نشرت مجلة “سبكتاتور” البريطانية مقالا للكاتبة روز أساني، تتحدث فيه عن السبب الذي يجعل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستمتع بتعقيد حياة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وتقول أساني، إن “مقتل جمال خاشقجي تم تشريحه وتغطيته بشكل واسع في الصحافة العالمية، لكن ليس مثل ما تم في الصحافة التركية، حيث لقي الصحافي نهايته المروعة، فالتسريبات اليومية عن لحظاته الأخيرة في داخل القنصلية السعودية في اسطنبول تظهر كل يوم”.
وتشير الكاتبة إلى أن “خاشقجي يسمع في تسجيل وهو يقاوم قتلته، ويطلب منهم الإفراج عنه وإلا سيواجهون العدالة، والسؤال هل سيعاقبون؟ وماذا يريد الرئيس أردوغان أن يحقق من جعل حياة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان غير مريحة؟”.
وتلفت أساني إلى أن “خاشقجي وصف أحيانا بالمعارض، مع أنه وصف نفسه بـ(الوطني المعتز بنفسه)، الذي يحن لوطنه بسبب منفاه الاختياري، ومع ذلك كان يخطط لبدء حياة جديدة، والزواج من تركية، وتقسيم وقته بين واشنطن واسطنبول، وكان يعمل على مبادرة للديمقراطية في العالم العربي، ويبدو أن هذه المبادرة هي التي أنهت حياته”.
وترى الكاتبة أنه “سواء كان شخصية معلمة للقتل أم لا، فإن خاشقجي سلط الكثير من الضوء على السعودية، وفي المرحلة التي أعقبت وفاته قفزت تركيا وانتهزت الفرصة لتحيّد منافسا إقليميا في المعركة الجيوسياسية المحتدمة، وانشغلت الصحافة التركية بنقل الرواية الحكومية عن مقتل خاشقجي ودور محمد ابن سلمان فيه”.
وتنوه أساني إلى أن “الرواية السعودية حول العملية تحولت وتغيرت أكثر من مرة: إنكار، ثم وفاة غير مقصودة، وقتل وتقطيع مقصود، إلا أن تركيا كانت متأكدة من أن عملية القتل صدر أمر بتنفيذها من جهات عليا، وسمع أحد المنفذين المزعومين، وهو ماهر عبد العزيز مطرب، يقول لأحدهم عبر الهاتف أن يخبر الرئيس الكبير أن (المهمة أنجزت)، ويعد المطرب، وهو ضابط أمني من المقربين إلى محمد بن سلمان، بالإضافة إلى مستشاره المعزول سعود القحطاني، وقال المحللون إن هذا الاتصال كاف لتوريط ولي العهد”.
وتستدرك الكاتبة بأن “الشريط الأخير، الذي تحدثت عن صحيفة (حرييت)، التي نشرت تقارير عن التسجيلات مثل بقية الصحف، تقول فيه إن الشريط الذي تملكه الحكومة يقدم الدليل القاطع على تورط محمد بن سلمان في الجريمة،فيما هناك تقارير عن امتلاك (سي آي إيه) مكالمات هاتفية يأمر فيها ابن سلمان بـ(إسكات جمال خاشقجي في أقرب وقت)”.
وتعلق أساني قائلة: “لو كان هذا صحيحا فإن دفاع الرئيس ترامب عن ولي العهد سيكون من أكثر المواقف غرابة، فقال في بيانه يوم الثلاثاء إن ولي العهد (ربما كان يعرف وربما لم يعرف) بالجريمة البشعة، لكن رفضه معاقبة ابن سلمان لا يعني أن الكونغرس سيتوقف عن المطالبة بمعاقبة السعودية، فيما تتزايد الأصوات الرافضة لدفاع ترامب عن ولي العهد بين أعضاء الكونغرس”.
وتقول الكاتبة: “سواء حمل محمد بن سلمان المسؤولية أم لا، فإن أردوغان يستمتع بأن لديه اليد العليا على السعودية، وتحت ستار رقيق من البحث المستمر عن قتلة خاشقجي يقوم الإعلام بإثارة الشكوك حول من أطلق عليه مصلحا، ويبدو أن الحكومة تدعم هذا بشكل كامل، وذلك أن الحملة تخدم هدفا أكبر: إصلاح صورة تركيا الدولية، فبعد أسابيع على مقتل خاشقجي أصبحت صور الحرب التي تقودها السعودية في اليمن وضحاياها من ملايين الجوعى المدنيين على شاشات التلفزة حول العالم، ووجد ابن سلمان نفسه خارج اهتمام الإعلام الدولي، الذي طالما أحبه وأحاط به، ويوصف الآن بالشخص (المسمم)، وليس الرجل الذي سيقود السعودية نحو الحداثة والتغيير”.
وتختم أساني مقالها بالقول إنه “من خلال جعل الحياة صعبة لابن سلمان، فإن تركيا تقوم بممارسة لعبة ذكية، فهي تقوم بتسريب المعلومات قطرة قطرة لتظل القصة حية وحاضرة أمام الرأي العام، بشكل يغذي اهتمام الإعلام، ومن خلال القيام بهذا الأمر فإن تركيا تحقق ثلاثة أهداف: دق إسفين بين السعودية والولايات المتحدة، وزعزعة موقع ابن سلمان بصفته وليا للعهد، وثالثا، وهذا هو المهم، السماح للرئيس التركي وحكومته بالتمسك بالأرضية الأخلاقية العالية”.
.
وكالات