نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمراسلتها كارلوتا غال من مدينة إسطنبول، تتحدث فيه عن الكتاب الذي يفصل عملية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية العام الماضي.
ويشير التقرير إلى أن الكتاب الذي أعده مراسلون صحافيون أتراك، اعتمدوا فيه على تسجيلات لعملية القتل، ويقدم تفاصيل عن مواجهة بدأت بطلب عودة الصحافي وانتهت بقتله وتقطيع جثته.
وتنقل غال عن أحد أعضاء فريق القتل، قوله: “سنقول له: نريد أخذك إلى الرياض.. إن رفض فسنقتلته ونتخلص من جثته”، مشيرة إلى أن مسؤولين أتراكا ذكروا التسجيلات التي سجلت دخول الصحافي إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، وقاموا بتسريب المعلومات الأمنية، في محاولة لدفع السعودية للاعتراف بالجريمة.
وتستدرك الصحيفة بأن الكتاب يقدم أشمل وصف حتى الآن لما تحتويه التسجيلات، ويقدم صورة عن الطريقة التي خطط فيها الفريق عملية القتل، واستعادة ما حدث بعد ذلك، لافتة إلى أن الصحافيين الثلاثة عبد الرحمن سيمسك ونظيف كرمات وفرحات أونلو، الذين يعملون لوحدة التحقيقات في الصحيفة الموالية للحكومة “صباح”، وتعرف علاقتهم مع المخابرات التركية، وقالوا إنهم لم يطلعوا على محتويات ما ورد في التسجيلات من محتويات.
وأكد مسؤول أمني تركي تحدث للصحيفة، بشرط عدم ذكر اسمه، وبطريقة منفصلة، أن الوصف الذي قدمه الصحافيون دقيق في كتابهم “جريمة دبلوماسية: الأسرار المظلمة لجريمة مقتل جمال خاشقجي”، الصادر باللغة التركية، في كانون الأول/ ديسمبر 2018.
ويلفت التقرير إلى أن المسؤولين السعوديين قدموا عددا متغيرا من الروايات بشأن ما حدث له عندما دخل القنصلية للحصول على وثائق تتعلق بزواجه من امرأة تركية، وقالوا في البداية إنه غادر القنصلية بعد فترة قصيرة، ثم قالوا إنه قتل بعد عراك له مع الفريق الأمني، واعترف المسؤولون لاحقا بأنه قتل وقطعت جثته التي لم يعثر عليها، مشيرا إلى أن الحكومة السعودية قالت إنها اعتقلت 18 شخصا قدمت منهم 11 يشتبه في تورطهم في الجريمة هذا الشهر في العاصمة الرياض.
وتنوه الكاتبة إلى أن الكتاب لا يشرح الكيفية التي حصلت فيها الحكومة التركية على التسجيلات، مشيرة إلى أن المؤسسات الأمنية قامت بتسجيل الأشرطة من عدة مواقع داخل القنصلية، وأطلعت الحكومة التركية المسؤولين الأمريكيين البارزين والدول الأجنبية الأخرى في وقت لاحق على مقتطفات منها، بمن فيهم مديرة الوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية “سي آي إيه” جينا هاسبل.
وتذكر الصحيفة أن الصحافيين تعرفوا على واحد من المسؤولين في التسجيلات، وهو المسؤول الأمني الذي رافق ولي العهد محمد بن سلمان في رحلاته الخارجية ماهر عبد العزيز المطرب، وسمع المطرب وهو يصدر الأوامر ويوجه الحوارات مع خاشقجي، بحسب ما ورد في الكتاب.
وينقل التقرير عن الصحافيين، قولهم إن المسؤولين الأتراك استطاعوا تحديد هوية المطرب وبقية أعضاء الفريق من خلال تحليل الأصوات.
وتورد غال نقلا عن مؤلفي الكتاب، قولهم إن المطرب هو الذي رسم الخطة للطبيب الشرعي للحكومة السعودية صلاح الطبيقي، قائلا له إنهم سيحاولون نقل خاشقجي إلى السعودية، ولو رفض “فسنقتله ونتخلص من جثته”، حيث ظهر صوته في التسجيلات وهو يصدر الأوامر للطبيقي، وقال: “جمال رجل طويل، طوله 180 سنتمترا”، وقال الطبيقي: “من السهل تقطيع مفاصل الأضحية، لكن تقطيعه يحتاج إلى وقت”، وأضاف: “دائما ما عملت على الجثث.. أعرف كيفية تقطيعها جيدا، لكنني لم أعمل أبدا على جثة لا تزال دافئة، لكنني أستطيع التعامل معها بسهولة، وعادة عندما أعمل على الجثة أضع الميكروفون على أذني وأستمع للموسيقى، أشرب قهوتي وأدخن سيجارتي.. بعد تقطيعها نلفها بحقائب بلاستيكية ونضعها في حقيبة ونأخذها”.
وتكشف الصحيفة عن أن جمال أخذ إلى مكتب القنصل بعد دقائق من دخوله القنصلية، وسمع وهو يقول: “اترك يدي، ماذا تظن أنك تفعل”، وبعد دخوله الغرفة، يقول الصحافيون: “أخبره المطرب قائلا: تعال واجلس هنا، جئنا لأخذك إلى الرياض، وكان جواب خاشقجي قاطعا: لن أعود إلى الرياض”.
ويفيد التقرير بأن فريق الاغتيال السعودي أراد من خاشقجي إرسال رسالة بسيطة لابنه صلاح، يقول فيها: “ولدي، أنا في إسطنبول، لا تقلق لو لم تسمع مني لفترة”، إلا أن خاشقجي رفض، وعندها أمر المطرب رجاله بتحضير أدواتهم والاستعداد لتقطيع الجثة، مشيرا إلى أنه يظهر في التسجيلات صوت المعدات وهي تعد وتوضع على الطاولة، فيما سمع خاشقجي وهو يقول: “هل تريدون قتلي؟ هل تريدون خنقي؟”، ورد المطرب سيتم “العفو” عنه لو تعاون معهم، وبعدها أمر المطرب خمسة من الفريق للهجوم على خاشقجي.
وتورد الكاتبة نقلا عن الصحافيين، قولهم إن واحدا من العملاء، الذي يعتقدون أنه ثائر غالب الحربي، حاول تغطية فم خاشقجي، لكن التسجيلات تشير إلى أن خاشقجي منعه، لافتة إلى أن الحربي من الحرس الملكي، وتم ترفيعه العام الماضي إلى رتبة ملازم لشجاعته في الدفاع عن قصر الأمير محمد في جدة العام الماضي.
وبحسب الصحيفة، فإن الكتاب يكشف عن مشاركة موظف آخر في الحرس الملكي، وهو محمد سعد الزهراني، مشيرة إلى أن القتلة استطاعوا في النهاية تغطية فم الصحافي، وشهق نفسه الأخير بعد خمس دقائق، وكانت آخر كلماته: “لا تغطوا فمي، عندي أزمة، ستخنقوني”.
ويشير التقرير إلى أن خاشقجي مات في الساعة 1.24 ظهرا، كما ورد في الكتاب، أي بعد 10 دقائق من دخوله البناية، ويقول الصحافيون: “كانت الثواني الأخيرة في القنصلية هي حشرجة الضحية، الذي كان سيودع هذا العالم”.
وتبين غال أن مصطفى المدني، الذي أرسل ليمثل دور شبيه الصحافي، قام بعد مقتل خاشقجي مع سيف سعد القحطاني بتجريده من ملابسه، ويقول الكتاب إن الزهراني والحربي ساعدا الطبيقي في عملية تقطيع الجثة، حيث كان الطبيب يصدر الأوامر صارخا على من حوله: “ماذا تنتظرون؟”.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالقول إن الأمور بدأت تتضح وشعر مسؤول في القنصلية بالدوار، كما ورد في الكتاب، “بحسب تسجيل”، ويقول الصحافيون: “تم تسجيل صوت تقطيع الجثة، الذي يشبه صوت منشار كهربائي، وكان يعمل بصورة منتظمة”.
.
وكالات