ما الذي يجمع إيران وفنزويلا وتركيا؟ وهل من الصدفة أن تنهار العملات الوطنية في هذه الدول الثلاث بهذا الشكل الحاد والمتقارب نسبيا؟
نلاحظ إذا نظرنا إلى إيران نموذجا، أن الصعوبات الاقتصادية بدأت تظهر وبشكل حاد حتى قبل أن تدخل العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ، ويتجلى ذلك بصورة خاصة في انهيار العملة، وتكفي تغريدة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو جملة تهديد عابرة ضد تركيا أو إيران كي تصيب العملة بالوهن وتفقد وزنها وتسقط.
هذا المؤشر يدل على الارتباط الوثيق بين السياسة والاقتصاد، الحبلين اللذين تنسج الولايات المتحدة سياطا منهما في الغالب وتكون العملة أولى ضحاياها، قبل أن تدخل “العصا الغليظة” الأمريكية لتضرب الرؤوس وتدك الحصون في هذا البلد أو ذلك.
مثل هذه السياسة التقليدية لا يسلم منها أحد، حتى تركيا العضو الهام تاريخيا في حلف شمال الأطلسي، فما أن برز التوتر بين أنقرة وواشنطن حتى أصيبت الليرة التركية بـ”الزكام” وبدأ وزنها يتناقص، على الرغم من عدم وجود عقوبات اقتصادية مباشرة ضد تركيا عدا تلك التي فرضت أخيرا ضد وزيرين.
أما فنزويلا، التي تعاني منذ مدة من صعوبات اقتصادية خانقة، وهي على موعد مع إلغاء 5 أصفار من “البوليفار” في 20 أغسطس الجاري، فتبدو القبضة الأمريكية أكثر قربا من خناقها، على الرغم من أن الضائقة الاقتصادية ناجمة في الأصل عن انهيار أسعار النفط منذ عام 2014، لكن كل ذلك لا ينفي تأثير ما يمكن وصفه بـالحرب السرية والعلنية سياسيا واقتصاديا وإعلاميا إلى غير ذلك.
بالطبع يد الولايات المتحدة ليست دائما وراء “سقوط الأصفار” من عملات الدول، ويمكن التذكير هنا بأن زيمبابوي كانت قد شهدت قبل فنزويلا سقوطا مدويا لعملتها الوطنية حتى بلغت قيمة آخر عملة لها 100 تريليون دولار زيمبابوي، وكان هذا الرقم الأسطوري، كما تقول التقارير، غير كاف حتى لشراء حزمة بقدونس.
زيمبابوي كانت حذفت 3 أصفار من دولارها عام 2003، وحذف السودان عام 2007 صفرين من عملته، وبوليفيا ثلاثة أصفار عام 2008، ورومانيا 4 أصفار عام 2005، وتركيا فعلت الشيء ذاته عام 2005 وألغت 6 أصفار.
في الغالب يظهر التأثير الاقتصادي الأمريكي المدمر على العملات الوطنية، في أعقاب مواجهة سياسية تديرها في العادة واشنطن من مقر وزارة المالية.
وبهذه الطريقة، تتضخم الصعوبات الاقتصادية الذاتية، وتزداد حدتها في أي بلد يقرر الوقوف ضد الولايات المتحدة، فتقرع الحرب الإعلامية طبولها.. تهرب رؤوس أموال، وتختفي أخرى.. تمرض العملة وتفقد أصفارها، ويبدو ذلك أحيانا من الخارج كما لو أنه قضية داخلية اقتصادية بحتة مرتبطة بمشكلات وقصور ذاتيين ولا علاقة لها بما وراء الأطلسي.
ونرى في هذا السياق أن العقبات الاقتصادية “الطبيعية” في الغالب تكون طارئة وقابلة للعلاج باستثناء حالة “الدولة الفاشلة”، في حين أن العقبات الاقتصادية المفتعلة السرية والعلنية، وتلك التي “ينفخ” فيها سياسيا وإعلاميا وعسكريا، تكون أشد وطأة وأكثر خطرا، كما نرى في نموذجي فنزويلا وإيران.