أرضية حجرية وقباب مزخرفة وجدران عتيقة، تمتزج بمنتجات عثمانية مطرزة وقناديل ملوّنة وتحف فضية ونحاسية، تمنح “السوق المصري” في إسطنبول التركية، خصوصية وسحرًا لا يقاومان.
رحلة عبر الزمن تحمل رواد هذا السوق أو “البازار” كما يصطلح كثيرون على تسميته، حيث تفوح، على طول أمتار، رائحة التوابل الممزوجة برائحة القهوة التركية، لتتشكّل توليفة بنكهة تجتمع عندها الحضارات والثقافات.
ومنذ إنشائه قبل 351 عامًا، وجدران السوق تعج بروائح مختلف أنواع البهارات والتوابل التي تُستخدم في علاج الكثير من الأمراض.
ويعتبر “السوق المصري” من أهم الأسواق المغلقة في إسطنبول، حيث وضعت السلطانة صفية، والدة السطان مراد الثالث، عام 1579، حجر الأساس فيه، في حين أكملت السلطانة خديجة تورهان، والدة السلطان محمد السادس، أعمال بنائه عام 1667.
واحتل السوق التاريخي مكانة تجارية هامة، حيث شكّل جسرًا بين الشرق والغرب، مما زاد من أهمية موقع إسطنبول على “طريق الحرير” التجاري.
و”طريق الحرير” هو مجموعة من الطرق المترابطة كانت تسلكها، قديمًا، القوافل والسفن، وتمرّ عبر جنوب آسيا، لتربط “تشآن” (كانت تعرف بـ”تشانغ آن”) في الصين مع مدينة أنطاكيا التركية بالإضافة إلى مواقع أخرى.
وعلى مر العصور، اكتسبت توابل السوق المصري شهرة كبيرة على مستوى العالم، إذ كان السوق يوصف بأنه “صيدلية” الإمبراطورية العثمانية سابقا.
وحتى العام 1969، كان السوق يحتوي فقط على الأعشاب الطبية، وبذور النباتات، والبهارات والتوابل، قبل أن تتنوع أنشطته لاحقًا، لتنتشر فيه محلات لصاغة الذهب، وأخرى للمكسرات والموالح، وبيع الهدايا.
عمر باشي بيوك، رئيس جمعية تجار السوق المصري، (غير حكومية)، قال، إن السوق يحظى باهتمام السياح المحليين والأجانب على حد سواء، لاحتوائه على 118 محلًا لبيع البهارات والهدايا والذهب.
ويفتتح السوق أبوابه من الثامنة صباحًا بالتوقيت المحلي، ليغلقها في تمام الثامنة مساء، فيما يباشر التجار أعمالهم، يوم الجمعة من كل أسبوع، عقب أدعية يؤديها أحد الأئمة.
ووفق باشي بيوك، فإنّ السوق يزخر ببهارات وتوابل هندية وإيرانية، فضلًا عن عدد كبير من المنتجات التركية، مضيفًا أن السياح الأجانب يولون اهتمامًا بالبضائع المحلية على وجه الخصوص.
ورغم افتتاح مراكز التسوق الضخمة في معظم أرجاء إسطنبول، إلا أن باشي بيوك شدد على أنّ السوق سيحافظ على مكانته الفريدة في المدينة.
وتوضيحا للجزئية الأخيرة، تابع: “لن يتم بناء أسواق شبيهة بالسوق المصري في أي وقت، ولذلك، فإنه مهما تم بناء مراكز تسوق ضخمة، فإن هذا السوق سيحافظ على مكانته”.
وأردف: “عندما يأتي السائح إلى هنا، يعجب بشدة بطريقة بناء السوق، فهو يصادف الكثير من مراكز التسوق في بلاده أصلًا، إلا أنه لا يرى سوقًا مثل السوق المصري في وطنه”.
ولفت إلى أن السوق شهد عمليات تطوير عديدة عقب ترميمه الذي استمر من عام 2013 وانتهت العام الحالي، حيث تم تزويده بنظام تكييف مركزي، وبأسلاك كهربائية تحت الأرض، فضلًا عن مولد طاقة مشترك لكافة المحال.
وأوضح أن جمعية تجار السوق تأسست عام 1972، حيث تؤدي مهامًا عديدة أبرزها مساعدة التجار، وحماية السوق.
وأعرب “باشي بيوك” عن سعادته بإقبال السياح على السوق، مضيفًا: “كان السوق وجهة للسياح العرب فقط قديمًا، إلا أن السياح اليوم يزورون السوق من دول أمريكا اللاتينية والشرق الأقصى”.
واعتبر أن “زيادة وتيرة تنوع السياح من كافة أرجاء العالم تجعلنا نشعر بالسعادة”.
من جانبها، قالت سيفيم ساعاتجي، وهي صاحبة محل لتجهيز العرائس في السوق، إنها ورثت المحل عن والدها منذ 25 عاما.
وأوضحت، أنها تبيع مستلزمات العرائس التي يتم إنتاجها يدويا من قِبل النساء في الورشات الصغيرة بمختلف أرجاء تركيا.
وبالنسبة لها، فإنّ الإقبال على البضائع المصنوعة يدويا، يلقى – على الدوام – اهتماما كبيرا، وخصوصا البضائع المصنعة في ولاية غازي عنتاب (جنوبي تركيا).
بدوره، أشار سامي قويونجو، وهو صاحب محل “مالاطيا بازاري” للبهارات والفاكهة المجففة بالسوق، إلى أنّ تاريخ المحل يعود لوالد جده الذي هاجر من مالاطيا (شرق الأناضول) إلى إسطنبول عام 1941.
وأضاف قويونجو للأناضول، أنه يعد من الجيل الرابع في المحل الذي يعرض لرواده المشمش والفاكهة المجففة، فضلا عن الموالح والمكسرات والبهارات والتوابل.
ولفت إلى أن منتجات المحل تضم بالدرجة الأولى المنتجات المصنعة في ولاية مالاطيا، ثم منتجات منطقة الأناضول، إلى جانب قسم بسيط من المواد المستوردة، والتي لا تتجاوز نسبتها 15 بالمائة.