كشف مدير أمن إسطنبول مصطفى جاليشكان عن مشاهد جديدة من ليلة الانقلاب الفاشل في 15 تموز 2016 الذي نفذته منظمة فتح الله غولن الإرهابية، وتعاون المواطنين الأتراك مع رجال الأمن في افشال الانقلاب العسكري.
ففيما كان الانقلاب قد بدأ، ولم تكن لدى الشرطة معلومات مسبقة من أي طرف عن احتمالية وقوع هكذا حدث خطير، حصلت الشرطة على هاتف ثمين جدا مكنها من فك شيفرة الانقلاب، والتعرف على قياداتها العليا في لحظات حاسمة.
وقال جاليشكان في كتابه المعنون “15 تموز.. ليلة القيامة والمقارعة الوطنية -15 Temmuz Kıyam(et) gecesi ve Milli vuruş ” إنه كان يحاول التواصل مع قيادات الجيش لفهم ما يجري، رافضا تسليم رجال الشرطة لأسلحتهم، حينما جاء مواطن إلى غفار دمير نائب مدير نادي الضباط في أكسراي الذي كان يتأهب بالقرب من المركز لاتخاذ الاحتياطات اللازمة، وقام بتسليمه هاتفا أسود اللون.
وأشار المواطن التركي إلى أن الهاتف يعود للمقدم الإنقلابي عثمان آكاي الذي اعتقل في المنطقة ذاتها، وقال: “هذا الهاتف له يا سيدي”، وكانت البطارية على وشك النفاذ 5%، حينما توصل الأمن إلى مجموعة واتساب الخاصة بالانقلابين في كل تركيا وليس فقط إسطنبول.
وساعدت المجموعة فك شيفرة الانقلاب سريعا، وكشف هوية الرتب العليا المشاركة في الانقلاب الذي فشل في ليلته الأولى وانتهى إلى اعتقال غالبية المشاركين وتقديمهم للمحاكمة، وملاحقة أعضاء منظمة فتح الله غولن المدبرة له في كل مكان.
وقال مدير أمن إسطنبول في كتابه إنه رأى المحادثات التي جرت في مجموعة الانقلابين والتي تضم خمسين من الانقلابيين.
وعرض جاليشكان في الكتاب الذي يتألف من 222 صفحة تفاصيلَ مقاومته للمنظمة الإنقلابية الارهابية، وجمعه أسماء الموظفين في مكان واحد. كما عزز الكتاب بصور وروابط فيديوهاتٍ توثقُ تلك اللحظات الحاسمة.
اتصال من معتوه
وعن بداية الليلة الرهيبة، قال جاليشكان: كانت قد وصلتنا من الاستخبارات الوطنية ومسؤولين أمريكيين قائمة بأسماء 100 شخص تابعين لمنظمة داعش الإرهابية، فعقدت اجتماعا في مكتبي بمديرية الأمن في الساعة السابعة مساء 15 تموز مع مساعدي للتداول في هذا الأمر، والتخطيط لعملية أمنية مناسبة”.
وتابع جاليشكان “وأثناء الاجتماع، جاء مساعدي ايركان كارالي ليخبرني أن شخصًا أتصل به وعرَّف عن نفسه بأنه ضابط وقال: لقد قمنا بانقلاب ويجب عليكم أن تستسلموا فنحن لا نريد أراقة الدماء”.
وأكمل جاليشكان في كتابه قائلا: “لم نأخذ الامر على محمل الجد، شخص يتصل ليقول لقد قمنا بانقلاب فاستسلموا.. لم يكن نلاحظ ما يدل على حدوث انقلاب في تلك الأثناء، ولم تصلنا أية معلومات استخباراتية … وهنا نتسائل ألم تصل أية معلومات استخباراتية قبلُ أو في ليلة الإنقلاب الى مديرية الأمن في إسطنبول …؟”.
وتابع قائلا: “مع الأسف… لم نتلقى حتى تلك اللحظة أية معلومات استخباراتية من استخبارات مديرية الأمن أو جهاز الإستخبارات الوطنية ولا من الإستخبارات العسكرية ورجحنا أن هذا المتصل شخص “مختل عقليًا”.
ولم يدم الأمر طويلا، وفق كتاب جاليشكان، حتى تواردت إليه أنباء عن سيارتين عسكريتين توقفتا أمام قصر بيلاربيي ” Beylerbeyi” في الساعة 21.35 وترجل منها عناصر يعتقد أنهم انقلابيون فأغلقوا الطريق أمام حركة المرور وقاموا بإطلاق النار في الهواء لمصادرة أسلحة عناصر الشرطة – التي كانت بدورها تحاول معرفة ما يجري – وقالوا لهم :” لقد حصل انقلاب والقوات المسلحة التركية وضعت يدها على السلطة، “وقد هذه كانت الحادثة الجدية الأولى التي سمعتها “.
الشرطة لن تسلم السلاح
وما أن وصلت النبأ لمدير أمن إسطنبول حتى ثارت ثائرته، قائلا: من المستحيل أن تسلم الشرطة سلاحها، وستستخدمه إذا اقتضى الأمر”.
وأصدر جاليشكان أوامره الأولى وخرج مسرعا من غرفته ليتصل بقائد الجيش الأول أوميت دوندار في الساعة 21.40، ويقول عن ذلك: “أخبرته أن هناك نشاطاً غير اعتيادي لقوات الجيش في منطقة جانغال كوي ” Çengelköy” وقصر بيلار بيي ” Beylerbeyi” وحركاتٌ أخرى مماثلة على الجسر فوق مضيق البسفور حيث قام الجنود بمصادرة سلاح الشرطة بالقوة”.
ويلفت جاليشكان في كتابه أنه كان يحتفظ بعلاقة ودية مع أوميت حيث عملا معا في إسطنبول مدة عامين، ووجه له سؤاله مباشرة: ” هل لديكم أية معلومة حول هذا الموضوع يا سيدي ؟ فقال لي ” أنا في المنزل سأسأل وأخبرك “.
لكن مدير الأمن لم ينتظر رد قائد الجيش، وقال جاليشكان: “في تلك اللحظة قررت الذهاب الى الجسر ، ووصلت حوالي الساعة 22.00 تقريباً ، واتصلت بأوميت باشا مرة أخرى فقال لي : ” لم أستطع التواصل مع أحد لا أحد يرد على مكالماتي ” فقلت له : ” سيدي إننا الآن سنتواجه مع الجنود وربما يقتل بعضنا البعض فإذا كنت تعلم شيئاً أخبرني ، وكانت هذه المكالمة بمثابة لحظات تاريخية لنا ، فلم يعد بالإمكان إخفاء شيء فقال :” ليس لدي أدنى معلومة صدقني … وأنا كذلك أبحث أيضاً عن معلومات ” كررت مجدداً وقلت له :” إذا كانت لديكم أية معلومات زودونا بها أرجوكم … وإلا فسأصدر أوامري للشرطة بأطلاق النار ولن أسمح بتسليم سلاح أي شرطي وسنكون مجبرين على اطلاق النار في وجه جنود الجيش التركي أرجوك اذا كانت لديك أية معلومات أن تخبرني بها ، فأعاد كلامه الأول بأنه لا يمتلك أية معلومات وتكررت هذه المحادثة بيننا مراتٍ عدة وقلت له : ” إذاً أنا ذاهبٌ الى الجسر فلتأت أنت أيضاً لنتشاور” فتشاورت هناك مع أوميت باشا وتأكدت أنه لا يمتلك أية معلومات”.
ماذا طلب الانقلابيون؟
وبينما وصل جاليشكان للجسر رن هاتفه ليقول له المتصل: “أنا ممثل قيادة الأركان استسلموا لكي لا تراق الدماء” فرد عليه جاليشكان قائلا : “يجب أن تخبرني باسمك أولاً ” فرد عليه بلهجة متغطرسة: ” قلت لك أنا ممثل قيادة الأركان ” فكرر جاليشكان السؤال ” قل لي اسمك يا أخي رجاءً ” فأجاب: ” استسلموا “.
وقال جاليشكان في كتابه: حينها أنهيت المكالمة بعد أن قلت له يا عديم الشرف لا يمكن لرجل لا يصرح باسمه أن يكون ممثلاً عن قيادة الأركان”.
وتطرق مدير أمن إسطنبول في كتابه إلى اتصاله أولاً بـابن علي يلدريم رئيس الحكومة آنذاك حيث طلب منه معلومات عن التطورات. كما عرض جاليشكان في كتابه فصلاً عن المكالمات اللاسلكية التي أجراها في تلك الليلة.
ترجمة: تركيا الان