أغنى رجل في الصين يزور تركيا.. هل صنع ترامب بعقوباته حلفًا بين أنقرة وبكين؟

في شهر مايو (أيار) الماضي شهد عدد من كبار الضبّاط الصينيين تمرينات «أفسيس» العسكرية في مدينة إزمير التركية، إذ استعرضت القوّات المسلّحة التركيّة أمام الصينيين أحدث تقنياتها العسكرية خلال المناورات.

هذه المشاركة الصينية تؤكد على أن المجتمع الدولي سيشهد المزيد من التعاون العسكري المكثّف بين أنقرة وبكين في الأشهر المقبلة، ففي ظل اهتمام أنقرة بتنويع شبكتها من الشركاء على الساحة الدولية بعد ازدياد التوتر بينها وبين واشنطن، تدفع تركيا نحو شراكة مع الصين تتجاوز حدود العلاقات التجارية الكبيرة إلى مجالات أخرى، وكذلك الصين التي تبدو مهتمة للغاية بملء فراغ النفوذ الذي تتركه الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط.

تبادل تجاري بـ22 مليار دولار سنويًّا

ندعم جهود تركيا في حماية أمنها القومي واستقرارها ونموها الاقتصادي والاجتماعي

بهذه الكلمات أعرب وزير الخارجية الصيني وانغ يي عن موقف بلاده من العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي نالت من تركيا في الأيام القليلة الماضية.

فسرعان ما قدّمت الصين هذا الدعم المعنوي إثر خسارة الليرة التركية ثلث قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، أمّا عمليًا فقد  تحرك الصينيون نحو المزيد من الدعم؛ فأعلن أغنى 59 رجل أعمال صيني على رأسهم الملياردير الصيني «جاك ما» توجههم إلى تركيا للحصول على فرص استثمارية جديدة في القطاعين الخاص والعام، كما سبق أن أعلنت مجموعة «علي بابا»للتجارة الإلكترونية التي يديرها «جاك ما» استحواذها على حصة في نظيرتها التركية «ترينديول»، في إطار جهود توسعها لخلق فرص في إصلاحات التجارة الإلكترونية.

وقد سعى الصينيون بشكل عام إلى زيادة انخراطهم في المشهد الاقتصادي التركي، وزيادة استثماراتهم في تركيا عبر شق الطريق لفرص مستقبلية اقتصادية؛ إذ لم يمضِ وقت كبير على شراء شركة «زد تي إيه» الصينية العملاقة للهواتف الذكية 48.8% من شركة الاتصالات التركية «تورك تيليكوم»، وكذلك على استحواذ بنك الصناعة والتجارة الصيني على حصة تبلغ 75.5% من تكستيل البنك التركي مقابل 315 مليون دولار.

أما تركيا فتعمل على تلافي الاعتماد المفرط على واشنطن، وتفادي أثر خلافها مع الحلفاء الغربيين التقليديين؛ فهي معنية بالبحث عن شركاء جدد، وقد اتّجهت شرقًا نحو الصين، إذ سعت لخلق أرضية خصبة لتعاون أقوى مع بكين في السنوات القادمة.

اقرأ أيضا

الصبر مفتاح الفرج

وتتطلّع بكين إلى تعزيز حضورها الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، كما يؤكد الكتاب الأبيض الذي أصدرته الحكومة الصينية بعنوان: «الصين ومنظمة التجارة العالمية» أن «الصين تهدف إلى توحيد القوى مع تركيا من أجل تطوير نظام تجاري متعدد الأطراف أكثر انفتاحًا وشمولًا ومشاركة وتوازنًا، وقائم على المكاسب المشتركة، فالبلدان يمكن أن يعملا من أجل تسريع تطوير النظام الاقتصادي الدولي ليصبح أكثر عدلًا ومعقولية، وخلق مناخ دولي ملائم للتطور المشترك للبلدين، وحماية مصالحهما المشتركة».

ويضيف الكتاب: «التعاون الاقتصادي والتجاري بين أنقرة وبكين في تطور مستمر؛ إذ أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا، ووصل حجم التجارة بين البلدين إلى 21.9 مليار دولار».

بل يذهب المحللون إلى القول: إن تحالف تركيا مع بكين سيعود بالفائدة على تركيا أكثر من أي تحالف آخر، وتحديدًا أكثر من التحالف مع موسكو أو طهران؛ فالتحالف مع إيران تعوقه الرغبة الأمريكية الجامحة في مواجهة النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط، وفي نفس الوقت تعارض تركيا هذا التوسع الإيراني، وهي أيضًا حذرة من المطامع الروسية في المنطقة، ولذلك تبقى الصين بالنسبة لأنقرة مرشّحًا جذابًا لتوسيع التحالف معها.

طريق الحرير.. المشروع الصيني الذي تستبشر به تركيا 

أدى التقارب المبكّر بين واشنطن وأنقرة التي انضمّت إلى حلف الناتو سنة 1952، إلى تراجع الصين عن توثيق علاقتها مع تركيا، إذ لم تشهد العلاقة بين البلدين ازدهارًا حتى سبعينات القرن العشرين.

لكن منذ تسعينات القرن الماضي، وبعدما قيّدت الولايات المتحدة وأوروبا مبيعات الأسلحة إلى تركيا بسبب القضيّة الكردية؛ بدأت أنقرة البحث عن جهات بديلة لتزويدها بالسلاح، وكانت وجهتها الصين التي استغلّت فرصة توتّر علاقات تركيا مع الغرب، ومع وصول حزب «العدالة والتنمية» التركي إلى السلطة عام 2002، نمت العلاقات التجارية بين بكين وأنقرة، فبعد عام من حكم هذا الحزب كانت الميزانية التجارية بين البلدين حوالي مليار دولار، لكنها ارتفعت إلى 27 مليار دولار في السنوات الأخيرة.

وتعدّ التجارة العنصر الأقوى في العلاقة بين بكين وأنقرة؛ مما جعل الصين ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا بعد ألمانيا، فيما تعد الصين أكبر مورد تجاري لتركيا، وبالرغم من أن الخلل في ميزان التبادل التجاري يصب في صالح الصين، في ظل عجز الميزان التجاري التركي بحوالي 25 مليار دولار، لكن هذه الفجوة يمكن سدّها كما يرى المراقبون بزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في الاقتصاد التركي، كالاستثمار في مجالات الطاقة والنقل والاتصالات.

وشهدت العلاقة بين البلدين نموًا في مجالات التبادل الثقافي والتنسيق حول القضايا الدولية والإقليمية، والتعاون بين البلدين في قطاعي الدفاع والأمن، ومن أجل تعميق التعاون في المجال الأمني والدفاع جاءت الزيارة الأخيرة في 26 يوليو (تموز) لوفد عسكري صيني، برئاسة المفوض السياسي لمعهد الحرب المشتركة التابع لجيش التحرير الشعبي في جامعة الدفاع الوطني، اللواء ليكن تشو لجامعة الدفاع الوطني التركي، وتتحدث المصادر الصينية عن مناقشات بين الجانبين تهدف إلى تعزيز التعاون في التعليم العسكري المهني والصناعات الدفاعية ومكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخبارية.

ويقع مشروع «طريق الحرير الحديدي» الذي يربط بين بكين ولندن على رأس قائمة المشاريع الصينية التي تهم تركيا، فهذا المشروع الذي سيعمل على زيادة النفوذ الصيني في البُلدان التي يمرّ منها محلّ اهتمام تركي كبير؛ إذ تعدّ تركيا بلدًا محوريًّا في المشروع، وتأمل أن يعود تعاونها مع الصين بالفائدة الاقتصادية والتربوية والسياحية عليها، فالدول التي سيمرّ بها المشروع – عددها 60، ومن بينها تركيا – وستحظى بتنمية اقتصاداتها وخلق مشروعات ضخمة وفرص عمل، وتتوقع الصين أن تفوق التجارة مع دول الحزام والطريق 2.5 ترليون دولار في العام 2025.

وسبق أن قال الرئيس التركي أردوغان: إن «تركيا ستلعب دورًا مهمًا في مبادرة الحزام والطريق، بالنظر إلى كونها تمثل رابطًا جغرافيًا وثقافيًا بين الشرق والغرب. ولأنها شريك لا غنى عنه بالنسبة إلى الصين، فالمبادرة مهمة للغاية وتاريخية وتهدف إلى تأسيس شبكة للبنية الأساسية والنقل والاستثمار والطاقة والتجارة».

الإيغور.. عائق يكدّر صفو العلاقات

قيّدت أيديولوجية وأجندة حزب العدالة والتنمية التركي في بعض الأحيان إمكانية تعميق الروابط بين أنقرة وبكين، وكانت واحدة من أهم الخلافات بين البلدين هو ما خلّفه الموقف التركي الداعم لأقلية الأويغور المسلمة، المضطهدة من قبل حكومة بكين.

فهؤلاء الذين تعتبرهم الصين انفصاليين و«إرهابيين» مرحّب بهم في تركيا، لكن هناك من يرى أن حاجة كلا البلدين للتحالف الاقتصادي والسياسي في مواجهة واشنطن سيدفع نحو تجاوز هذه العقبة، بدليل أن قيادة حزب العدالة والتنمية بدت تتجه نحو تخفيف اللهجة العلنية للتضامن مع الأويغور، فتخوفات تركيا من تهديدات الإرهاب على أراضيها، سبب يدفع نحو المزيد من التعاون الأمني، كما تبرز الروابط الاقتصادية المتعمقة بين البلدين، فتركيا تلف الدوّار نحو الشرق، وبكين حريصة على الاستثمار في تركيا؛ كونها مركز طرق الطاقة والتجارة عبر القارات.

ومع تزايد التخوّفات الصينية من الحرب التجارية الأمريكية ضدها، وتهيج الدول الغربية من علاقات تركيا المتنامية مع موسكو، يتوقع المراقبون تحقيق شراكة استراتيجية برغبة ملحّة من كلا البلدين، شراكة تتجاوز حدود التعاملات التجارية والاقتصادية، وتفرض تعاونًا أمنيًّا وعسكريًّا. ويرى المدير الإداري في معهد واشنطن مايكل سينغ أن هناك ثلاثة عوامل رئيسة ستحدد مدى تطور العلاقات بين الصين وتركيا، أولها: «حظوظ الصين نفسها، فإذا استمر الركود في نموها الاقتصادي، فقد تفتقر إلى الموارد اللازمة لتنفيذ خطتها (حزام واحد، طريق واحد) أو تقديم فرص تصدير مغرية من شأنها تصحيح الخلل في تجارتها مع تركيا».

أما العامل الثاني – حسب سينغ – فيتعلق بموقف الصين من القضايا الإقليمية: «فحتى الآن لم تفرض تركيا ودول أخرى في المنطقة على بكين ثمنًا يُذكر على دعمها لطهران والأسد بشتّى الطرق، كالمماطلة لتأخير العقوبات على إيران، وتخفيفها خلال المفاوضات النووية، وانضمامها إلى موسكو لنقض قرارت متعدّدة صادرة عن مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، بينما يصبح دور الصين أكثر أهمية في الشرق الأوسط، فقد ينفد صبر تلك الدول».

ويخص العامل الثالث السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؛ إذ إنه «من الممكن أن تتحلى تركيا بمنزلة خاصة لدى بكين باعتبارها حليفًا في منظمة (الناتو)؛؛ كونها عرضة للإغراءات الخارجية، لكن هذا لا يعني أن الصين تسعى إلى أن تحل محل الدور الأمريكي في الشرق الأوسط».

المصدر: ساسة بوست

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.