إنهم يهددوننا عيانا بيانا. يهددنا الرئيس الأمريكي ترامب، يهددنا مساعدوه، تهددنا أوساطه المالية والدفاعية والخارجية؛ إذ أطلقت الإدارة الأمريكية على تركيا المرحلة الرابعة من الحرب التي أعلنتها ضد روسيا والصين وإيران.
إننا نشهد اليوم عودة تحرك كل الأشخاص والتيارات وتلك المقرات السرية وأولئك الشركاء الخفيون الذين هاجموا هذا الوطن ليلة 15 يوليو/تموز وسحقوا أبناءه تحت عجلات الدبابات وأمطروهم بوابل من الرصاص وجعلوا هذا الوطن يواجه الاحتلال والحرب الأهلية.
إنهم يهاجمون تركيا دفعة واحدة. هذه حرب اقتصادية، عملية تركيع تركيا وإجبارها على الاستسلام في المجال الاقتصادي. لكنها ليست مسألة مقتصرة على قضية القس برونسون، كما أنها ليست شيئا قاصرا على ابتزازنا كوننا تخلصنا من عناصر تنظيم غولن الإرهابي الذين في الداخل من عملاء الاستخبارات الأمريكية.
القضية ليست مقصورة على القس الأمريكي
إننا نخوض كفاحا عظيما
إن هذا – في الوقت ذاته – هجوم سياسي، تحرك الإدارة الأمريكية وجميع حلفائها المقربين من أجل “إيقاف مسيرة تركيا”، محاولة تنفيذ المهمة التي فشلوا في تنفيذها ليلة 15 يوليو/تموز.
إنها محاولة استهداف صريحة لتركيا التي فشلوا في تركيعها وتكميم فمها وعزلها إقليميا والحيلولة دون نمو قدراتها وقواها.
إنها محاولة معاقبة تركيا التي ولت وجهها شطر القوى الصاعدة في آسيا ورفضت التبيعة الأمريكية والأوروبية وأطلقت حملة جديدة من حملات الصعود بعد مائة عام من الغفلة وبدأت تلعب في “دوري الكبار” على مستوى القوى العالمية التي تتبدل مواقعها في الوقت الراهن.
أمريكا أصبحت تهديدا للعالم كله
إن ما يحدث هو محاولة للانتقام من تركيا التي نقلت استمرارية الدول عقب الدولتين السلجوقية والعثمانية والجمهورية التركية إلى عصر جديد لتغير مجرى التاريخ وتصنع تاريخا جديدا.
فما نشهده هو المرحلة التركية من جر الولايات المتحدة العالم بأسره نحو الجنون بعدما تم عزلها على مستوى تبادل القوى العالمية وزادت عدوانيتها بزيادة عزلتها، وهو ما جعلها تمثل تهديدا ليس بالنسبة لتركيا فحسب، بل وللعالم بأسره.
إنها محاولة هجوم يتعرض لها كل من يسعى لإنشاء قوة جديدة من قِبل من فقدوا القدرة على إدارة العالم من جانب واحدة بعد 4 قرون من السيطرة الكاملة، وقد صار مستحيلا أن يستعيدوا هذه القدرة مرة ثانية.
حرب اقتصادية ضد روسيا والصين وإيران وتركيا. وقريبا سيعلنون الحرب الاقتصادية كذلك على ألمانيا وسائر دول أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
بدء تنفيذ مخطط سلب ونهب عالمي جديد
لقد بدؤوا تنفيذ مخطط سلب ونهب جديد على المستوى العالمي. إنا ما يفعلونه ضد تركيا اليوم هو محاولة لسلب ما حققته من تنمية وثروة خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة.
لقد بدأ عهد جمود، بل قل تراجع، في الولايات المتحدة وأوروبا، وفشل النظام الاقتصادي الذي يقودونه وصار عاجزا عن الحركة، لقد انهار بالفعل. ولهذا فقد بدؤوا يهاجمون بجنون من أجل سلب موارد العالم وثرواته.
إنهم يهددون البشرية جمعاء، وما نراه الآن ما هو إلا الجزء الخاص بالجانب الاقتصادي، وسنشهد قريبا ما سيفعلونه في الجانبين السياسي والعسكري؛ إذ إننا أمام عاصفة تقترب، وعلى جميع دول العالم التحرك والتعاون للتصدي لحملة السلب والنهب هذه.
الولايات المتحدة فقدت صوابها
ذلك أن الولايات المتحدة أعلنت الحرب على جميع دول العالم، وفقدت مصداقيتها وصداقتها للجميع. لقد بدأ العالم بأسره، من أمريكا اللاتينية غربا إلى الشرق الأقصى شرقا، يشعر بالتوتر حيال واشنطن التي فقدت صوابها وصار مستحيلا التوقع ماذا ستفعل.
إن أسباب الغضب الأمريكي الحالي هي التبادل التجاري بالعملة المحلية والتحرك من أجل عملة جديدة أو مشتركة تكون ضد الدولار وطرح الأسئلة حول النظام العالمي الذي تقوده واشنطن والتقارب مع الدول التي تعترض على الهيمنة الغربية على العالم. فكل هذه المواقف تعتبر تحديا للسيادة الأمريكية ورفضا لها وعدم الاعتراف بها. بيد أن هذه النزعة بدأت بالصعود مؤخرا في مختلف بقاع العالم.
لا يريد أحد أن يذكَر اسمه مع الولايات المتحدة أو يظهر وهو يدعمها. يقول رئيس الوزراء الروسي مدفيديف “ما تفعله واشنطن يعني إعلان للحرب الاقتصادية. وعليه، فإننا سنرد كذلك، بخلاف المجال الاقتصادي، في المجال السياسي وسائر المجالات الأخرى”. ماذا يعني هذا؟ أيعني ردود عسكرية؟ فهذا هو الوضع الخطر الذي صار عليه العالم.
أنستسلم؟ هذا انتحار
هذا تدمير لأنفسنا وخروج خارج عجلة التاريخ
ماذا سنفعل إذن؟ هل سنستسلم؟ هل سنتوسل لهم بحجة أنهم ضغطوا علينا من خلال الدولار الذي ارتفع بشكل جنوني؟ هل سنطأطأ رؤوسنا لأنهم رفعوا الضرائب المفروضة على البضائع التركية محاولين تدمير اقتصادنا؟ هل سنمد أيدينا لنتسوّل؟ هل سنتخلّى عن صناعة التاريخ وحساباتنا المستقبلية ومسيرة شعبنا العظيمة؟
فإذا كنا سنفعل هذا، فلماذا إذن خضنا كفاح 15 يوليو/تموز؟ لماذا صمدنا في وجه إرهاب متنزه غيزي؟ لماذا قاومنا الإرهاب؟ لماذا وقفنا أمام مخططاتهم لحصارنا من الجانب السوري؟
إن العودة عن هذا الطريق هي انتحار بكل ما تحمله الكلمة من معان، تدمير لأنفسنا، خروج خارج عجلة التاريخ، تقليص لقدراتنا، خسران القرن الحادي والعشرين وما بعده. ولن نفعل هذا أبدا. وكما خضنا كفاحا من أجل الوطن، فسنخوض هذه المرة كذلك كفاحا من أجل الاقتصاد، ولن نستسلم أمام هذه الذئاب الجائعة من النهابين الذين يهاجمون كل ما هو وطني.
ليس أمامنا خيار سوى المقاومة!
ليس أمامنا – حقا – أي خيار آخر سوى المقاومة وخوض كفاح كبير وتصفية حساباتنا مع هؤلاء. يكذب كل من يقول إن هناك خيارا آخر، فأولئك الجهلة إما أنهم ليسوا مدركين لتصفية الحسابات الكبرى التي يشهدها العالم أو أنهم شركاء في هذا الهجوم.
لقد قاوم هذا الشعب الحملات الصليبية، استطاع حكم المنطقة بأسرها من داخل الأناضول، وصل إلى قلب أوروبا. إن الشعب التركي يمتلك ثراءا سياسيا استثنائيا، فهو يصنع التاريخ فقط في هذه المنطقة منذ ألف عام، فلا يستخف أحد بهذه الحقائق؛ إذ نجح شعبنا في تخطي أصعب الظروف وعاد إلى الحياة من جديد في اللحظة التي قالوا فيها “لقد زالوا”.
سنفعل الأمر ذاته هذه المرة. فنحن نسير في هذا الطريق أصلا منذ 15 عاما، وسنكمل المسيرة دون تردد أو أن ترتعش أقدامنا، سنواصل بتضامن كبير. لا يمكن تحقيق النصر بدون حسابات كبيرة، ولا يمكن لدولة أن تصبح دولة عظمى قبل أن تدفع الثمن، كما لا يمكن إنشاء المنطقة وكتابة التاريخ دون أن نبقى دولة عظمى.
لا داعي للذعر، إننا نخوض كفاحا عظيما
هذا ليس ادعاء محضا، فنحن من سيربح
لن نخاف أو نقلق، لن نصمت أمام هذه التهديدات الصريحة والابتزازات وحملات الاحتقار الموجهة لبلدنا وشعبنا. وبينما نفعل هذا لن نسامح أبدا من حاولوا ضربنا من الداخل لصالح الولايات المتحدة، ولن نسمح أبدا لمن وضعوا حسابات خبيثة في الداخل مستغلين الظروف الحالية.
نحن من سيربح، فهذا ليس ادعاء محضا. إن العالم كله تقريبا، وليس تركيا فقط، يخوض حربا اقتصادية مع الولايات المتحدة. فهذه تصفية حسابات جيوسياسية كبيرة للغاية، تبادل سلطات القوى العالمية. إنها ليست حرب تركيا وحدها، فإذا نظرتم إلى ما يحدث مع تركيا فقط فلن تروا الصورة كاملة.
إن من سيخسر هي الولايات المتحدة نفسها، فالبشرية ومعظم دول العالم ستنتقم منها. والآن قد حان وقت الكفاح المشترك، انطلقوا إلى هذه المسيرة المباركة بعد أن تنحوا جميع أجنداتكم وحساباتكم جانبا.. إننا في عهد الكفاح الاقتصادي الوطني!.
ابراهيم كراجول – يني شفق