حمل الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة إشارات حول المستقبل المخيف الذي ينتظر الإنسانية؛ إذ إن “الدولة الأقوى والأكثر عزلة” في العالم دخلت عصرا من الجنون يمكن أن يشكل تهديدا مشتركا لنا جميعا.
لقد أعلنت الولايات المتحدة الفترة التي تلت الحرب الباردة مباشرة “القرن الأمريكي الجديد” وسعت لإقامة نظام عالمي أحادي وإدارة العالم بمفردها، ولم يبق من هذه الدولة سوى أمريكا منعزلة تماما وخارجة عن السيطرة لأقصى درجة وعدوانية ويمينية متطرفة.
أمريكا خرجت عن السيطرة.. الصين وروسيا وتركيا تهديد! إنه خسران مبين
إننا أمام خسران مبين، بل إن ما يحدث هو انحطاط وإشارة على الانهيار. لم يعد أحد يثق بواشنطن باستثناء بضع حلفاء “مخلصين”. فالجميع أدرك أنه لا يمكن مواصلة الطريق معها بهذه الشاكلة. ذلك أن من ستستهدفه الولايات المتحدة بالعدوان خلال المرحلة المقبلة ليس بضع دول أو تنظيمات تقليدية، بل جميع من تراهم منافسين لها.
ولو عددتم من تراهم الولايات المتحدة منافسين، من أمريكا اللاتينية إلى آسيا، بما في ذلك تركيا، سترون بوضوح حجم خريطة الكراهية التي سترسم أمامكم. وليس هناك أي خطر أكبر من دولة طامعة في المزيد من القوة، وهو ما ينطبق على الولايات المتحدة حاليا تحت قيادة ترامب.
إن تصريحات الرئيس الأمريكي التي يقول فيها إنه “يرفض العولمة” تعتبر دليلا على الانطوائية والشراسة، بل والانعزالية التي تؤدي زيادتها إلى العدوانية. وحتى لو كان من يتحدث هو ترامب، فهذه إشارات على أن النظام الحاكم في واشنطن وسع نطاق تعريفاته للتهديدات التقليدية التي ضم إليها كذلك دولا مثل الصين وروسيا وتركيا وألمانيا.
وضعية الحرب في مواجهة المنافسين.. الولايات المتحدة أصبحت تهديدا مشتركا
ما هي النتائج المحتملة لهذا الأمر؟ فالولايات المتحدة صارت تهدد المنطقة بأسرها من شرق الفرات شمالي سوريا، فهي تستعد لنزع فتيل حروب جديدة، كما أنها وسعت نطاق الحرب الاقتصادية مع الصين لأقصى درجة ممكنة وانجرفت نحو تصفية حسابات جيوسياسية، بل إنها بدأت أن تعتبر أقرب حلفائها أوروبا تهديدا يحدق بمصالحها. ولقد اتخذت واشنطن وضعية الحرب في مواجهة جميع منافسيها تقريبا.
وإذا نظرنا إلى الأمور من هذا المنظور، سندرك بوضوح أن عاصفة عاتية على وشك أن تهب على العالم في المستقبل القريب، وسنرى كيف أن هذه التطورات ستفتح مساحات جديدة للصراع في العديد من المناطق.
إن الولايات المتحدة صارت رافضة لكل شيء، بل في ذلك حقوق الإنسان والكيانات فوق الاقتصادية، كما أضرت كثيرا بعلاقتها بحلفائها التقليديين، وهو ما جعلها بمثابة “التهديد الأول” بالنسبة لتركيا والعديد من دول العالم المركزية. وسترون كيف ستعلو أصوات الاعتراض أكثر وأكثر من هذه البلدان بمرور الوقت.
القيامة ربما تقوم من أجل الولايات المتحدة.. الإنسانية القديمة ستوقفها
سترون كيف ستبحث الدول التي ذكرتها عن التضامن فيما بينها لمواجهة “التهديد الكبير”، وكيف ستتحول الحرب الاقتصادية – التجارية الدولية وتصفية الحسابات المتعلقة بالموارد والأسواق سريعا إلى صراعات سياسية وعسكري.
لقد صرح مدير وكالة المخابرات الأمريكية (سي آي ايه) مؤخرا بأن واشنطن “لن تكافح التنظيمات الإرهابية، بل ستكافح الدول من الآن فصاعدا”، وكذلك استهدف جون بولتون، أحد المحافظين الجدد، إيران بقوله “سنقلب الدنيا ولن نقعدها”، هذا فضلا عن الحروب الاقتصادية الشرسة التي أعلنتها إدارة ترامب ضد روسيا والصين وألمانيا، كما أصدرت الصين تصريحات قالت فيها “لقد طفح الكيل، سيكون لهذا الأمر نتائج وخيمة”، وصرح وزير الخارجية الألماني بقوله “لن تلتئم العلاقات الأمريكية – الأوروبية بعد ترامب”، كما أطلق الرئيس أردوغان دعوات لإيقاظ الإنسانية خلال كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ كل هذا إنما هو أمارات على الخطر الذي صار وشيكا.
تعيش الولايات المتحدة، الإمبراطورية الرومانية لعصرنا الحالي، أيام مجدها الذي يسبق الانهيار بسبب خروجها عن السيطرة. لكن ثقوا بأنه بغض النظر عن قوتها الاقتصادية والعسكرية، وبغض النظر عن كونها جريئة ومهددة للجميع، فإن الإنسانية القديمة لن تتسامح مع خطر كهذا، بل ولن تتحمله وستجد طريقة لتركيع صاحبه.
وإن تركيا تعتبر دولة رائدة لهذه الصحوة العالمية، كما ستكون واحدة من الدول المركزية التي ستقود هذا التغيير.
شرق الفرات.. يجب منع هذه الخريطة
إذن، ماذا سيحدث في المستقبل؟ فلننظر إلى منطقتنا: ستحدث تصفية حسابات شرسة في شرق الفرات، وستزيد واشنطن من وجودها وستعزز شراكتها مع تنظيم البي كا كا الإرهابي.
إن هذه المنطقة هي أخطر وأقرب تهديد لتركيا. ولهذا يجب الحيلولة دون تنفيذ هذه الخريطة مهما كلف الأمر. وفي هذا الإطار، يجب إقامة شراكة مع جميع الدول. يجب على تركيا التدخل في عدة مناطق دون أن تلقي بالا لأي اعتراض. ذلك أن هذا صار تهديدا للوجود.
اندلاع “حرب الخليج الكبرى” بعد حرب سوريا
لا شك أنهم سيقيمون أكبر جبهة لهم في الخليج العربي عقب انتهاء الحرب السورية. فهذه الحرب الكبرى ستكون صراعات بين السعودية وإيران ولن تستثي أي دولة من دول الخليج، وسيتم الترويج لجميع الهويات مثل الحرب المذهبية والحرب العربية – الإيرانية من أجل هذه الكارثة.
ويجب أن نتوقع أن تتوغل الحرب حتى أعماق السعودية، وأنها يمكن أن تؤدي إلى تغيرات في خرائط جميع بلدان الخليج، وأن إيران ستهاجم الإمارات بشكل صريح. وأعتقد أن هذا السيناريو جاهز للتنفيذ عقب انتهاء الحرب في سوريا.
إنه مخطط مخيف سيدمر الشرق الأوسط. ولو استطعنا إنهاء الحرب في سوريا والمحافظة على وحدتها وتطهير منطقة شرق الفرات من العناصر الأجنبية والحيلولة دون تنفيذ هذه الخريطة، فسيكون لدينا فرصة على الأقل لتأجيل موعد اندلاع حرب الخليج الكبرى.
تحرك كل خطوط الصدع استعدوا لأن العالم يدور في الاتجاه المعاكس
أعتقد أن جميع خطوط الصدع خارج الشرق الأوسط ستتحرك، وأن العالم سيشهد تصفية حسابات خطيرة للغاية بين القوى العالمية من أفريقيا إلى أوروبا الشرقية وآسيا، وأن الحرب التجارية ستتحول إلى حروب ساخنة، وأن بعض الدول الأوروبية ستقطع علاقتها بالولايات المتحدة.
لن يستطيع “المركز” الأطلسي إدارة العالم بمفرده بعد اليوم. فنحن نشهد صعود قوى جديدة خارج هذا المركز، وهو ما يحدث لأول مرة خلال القرون الثلاثة أو حتى الأربعة الأخيرة. إن خريطة القوى العالمية صارت تدور في الاتجاه المعاكس، بل إن العالم ينقلب على عقبيه، وهو ما سيؤدي إلى حدوث تطورات ستهز العالم بأسره.
ولهذا أقول لكم فلنستعد جيدا للمستقبل..
ابراهيم كراجول – يني شفق
عرض التعليقات
تضعون تركيا بمصاف دول عظمى كروسيا والصين وجميع أوربا !!!!
أحلااااااام بل كوابيس