“وول ستريت جورنال” تكشف العلاقات الخفية بين محمد بن سلمان ونتنياهو، وسبب إنزعاج الأخير من إقالة العسيري والقحطاني

كشفت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية، الثلاثاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2018، عن زيارة سرية قام بها اللواء أحمد عسيري، نائب رئيس المخابرات السعودية، إلى إسرائيل، نيابة عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ودور فعال أيضاً قام به المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني من أجل التقارب بين السعودية وإسرائيل، لكن الأمر تعرّض لضربة قوية عقب مقتل الصحافي جمال خاشقجي.

واعتبرت الصحيفة الأميركية أن إقالة القحطاني وعسيري بسبب ضلوعهما في قتل الصحافي السعودي في مقر قنصلية بلاده في تركيا قد وجَّه ضربة للمبادرة السرية التي  تدعمها الولايات المتحدة لإقامة علاقات أوثق بين الرياض وتل أبيب.

ووفقاً لأشخاص مطلعين، أدى المساعدان، المستشار السابق للديوان الملكي سعود القحطاني ونائب رئيس المخابرات السابق أحمد عسيري، أدواراً هامة في التواصل السري مع إسرائيل، مع أنَّ السعودية لا تعترف رسمياً بإسرائيل، بحسب الصحيفة الأميركية.

وأصدر القحطاني، بصفته مستشاراً إعلامياً، توجيهات للصحافة السعودية للمساعدة في تجميل صورة إسرائيل في المملكة، حيث كانت تُصَّور منذ فترة طويلة على أنَّها العدو الصهيوني. وشارك أيضاً في شراء المملكة تكنولوجيا مراقبة متطورة من شركات إسرائيلية، كما يقول مسؤولون سعوديون. وقد توافقت تلك التوجيهات مع دوره في مراقبة المنتقدين وخنق المعارضة السعودية، بما في ذلك اختراق الاتصالات الإلكترونية.

ووفقاً لما ذكره عدد من الأشخاص المطلعين، سافر اللواء عسيري، وهو يعمل تحت إمرة القحطاني، سراً إلى إسرائيل في مناسبات عدة، مما جعله أكبر مسؤول سعودي معروف وطئت قدماه إسرائيل، وقد ركَّزت رحلاته على كيفية استفادة المملكة من تكنولوجيا المراقبة الحديثة في إسرائيل، كما قال بعض الأشخاص.

لكن دورهما في قتل خاشقجي، والضجة الدولية التي أعقبت الاغتيال، وفي إثرها أقيل الرجلان، قد تسبَّبت في تعطيل التواصل السري بين السعودية وإسرائيل، لكنه في حال خرج ذلك للعلن سيكون بمثابة ضربة كبيرة لسمعة الرياض التي تعتبر إسرائيل عدواً ولا تقيم علاقات دبلوماسية معها.

وقال مسؤول حكومي سعودي بارز: «هدأت الأمور بالتأكيد بعد مقتل خاشقجي مباشرة، وآخر شيء تريده المملكة هو أن يخرج هذا التواصل إلى العلن الآن، ويؤدي إلى رد فعل حاد آخر».

دور الملك سلمان لتحسين صورة المملكة

كان الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي اضطلع بدور أكثر فاعلية في الحكومة في أعقاب أزمة خاشقجي، أكثر إضراراً بالعلاقات الدافئة مع إسرائيل، من ابنه البالغ من العمر 33 عاماً، إذ وصف مؤخراً حل المشكلة الفلسطينية مع إسرائيل بأنها «أولوية المملكة القصوى» في المنطقة.

وتشكك الانتكاسة التي لحقت بالروابط المتنامية بين السعودية وإسرائيل كذلك في إمكانية نجاح عملية إعادة التنظيم الأوسع، في المنطقة التي تعتبرها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهمةً جداً لاستراتيجيتها في الشرق الأوسط، التي تهدف إلى احتواء إيران وحلِّ الصراع المستمر منذ عقود بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ومع ذلك، من المرجح أن تصمد العلاقات السعودية الإسرائيلية في وجه تلك النكسات، بسبب المصالح التجارية والأمنية المشتركة.

فالشركات الإسرائيلية تعتبر السعودية سوقاً مربحة لمنتجاتها المتعلقة بالأمن السيبراني، وتدرس الاستثمار في مشروع ولي العهد الفريد الذي يحمل اسم «نيوم» وتزويده بالتكنولوجيا، بحسب الصحيفة الأميركية.

وفي الوقت نفسه، تدرس الحكومة السعودية استثمار ما لا يقل عن 100 مليون دولار في شركات تكنولوجية إسرائيلية متنوعة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الصفقة. ومنذ مقتل خاشقجي تباطأت المفاوضات حول تلك الصفقة، لكنَّ الاتصالات مستمرة، كما قال بعض هؤلاء الأشخاص.

تقارب محفوف بالمخاطر

لقد تقاربت السعودية وإسرائيل على الرغم من المخاطر السياسية الكبيرة التي ستنجم في المملكة عن رؤيتها تتقرَّب إلى دولة مكروهةٍ بشدة في العالم العربي، بسببب احتلالها الأراضي الفلسطينية، وحرمان الفلسطينيين من إقامة دولة لهم.

وحرص القادة السعوديون على إبقاء علاقاتهم مع إسرائيل سرية، قلقين من التبعات السياسية لعلاقة أكثر علانية مع إسرائيل.

ومن جانب إسرائيل، فقد التقى مدير الموساد يوسي كوهين مع مسؤولين سعوديين عدة مرات، في العام الماضي 2017، كما يقول الأشخاص المطلعون، بما في ذلك اجتماع في يونيو/حزيران الماضي، مع مسؤولين سعوديين بارزين، توسطت فيه الولايات المتحدة، وضمَّ أيضاً ضباط مخابرات مصريين وأردنيين وفلسطينيين، بحسب الصحيفة الأميركية.

وتتبادل إسرائيل والسعودية والإمارات معلوماتٍ حول التهديدات المشتركة بانتظام، ومعظمها عن النقل عبر البحر الأحمر، وأمور أخرى متعلقة بإيران، وفقاً لأشخاص مطلعين.

وبدأ التقارب السعودي الإسرائيلي قرب انتهاء مدة إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ومما سهَّل تقاربهما الكراهية التي تجمعهما تجاه الاتفاق النووي الإيراني، الذي اعتقدت كلتا الحكومتين أنَّه سيعمل على تمكين منافستهما اللدودة إيران.

نجاح ترامب فرصة لهما

وبحسب الصحيفة الأميركية، عندما فاز دونالد ترامب بالرئاسة في عام 2016، استفادت إسرائيل والسعودية من البيت الأبيض، بعدما أصبح أكثر وداً تجاههما لتعزيز الأهداف الإقليمية المشتركة، التي يأتي في مقدمتها كبح نفوذ إيران ووكلائها. وفي العام التالي، بعد أن أصبح الأمير محمد بن سلمان وريثاً للعرش السعودي ازدادت قوة التقارب مع إسرائيل.

وقد أفادت العلاقة الأوثق كلا الجانبين، فبعد رد الفعل العالمي العنيف على مقتل خاشقجي، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واحداً من قلة من زعماء العالم الذين دعموا الأمير محمد بن سلمان علانية، بالرغم من استنتاج وكالة الاستخبارات المركزية بأنه هو من أمر بقتل خاشقجي على الأرجح. وقال عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الذين اطَّلعوا على استنتاجات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إنهم يعتقدون أنه أمر بالقتل، بحسب الصحيفة الأميركية.

وقد حذّر نتنياهو من أنَّ زعزعة استقرار السعودية ستُعرِّض المنطقة والعالم بأسره للخطر، وتنفي الحكومة السعودية أن يكون الأمير محمد بن سلمان قد اضطلع بأي دور في الجريمة.

إعفاءات لرجال الأعمال الإسرائيليين

وقد بدأت السعودية سراً في إصدار إعفاء خاص لرجال الأعمال الإسرائيليين، يسمح لهم بالسفر إلى المملكة بوثائق خاصة، حسبما قال أشخاص مطلعون. وتسمح الوثائق التي قدَّمتها الحكومة السعودية، والتي تهدف إلى تسهيل الأعمال التجارية بين البلدين، للإسرائيليين بدخول المملكة، دون إظهار جوازات السفر الإسرائيلية.

ومن بين تلك الأعمال التكنولوجيا التي يستخدمها السعوديون لمراقبة منتقديهم.

وقال مسؤولون سعوديون إن القحطاني، المستشار الإعلامي، سعى إلى الحصول على برمجيات صادرة عن شركة NSO Group الإسرائيلية، المتخصصة في مجال برامج التجسس، وشركة Q Cyber Technology التابعة لها، اللتين بدأتا بتقديم أدوات مراقبة سيبرانية للمملكة في العام الماضي، في صفقة قيمتها 55 مليون دولار.

وقال مسؤول سعودي: «كان القحطاني الفاعل الرئيسي في كل هذا، كان يريد الأفضل، وكان يعلم أن الشركات الإسرائيلية تقدم الأفضل».

وقالت شركة NSO إنها تُرخِّص تكنولوجيتها لحكوماتٍ وأجهزة استخبارات ووكالات إنفاذ القانون، لمساعدتها في مكافحة الإرهاب والجريمة. وذكرت أنَّ القحطاني لم يشترِ أي برامج.

لم تكن اتصالات الأعمال التجارية مجرد صفقات، بل بعثت برسالةٍ مفادها أنَّ السعودية مستعدة لتقوية العلاقة الثنائية مع إسرائيل، وإن كان ذلك بحذر.

منذ تقديم السعودية مبادرة السلام العربية في عام 2002، كان موقفها الرسمي هو عدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل ما لم تُقم دولة فلسطينية على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وما زالت محنة الفلسطينيين تشكل عقبة رئيسية تحول دون التقدم في العلاقات، لا سيما علناً.

وقال روبرت ويكسلر، العضو الديمقراطي السابق في الكونغرس، ورئيس مركز سيم دانيال أبراهام للسلام في الشرق الأوسط: «اختلف مستوى التعاون الأمني والعسكري والاستخباراتي المباشر بين إسرائيل ودول الخليج، مع وجود أميركا شريكاً، بسنواتٍ ضوئية عمَّا كان عليه» قبل بضع سنوات «لكنَّ غياب حل للقضية الفلسطينية الإسرائيلية سيظل عائقاً».

 

 

 

 

.

وكالات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.