قادت فرنسا وبريطانيا حملة الناتو العسكرية، التي أدت إلى سقوط نظام القذافي خلال الانتفاضة، لكن بعد 8 سنوات على رحيل الزعيم الليبي بدا الأمر أكثر تعقيداً عن ذي قبل، فقد عادت القوى الأجنبية مرة أخرى إلى ليبيا، التي أصبحت الآن دولة ممزقة.
صحيفة The Independent البريطانية تشير في تقرير لها إلى أن الإيطاليين والفرنسيين والأمريكيين والروس والمصريين والإماراتيين جميعهم يدعمون حالياً الكتل المتنافسة على السلطة، ولا تسيطر الحكومة المؤقتة المدعومة من الأمم المتحدة إلا على العاصمة طرابلس، في حين تخضع الأجزاء الأخرى لسيطرة القوى المنافسة.
ويضطلع الإيطاليون والفرنسيون بدور الوسطاء الرئيسيين الممثلين للقوة الأوروبية، ربما قاد ديفيد كاميرون حملة «القذافي يجب أن يرحل»، لكن بريطانيا التي انسحبت من الاتحاد الأوروبي، والمشغولة الآن بالاضطرابات السياسية الداخلية، ليس لديها سوى القليل من التأثير أو النفوذ في ليبيا، باستثناء بعض القوات الخاصة.
تَظهر عائلة القذافي ببطء في هذا الوسط المتغير، وإن كانت لا تزال في الخلفية. قبل سبع سنوات و10 أشهر، ظهرت جثتا معمر القذافي وابنه المعتصم مطروحتين على أرضية أحد مستودعات اللحوم في مدينة مصراتة للجمهور، وانتظر حشد من الجمهور وبعض العائلات مع أطفالهم لساعات طويلة للنظر إلى الجثتين. من ناحية أخرى، أعلن المتمردون والرعاة الدوليون لهم أن سلالة القذافي التي حكمت البلاد لأكثر من أربعة عقود قد ولَّت إلى الأبد.
أُعدِمَ العقيد القذافي بغير محاكمة بعد إلقاء القبض عليه وتعذيبه أثناء محاولته الهروب من بلدة سرت، مسقط رأسه، آخر مكان اختبأ فيه، مع تحول مدّ الحرب الأهلية ضده. في حين قُتل المعتصم بالرصاص بعد القبض عليه مع والده. وقتل ابن آخر للقذافي، وهو خميس، الذي قاد لواء يحمل اسمه في الصراع، في غارة جوية شنَّها الناتو في نهاية أغسطس/آب 2011، بينما قُتل ابن آخر هو سيف العرب، بعد عودته إلى ليبيا من ألمانيا في أبريل/نيسان 2011.
أُلقِيَ القبض على سيف الإسلام القذافي، وريث القائد، أثناء محاولته الفرار من ليبيا. وقد حكمت عليه محكمة في طرابلس بالإعدام، وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية أنها ستُحاكمه في لاهاي. لكن الميليشيا الموجودة في مدينة الزنتان، التي أبقت عليه رهن الاحتجاز -بعد قطع إصبعيه اللذين كان يشير بهما إلى النصر على التلفزيون- رفضت تسليمه.
سيف الإسلام القذافي داخل قفص الاتهام/ رويترز
ومع تحول ليبيا بعد التحرير إلى إقطاعيات متضاربة، وجدتُ في زيارات متتالية لليبيا أن الكثيرين يقارنون حالة انعدام الأمن مع سنوات القذافي، متسائلين عما إذا كان الحكم الاستبدادي ثمناً يُستحق دفعه من أجل الاستقرار. ربما كان هذا هو الحنين إلى الوراء: فقد احتفل العديد من الأشخاص أنفسهم بسقوط القذافي الذين أطلقوا عليه اسم مستبد وحشي، لكن قد يأتي الوقت في المستقبل غير البعيد حينما يستطيع الليبيون إظهار ما إذا كانوا يريدون حقاً مستقبلاً يرتبط بالماضي.
كان سيف الإسلام قد أُطلق سراحه بهدوء منذ 18 شهراً، وأعلن أنصاره أنه ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية في العام الماضي. تأجلت الانتخابات، ولكن من المقرر عقدها في الأشهر القليلة المقبلة على الأرجح، على الرغم من عدم تحديد أي موعد لها حتى الآن. لا يوجد عوائق دستورية لمنع سيف الإسلام من الترشح، فقد أُلغي القانون الذي صدر عام 2013، والذي يحظر على المسؤولين في إدارة العقيد القذافي الترشح للمناصب العامة بعد ذلك بعامين.
مع ذلك، هناك ابن آخر من أبناء الزعيم الليبي الراحل، مصيره مطروح في الأخبار، إذ يُحتجز هانيبال القذافي في سجن لبناني لمدة أربع سنوات بعد اختطافه في سوريا، حيث انتهى به الأمر من ليبيا. ويقول أصدقاؤه إن حالته الصحية سيئة، وهناك رعاية طبية غير كافية لحالته المتدهورة.
وقد اختُطِفَ هانيبال من قبل ميليشيا شيعية لبنانية أفرجت عنه بعد يوم. بعد ذلك ألقت قوات الأمن اللبنانية القبض عليه على الفور، بتهم إخفاء الإمام الشيعي موسى الصدر واثنين من رفاقه، الشيخ محمد يعقوب، وعباس بدر الدين، في ليبيا عام 1978. هناك أسباب للشك في التواطؤ فيما حدث: الميليشيا التي نفذت عملية الخطف لها صلات بالإمام ومرافقيه المفقودين. والإمام موسى هو أحد مؤسسي حركة أمل القوية في لبنان، مع زعيمها نبيه بري، رئيس البرلمان اللبناني.
هناك زعمٌ بأن الإمام موسى ذهب إلى طرابلس بدعوة من العقيد القذافي، وظهرت العديد من النظريات منذ ذلك الوقت، حول ما حدث له ولرفاقه: أنهم قتلوا بناءً على أوامر من الزعيم الليبي بعد نزاع مذهبي، أو بناءً على طلب من زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، أو سجنوا في سجن ليبي، أو غادروا إلى إيطاليا وفقاً للسلطات الليبية. ومع ذلك لم يظهر أي دليل لإثبات أي من هذه الادعاءات.
تعارض عائلة الإمام إطلاق سراح هانيبال. وقالت في بيان صدر مؤخراً: «القول بأن هانيبال القذافي كان مجرد طفل في عام 1978 هو مجرد ستار دخاني: فلا أحد يتهمه بدورٍ في الخطف في ذلك الوقت، لكن الجريمة استمرت وأصبح هانيبال القذافي مسؤولاً أمنياً في نظام والده».
هانيبال نجل الزعيم الليبي معمر القذافي والمحتجز بأحد سجون لبنان/ social media
«حقيقة أنه لاجئ سياسي في بلد عربي لا يمنح أي حصانة أو أي تأثير قضائي». يعتقد بعض أتباع الإمام أنه لا يزال على قيد الحياة الآن في سجن ليبي، لكن هذا يبدو مستبعداً للغاية، خاصة مع وقوع مراكز الاحتجاز الليبية في أيدي المتمردين المناهضين للقذافي.
ويريد محامو هانيبال التأكيد على أن الحكومة اللبنانية لم تقدم أي دليل يوضح إدانته في قضية موسى الصدر. قد تظهر معلومات جديدة بالطبع، ولكن لا يبدو أن هناك أي علامة على حدوث ذلك. الصحفيون الذين عثروا على كميات هائلة من الوثائق السرية في المباني الحكومية في طرابلس، في أعقاب سقوط نظام القذافي -بما في ذلك تورط الحكومة البريطانية في عملية الترحيل السري- لم يصادفوا أي شيء يتعلق بالإمام الصدر.
حُكِمَ على هانيبال بالسجن لمدة 18 شهراً بتهمة «إهانة» القضاء اللبناني في قضية موسى. وفي يوليو/تموز الماضي، مَنع قاضٍ لبناني هانيبال من مغادرة البلاد لمدة عام، بعد شكوى قدَّمها مواطن لبناني بأن ميليشيا مرتبطة بالقذافي اختطفته في ليبيا. ولا يزال النطاق القانوني للأمر غير واضح.
تقول عائلة وأصدقاء هانيبال إنهم قلقون للغاية بشأنه. وقالت ريم الديبري، التي عرفت هانيبال منذ طفولتها وزارته مؤخراً في السجن: «إنه يعاني من مشاكل في الظهر والركبة، ولا يستطيع المشي جيداً. وهناك أيضاً آثار لاحقة لكسر الأنف وجروح الرأس عندما تعرض للضرب بعد اختطافه. وقد قضى سنوات في السجن من دون التعرض لأشعة الشمس، وهذا أيضاً تسبب في مشكلة جلدية له. ما يريده هانيبال القذافي هو أن يقوم طبيب من وكالة إنسانية بزيارته في المستشفى».
وأضافت: «كل هذا يحدث لأنه تعرَّض للاختطاف والتعذيب من قبل مجموعة مسلحة، ثم وضعته الدولة في السجن. إنه يريد أن يشير إلى أنه متهم بشيء (إخفاء الإمام الصدر) حدث عندما كان في الثانية من عمره، كيف يمكن أن يكون مسؤولاً؟ كان في القوات البحرية في ليبيا، وليس في أجهزتها الأمنية. نود حقاً أن تقوم المنظمات الدولية بالتحقيق فيما يجري».
واحدة من أحدث الرسائل من حساب هانيبال القذافي على تويتر شابتها مسحة من اليأس: «هانيبال القذافي أكمل أربع سنوات في الاعتقال. إن اعتقال ابن الزعيم الليبي لم يأت بأي معلومات جديدة عن مصير موسى الصدر ورفيقيه، ويبدو أنه لا يوجد أمل في الأفق».
ولكن قد يكون هناك أمل. فقد زادت سوريا من ضغوطها لعودة هانيبال، والآن يقال إن فلاديمير بوتين، الذي كان دعمه سبباً لبقاء بشار الأسد في السلطة، على استعداد لمنحه اللجوء. وتعد موسكو الآن لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط، وتتمتع بنفوذ أكبر بكثير في الدول السنية والشيعية على السواء منذ عقود. وقالت ريم الدبري «إن هانيبال على دراية بالعرض الكريم من روسيا، ونحن ممتنون للغاية». في حين لم تعبر طهران، وهي حليف سوري آخر، علناً عن آرائها بشأن إدانة هانيبال أو غير ذلك.
ويقال إن سيف الإسلام القذافي يعمل على تأمين إطلاق سراح شقيقه من خلال وسطاء، مع مستقبل ليبيا غير المؤكد وتشكيل تحالفات جديدة، حتى الآن قد يضطلع بيت القذافي بدورٍ في تشكيل مستقبل البلاد.
.
المصدر/عربي بوست
شارك رئيس دائرة الإحصاءات السكانية في معهد الإحصاء التركي (TÜİK)، متين آيتاش، بيانات مهمة…
في خطوة تعكس دعم تركيا الثابت لفلسطين، أعلن وزير التجارة التركي، عمر بولات، أن تركيا…
أعلنت مديرية الثقافة والسياحة في محافظة طرابزون عن بيانات السياحة الخاصة بالمدينة خلال الـ 11…
حذر البروفيسور الدكتور فاتح كونوكجو، أستاذ الهندسة البيولوجية في جامعة تكيرداغ، من التأثيرات السلبية للتغير…
يواصل الحد الأدنى للأجور في تركيا تراجعه أمام القوة الشرائية الحقيقية، حيث أظهرت المقارنات مع…
بعد انهيار نظام البعث الذي استمر لـ61 عامًا، تواجه سوريا مرحلة جديدة بقيادة المعارضة بقيادة…
هذا الموقع يستعمل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربة استخدامك.