضة السورية.
ولفت سعد إلى أن أغلب سكان المناطق التي تم تهجير سكانها نهاية عام 2016، دخلتها عائلات غير معروفة من مناطق أخرى، وأضاف أن حلب الشرقية تحوي خليطاً سكانياً، وأن أغلب تلك الفتيات اللاتي يَقبلن بزواج المتعة، فقيرات ويتم استغلال حاجتهن للمال، وخاصة أنهن فقدن أزواجهن أثناء المعارك أو في المعتقلات، وأكد أنه يتم إقناع الفتيات بأن هذا الزواج شرعي ومقبول في الدين الإسلامي.
وثيقة زواج مسربة
موقع “حرية” السوري نشَرَ وثيقةً لأحد عقود الزواج المسرَّبة الموقَّع عليها بحلب، في الثاني من مارس/آذار من العام الحالي. وقد تم محو اسمَي الزوجين وتوقيعهما أسفل الورقة، باستعمال مزيل أخطاء، لكنَّ تاريخي ميلادهما (1988 بالنسبة للرجل، و1994 بالنسبة للمرأة) كانا واضحين.
وتبيّن الوثيقة أن مدة العقد تبلغ «15 يوماً»، مقابل «مهر لا يتجاوز 100 ألف ليرة سورية» (أي ما يعادل نحو 220 دولاراً أميركياً). ويؤكد هذا العقد على احترام «جميع الحقوق الزوجية»، وقد تم توقيعه بشهادة شخصين يمثلان الزوج والزوجة.
وأوضح سعد أن العقد الذي وقَّع عليه كشاهد يماثل العقد المسرب، وأضاف أن هناك نسخة من العقد احتفظت بها الفتاة، والأصلية بقيت مع صديقه.
مرفوض في الأوساط الحلبية
هذا النوع من الزواج «محرم» في الأوساط السورية التي ينتشر فيها الإسلام السُّني، وغير معترف به في الدستور السوري، وتعتبره الأوساط الدينية أنه ممارسة للجنس خارج إطار الزواج.
وقال خالد، من حلب، إنه سمع عن عقود زواج المتعة في المدينة، وأشار أن ذلك غير مقبول بالنسبة للسكان، ولا يمكنه الاستمرار، أو أن يحظى باحترام أحد، وأضاف: «لا أحد يقبل تزويج بناته بهذه الحالة.. هذا حرام ومخالف لديننا وعاداتنا وتقاليدنا أيضاً».
زواج المتعة المنتشر بشكل كبير في إيران ويعتبر شرعياً بالنسبة للمذهب الشيعي، بات منتشراً على نطاق ضيق في عدة مدن سورية كحلب ودمشق وحمص، وهي المناطق التي دخلتها القوات الإيرانية مؤخراً. ويأتي ذلك على غرار انتشاره في محافظات جنوبي العراق، والضاحية الجنوبية بلبنان.