قالت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية، إن اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول، من شأنه أن يؤدي إلى خلاف بين تركيا والمملكة العربية السعودية، وهو موقفٍ قد يؤدِّي إلى الإضرار بالعلاقات بين القوتين الإقليميتين.
وقال مسؤولون أتراكٌ إنهم مقتنعون بأن جمال خاشقجي، وهو ناقدٌ صريحٌ للحكومة السعودية تحت قيادة وليِّ العهد محمد بن سلمان، مُحتَجَزٌ في القنصلية السعودية بإسطنبول، لمدة تجاوزت 24 ساعةً منذ دخوله إليها.
حلقة جديدة في سلسلة الخلاف بين السعودية وتركيا
وترى الصحيفة الأميركية أن اختفاء جمال خاشقجي هو آخر حلقةٍ في سلسلة الصراع بين تركيا والسعودية، اللتين تتنافسان لبسط نفوذهما في المنطقة.
وقد اشتدَّت التوترات بين الدولتين منذ دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قطر إبان الأزمة الخليجية، التي قادتها السعودية في العام المنصرم 2017.
إلى جانب أن تركيا تملك قاعدةً عسكريةً في الدوحة، يمكنها استيعاب ما يصل إلى 5000 جنديٍّ، وقد طالبت السعودية بانسحاب القوات التركية كشرطٍ من شروطها لإنهاء الخلاف مع قطر.
ولكن عوضاً عن ذلك، أرسل أردوغان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مزيداً من القوات، في خطوةٍ اعتُبِرَت محاولةً لمنع السعودية من اتخاذ أية إجراءات عسكريةٍ نتيجة هذا النزاع. ومن جانبها، تعهَّدت قطر، في أغسطس/آب الماضي، باستثمار 15 مليار دولار في الاقتصاد التركي المتداعي.
يُذكَر أن هناك خلافاً آخر بين تركيا والسعودية حول النظرة التعاطفية من أنقرة تجاه جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها السعودية وحلفاؤها منظَّمةً إرهابية.
السعودية تميل للمواجهة في سياستها الخارجية
وترى الصحيفة الأميركية أن السعودية تبنَّت في عهد الأمير محمد بن سلمان سياسةً خارجيةً تميل بدرجةٍ أكبر نحو المواجهة، بهدف ترسيخ زعامة المملكة في الشرق الأوسط. وزادت من جهودها لتقويض نفوذ خصومها الإقليميين، ومن ضمن هذه المجهودات الدخول في حربٍ داخل جارتها اليمن ضد المعارضة المدعومة من إيران، العدو اللدود للمملكة.
ويُنسَبُ الفضل إلى الأمير محمد، الذي يملك سلطاناً واسعاً في شؤون الدولة، في إقرار إصلاحاتٍ هي الأشد ليبراليةً في المملكة منذ عقود، بدءاً من السماح للنساء بقيادة السيارات، وانتهاءً برفع الحظر على دور العرض.
واتَّسم نهج الحكومة السعودية كذلك تحت قيادته بعدم التهاون أبداً مع أية معارضة. فاعتقلت عشراتٍ من الشخصيات السعودية واسعة الصيت، من بينهم بعض أشهر ناشطي حقوق المرأة في الدولة.
لا مجال لانتقاد السعودية
وقد أسفرت هذه الإجراءات الصارمة عن توتُّراتٍ دبلوماسيةٍ، في ظل ضيق صدر المملكة تجاه أية آراءٍ من الدول الخارجية تُشَكِّكُ في سجِّلها الحقوقي.
فعلى سبيل المثال، أعلنت السعودية في أغسطس/آب الماضي، أن السفير الكندي في السعودية شخصٌ غير مرغوبٍ فيه، بعد أن انتقدت كندا سياسات المملكة، بسبب إلقاء القبض على بعض ناشطي حقوق الإنسان. ووقع صدامٌ دبلوماسيٌّ مشابهٌ لهذا في أواخر العام الماضي مع ألمانيا.
وجذبت المواجهة الأخيرة -التي تجري أحداثها داخل القنصلية السعودية الواقعة على شارعٍ خلفيٍّ داخل حيِّ ليفنت التجاري بإسطنبول- الانتباه من جديدٍ إلى مساعي السعودية للتنكيل بالمعارضة.
يُذكَر أنَّ جمال خاشقجي غادر السعودية، العام الماضي، للإقامة في العاصمة الأميركية واشنطن. وزعمت خطيبته، وهي مواطنةٌ تركيةٌ طلبت عدم ذكر اسمها، أنه كان يخشى منذ ذلك الحين أن تحاول السلطات السعودية احتجازه.
وقالت: «لم يشعر بالراحة قط، حتى في الولايات المتحدة».
خاشقجي شعر بالاطمئنان للذهاب إلى السفارة
وأضافت خطيبة خاشقجي في معرض حديثها، أنَّه كان على موعدٍ في القنصلية السعودية، يوم الثلاثاء، لأجل تحصيل مستنداتٍ مرتبطةٍ بإجراءات طلاقه.
وترك الصحافي السعودي هاتفيه الخلويَّين مع خطيبته، قبل أن يدلف إلى القنصلية، فتعذَّر عليها الاتصال به.
وتيقَّنت السلطات التركية من أن خاشقجي لم يغادر مبنى القنصلية بعد التدقيق في تسجيلات كاميرات المراقبة الموجودة على واجهة المبنى وخلفيته، وفقاً لتصريحات مصدرٍ على علمٍ بالمسألة.
وأردف هذا المصدر أن السلطات قد شدَّدت الإجراءات في نقاط التفتيش على حدود تركيا.
وذكرت خطيبة خاشقجي، أن يوم الجمعة الموافق 29 سبتمبر/أيلول، شهد اجتماعاً أول سار دون مشاكل في القنصلية، ولكن بسبب استعجاله وافق على العودة بعد العطلة الأسبوعية.
وأكملت خطيبته حديثها قائلةً: «شعر بالاطمئنان لأن أحد موظَّفي القنصلية قد أخبر جمال بأنه يتابعه على تويتر Twitter، وبأنه معجبٌ بأعماله».