طلب البروفسور محمد غورماز، رئيس شؤون الديانة التركية السابق، الثلاثاء، من الملك سلمان بن عبد العزيز، أن “يعيد النظر بأوضاع العلماء (المقيدة حريتهم) في بلاد الحرمين؛ فهم لم يرتكبوا جرما، ولم يقترفوا ذنبا”.
جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال مؤتمر “الإصلاح والمصالحة” على هامش أعمال الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المنعقدة في إسطنبول.
وقال غورماز في كلمته: “نقول لأولياء الأمر في بلاد الحرمين: كل دولة لها حق السيادة على أرضها ومواطنيها، ولا ينكر هذا إلا مكابر، لكن الأمة بحاجة لعلمائها؛ فالعلماء إن كانوا مواطنين في دولهم إلا أن آثارهم وخيرهم متعدي لكل العالم، وهم علماء الأمة وليسوا علماء دولة دون غيرها”.
وأضاف: “نحن -علماء الأمة- نطلب من خادم الحرمين الشريفين أن يعيد النظر في أوضاع العلماء في بلاد الحرمين؛ فهم لم يرتكبوا جرما، ولم يقترفوا ذنبا، ونحن نشهد أنهم يحبون أمتهم وأوطانهم أشد الحب وأنقاه، فهل تجد دعوتنا منزلة ما يأمله أصحاب الفضل والفضيلة؟، أملنا بالله كبير”.
كما وجه غورماز تعازيته لأسرة الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من الشهر الماضي.
وقال: “نعلن -باسم الإسلام والمسلمين- أن حزننا كبير على خاشقجي، ولو اختلط حزننا بماء بحر مرمرة لصار أسود كجاره (البحر الأسود)”.
وطالب غورماز أيضا سلطات المملكة أن “تصرح بمكان جثة خاشقجي، وتأتي به لمكان استشهاده هنا (إسطنبول) ليصلي عليه علماء الأمة، وكبارا وصغارا”.
وأوضح أن خاشقجي “مات ولم يصل عليه أحد، ولا نريد أن نصلي عليه صلاة الغائب؛ فحقه علينا أن نصلي عليه قبل أن نواريه الثرى، وندعو الله أن يُنزل عليه الرحمات، وعلى قاتلية الويلات”.
وفيما يتعلق بموضوع الإصلاح والمصالحة في العالم الإسلامي، أوضح غورماز أن “الله تعالى أنزل الدين إعلانا عالميا للاصلاح والمصالحة، وجاء الإسلام شاملا ليصلح العلاقة بين الإنسان وبين نفسه، وبين الإنسان والآخر، وبين الإنسان والكون”.
وأضاف: “الصلح والإصلاح والمصلحة، والفساد والإفساد والمفسدة، مصطلحات مهمة في المنظومة المعرفية الإسلامية، وهي أكثر ما يميزها؛ فالفقة الإسلامي يقوم في جانب كبير منه على تحقيق الصلح، ومنع الفساد، وجلب المصالح، ودفع المفاسد، لكن كثير من الإفساد تم باسم المصلحة”.
ولفت إلى أن “كل الفساد في هذا الكون هو من فعل الإنسان الظالم المتعدي؛ فنحن محتاجون إلى الإصلاح، وهنا يأتي دور العلماء ورثة الأنبياء، الذين ورثوا رسالة الإصلاح والمصالحة وقيادة المجتمع نحو غد أفضل بعيدا عن البغض والكراهية والأحقاد والدفائن”.
واعتبر ان “درء المفسدة واجب من أهم الواجبات، ويعظم الواجب كلما عظمت المفسدة، والمفسدة التي تحيط بالأمة اليوم عظيمة جدا؛ فالنيران تشتعل في كل نواحي أمتنا، ولن يطفئها إلا العلماء الذين بإييدهم مفتاح الصلح الاجتماعي”.
غورماز وجه رسالتين في هذا الإطار؛ الأولى “لأصحاب السلطة والولاية العامة على المسلمين.. إذ لطالما استخدم البعض شعار المصلحة العامة ليأكل مصلحة الشعب، ويفسد وينتهك حقوق الإنسان، وأي مصلحة في قهر حقوق الإنسان وتضييع حقوقه، وتغيب وعييه، والدوس على كرامتهم، فرسالتنا خذوا مكانتكم الصحيحة في التاريخ، وكونوا على قدر المسؤولة التي أوكلت إليكم، فإن الحاكم الصالح نعمة من نعم الله على عباده”.
وزاد “اجعلوا العلماء بجانبكم ولا تهمشوهم ولا تحاصروهم؛ فهم عونا لكم في الإصلاح وخير من يستشار”.
أما الرسالة الثانية فوجهها غورماز إلى “شيوخنا وعلمائنا ومؤسساتنا الدينية”، قائلا: “لا بد أن نستفيد من التجارب السابقة في أمتنا، وأن نعمل على النقد الذاتي والإصلاح المستمر، لنكون قدوة بمجتمعاتنا”.
وأضاف: “بضعة من هذه المؤسسات باتت تابعة سياسية، وباتت فتاويها مدعاة للشك من قبل العامة والخاصة، وبعض مؤسساتنا توجهت نحو التفرقة لا التوحد، وفرقت بين الناس والدول والمجموعات البشرية، وبعض علمائنا للأسف كذلك، فأصبح وجودهم عبئا للأمة”.
وشدد بالقول مضيفا “رسالتنا إلى علماء الأزهر الشريف والزيتونة ومؤسسات الافتاء في كل العالم، ومراكز الدعوة والإرشاد ومؤسسات البحث والعلوم الشرعية، دعونا نوحد كلمتنا ونجعلها كلمة للاصلاح والمصالحة، رسالة صفح ومسامحة، ونترك النقاش والخلافات، والتركيز على الفرعيات، ونوجه طاقتنا لتعود أمتنا أمة واحدة، رسالتها ونبيها واحد، لنأخذ مكاننا بين الأمم العليا”.
غورماز تحدث أيضا عن “الإصلاح الذي يبدأ في المجتمعات نفسها، وعلى رأسها الإصلاح الأخلاقي”، لافتا إلى أن “مجتمعاتنا تعاني من ردة أخلاقية بفعل أسباب عديدة من بينها نسبية الأخلاق، الذي يعتبر الحق والباطل والخير والشر مواقف نسبية تتغير بتغير المواقف، وهذا من أثر التفسير المادي للعالم”.
وشدد على أن “المصالحة بين العلماء والمؤسسات العلمية من أهم خطوات الإصلاح؛ فكيف ستُصلح المجتمعات وقدوتها متفرقين؟”.
ولفت إلى أن الخلافات بين العلماء والمؤسسات العلمية تشمل “خلافات علمية وكثير منها خلافات شخصية”.
وأضاف: “علينا أن نحاسب أنفسنا ونسال أين كنا وأين أخطأنا؟، وماذا كنا نفعل عندما كانت تتسلل الهويات الدموية والطائفية والجاهلية إلى شبابنا وشيباننا؟؛ فعندما تتصاعد رائحة البارود في العالم الإسلامي يجب أن تكون همومنا مشتركة وأدعيتنا مشتركة، فليس لدى المسلمين استراتيجة أفضل وأغلى من حفظ دماء المسلمين”.
وختم بالقول: “نحن كلعماء ناقشنا قتل النملة خلال أداء مناسك الحج، لكننا أهملنا أن قتل الأبرياء حرام، ألا يكفي كل الدماء المسفوكة والتعذيب والمصائب والذل والهوان، فلنخرج من قاعاتنا ومساجدنا، ولنفعّل علومنا وعقولنا وقلوبنا، ونعلي أصواتنا وصرخاتنا ونطفئ نيران الفتنة”.
.
م.الاناضول