كلما ذكر اسم إسطنبول أو القسطنطينية في أي محفل ومكان، تقفز أسوار المدينة التاريخية إلى الأذهان، وتجعل كل من يزور المدينة، يتصور تلك الشواهد على أحداث التاريخ.
أسوار أحاطت بالمدينة، وحمتها مئات السنوات، ولكن السلطان العثماني محمد الفاتح، حقق حلم وأهداف أجداده والمسلمين بفتح المدينة، وتجاوز تلك الأسوار، في العام 1453م، لتخلد الأسوار التي لا زالت موجودة ليومنا هذا، تاريخا عريقا.
على مسافة 23 كم، تمتد الأسوار، برا وبحرا، 8 كم منها أسوار برية، و6 كم تقع على الجهة المطلة للمدينة على خليج القرن الذهبي، و9 كم تحيط بالمدينة من جهة بحر مرمرة، على شكل مثلث هي خارطة إسطنبول القديمة.
ويمكن للسائح والزائر الوافد إلى إسطنبول، رؤية الأسوار وبقاياها، رغم أن أجزاء منها لم تعد باقية لعدم الحاجة لها، وخاصة على ساحل القرن الذهبي، فيما تحافظ الأسوار البرية على وجودها، ولا تزال باقية بمنظرها.
كما أن الأسوار تتضمن أبوابا ويمر من بينها طرقات فضلا عن خطوط المترو والترام، لتحافظ على وجودها رغم الحداثة والتطور، حيث تجمع التاريخ والحداثة والشرق والغرب في المدينة العريقة.
ويتخلل الأسوار مجموعة من الأبواب والأبراج بلغت نحو 50 بابا في مختلف الاتجاهات، وأكثر من مئة برج مختلف على طول السور، بعضها لا يزال باقيا حتى الآن، فيما بعض الأحياء تحمل أسماء الأبواب هذه.
ولعل قصة فتح القسطنطينية من قبل السلطان محمد الفاتح، هي أكبر دليل على متانة هذه الأسوار، حيث استخدم الجيش العثماني أحد أكبر مدافع التاريخ آنذاك لتجاوز الأسوار، فضلا عن جر السفن برا لتدخل خليج القرن الذهبي.
وتميزت الأسوار البرية بكونها أكثر متانة من تلك الواقعة من جهة الخليج، وكان يحميها سلاسل حديدية كانت تغلق مضيق البوسفور بين البحر الأسود وبحر مرمرة.
وتتألف الأسوار البرية من سور داخلي متين وعميق تحت الأرض، ولها قاعدة متنية، وأمامها سور آخر، أقل عرضا وقاعدة، ومن الخارج خندق عريض وعميق.
السور الخارجي يرتفع 8.5 مترا، بسمك مترين، فيما السور الداخلي يرتفع 14 مترا بسمك 5 أمتار، فيما يبلغ عرض الخنادق 20 مترا، بعمق يتراوح بين 5-8 أمتار، وعلى كل 60 مترا هناك برج، وهي ترتفع عن الأسوار العادية ما بين 2.5-3 أمتار.
أما حكاية الأسوار، فإنها تعود لعصور قديمة بحسب المصادر، انطلقت من قرية تقع في منطقة سراي بورنو، وجرى توسعة الأسوار وصولا للعصر الروماني، حيث أقدم الإمبراطوران قنسطنطين وثودسيوس في القرنين الرابع والخامس الميلادي، على تقويتها، بإضافة الأبراج والأبواب وتوسعة الجدران، حيث بقيت عصورا صامدة قبيل فتحها في العام 1453م.
واستخدم في صناعة الجدران ألواح قرميدية جلب ترابها بشكل خاص من مالطا، وبحرارة معينة جرى تحضيرها، إضافة للصخور والأحجار المختلفة، مع خلطها بسوائل البيض من أجل لصقها ورفعها.
وخلال السنوات التي سبقت عملية الفتح العثماني للمدينة، شهدت القسطنطينية حملات عربية إسلامية لفتح المدينة، وكل مرة كانت تتعرض الأسوار لتخريب فيعاد تقويتها، وبعد الفتح العثماني أيضا جرى ترميم الأسوار، فيما قالت روايات أخرى غنه نظرا لعدم وجود الخطر من قبل الأعداء، لأن كل المحيط هو ملك للدولة العثمانية لم يتم الترميم، ولذا أغلقت بعض الأبواب الموجودة على السور.
وأبرز الأبواب الوجودة حاليا هي باب مولانا، وتوب قابي، وأدرنة قابي، والباب الذهبي، وباب بالاط، وأون قاباني قابي، وغيرها، وتتوزع هذه الأبواب في الاتجاهات الثلاث للمدينة، أي برا، وعلى خليج القرن الذهبي وبحر مرمرة.
ويقصد الزائرون وأهل المدينة الأسوار من أجل التقاط الصور التذكارية، واستحضار التاريخ، فيما تنتشر على طول الأسوار المقاهي والمطاعم والحدائق، مما يساهم في تدفق الناس لزيارة هذا المناطق، والعودة إلى حدود إسطنبول القديمة.
المصدر: الاناضول