لسنوات طويلة حرص العريف حسن الإغدرلي أن يكون أول من يصل إلى المسجد الأقصى في القدس الشرقية وآخر من يغادره قبل إغلاق أبوابه.
هذا ما يتضح من شهادة فريدة حول العريف حسن وهو آخر الجنود العثمانيين في القدس والمسجد الأقصى.
وليس ثمة الكثير المعروف عن العريف حسن أو حتى مكان قبره، ولكن اسمه متداول ما بين المصلين كبار السن في المسجد الأقصى.
وقال الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى للأناضول: “كان هذا الجندي التركي منعزلا عن الناس وكان قلبه متعلقا بالمسجد الأقصى، فيقضي فيه الساعات الطوال خلال النهار إلى أن يتم إغلاق أبواب المسجد، فكان أول من يدخل المسجد في ساعات الفجر وآخر من يخرج منه في المساء”.
استنادا إلى الشيخ صبري (80 عاما)، فإنه كان يلمح بشكل متكرر العريف حسن بملابسه المتواضعة، وهو يجلس على درجات تؤدي إلى قبة الصخرة المشرفة من الجهة الشمالية للمسجد الأقصى.
عدم حديث العريف حسن مع المصلين، ربما لعدم إتقانه اللغة العربية، جعلت المعلومات عنه ضئيلة للغاية.
وقال الشيخ صبري: “يبدو أنه كان حزينا على ما حصل في الحرب العالمية الأولى.. لم يحتك بالناس.. هذا هو الانطباع الذي أخذته عنه”.
وأضاف أنه “لم يتكلم العربية أو لم يفكر أن يتحدث باللغة العربية وبقي منطويا على نفسه إلى أن توفاه الله”، ولم يكن بإمكان الشيخ صبري تحديد مكان محتمل لقبر العريف حسن أو تاريخ محتمل لوفاته.
ولربما كان الأول الذي يكشف سره هو الصحفي التركي المؤرخ إلهان بردكجي الذي زار المسجد الأقصى ضمن وفد تركي في شهر أيار/ مايو 1972 وتحدث معه باللغة التركية.
يشير بردكجي إلى أن العريف حسن كان في حينها في الثمانينيات من عمره وإنه حينما ألقى عليه السلام رد عليه بصوت خافت مرتجف: وعليكم السلام بنبرة تركية.
وعندما استفسر منه عن سبب وجوده في المسجد الأقصى رد: “أنا.. أنا العريف حسن الإغدرلي رئيس مجموعة الرشاش الحادية عشرة، الكتيبة الثامنة الطابور السادس والثلاثين من الفرقة العشرين في الجيش العثماني”.
ولفت العريف حسن إلى أن “اليوزباشي النقيب مصطفى قال للحراس: أيها الأسود.. إن الدولة العثمانيّة العليّة في ضيق كبير (..) جيشنا المجيد يسرح (..) والقيادة تستدعيني إلى إسطنبول (..) يجب أن أذهب وأُلبّي الأوامر وإلا أكون قد خالفت شروط الهدنة ورفضت الطاعة، فمن أراد منكم العودة إلى بلاده فليفعل (..)، ولكن أقول لكم إن القدس أمانة السلطان سليم خان في أعناقنا فلا يجوز أن نخون هذه الأمانة أو نتخلى عنها، فأنا أنصحكم بالبقاء حراسا هنا، كي لا يقال إن الدولة العثمانية تخلت عن القدس وغادرتها، وإذا تخلت دولتنا عن أول قبلة لفخر الخلق سيدنا محمد، فسيكون ذلك انتصارا حقيقيا لأعدائنا، فلا تضعوا عزة الإسلام وكرامة الدولة العثمانية تحت الأقدام”.
وأضاف العريف حسن: “فبقيت وحدتنا كلها في القدس، لأننا لم نرضَ أن يقال إن الدولة العثمانية تخلت عن القدس، أردنا ألا يبكي المسجد الأقصى بعد أربعة قرون، وألا يتألم نبينا الكريم”.
وتابع: “ثم تعاقبت السنوات الطويلة ومضت كلمح البصر، ورفاقي كلهم انتقلوا إلى رحمة الله تعالى واحدا واحدا، لم يستطع الأعداء أن يقضوا علينا، وإنما القدر والموت، وها أنا ذا العريف حسن ما زلت على وظيفتي حارسا على القدس الشريف… حارسا على المسجد الأقصى”.
استنادا إلى بردكجي فإنه في العام 1982 تلقى رسالة بوفاة “الحارس العثماني الأخير للمسجد الأقصى”.
ما قدمه بردكجي من شهادة عن العريف حسن يتوافق مع ما هو معروف لدى ناجح بكيرات، مدير أكاديمية الأقصى للوقف والتراث والخبير بالحقبة العثمانية في القدس وفلسطين، عن الجندي العثماني.
وقال بكيرات، وهو مدير سابق للمسجد الأقصى للأناضول: “كان الجندي العثماني يؤمن بأن القدس وفلسطين جزء من العقيدة وكان الجندي العثماني محارب من الطراز الأول يمتاز بصلابته فهو كان جنديا قويا قادرا على أن يعيش في ظروف صعبة جدا فكان مثلا يكتفي بالقليل من الطعام ويقاتل في ظروف صعبة، وربما يحاصر لأشهر ويمكث كجندي صلب، وثالثا إن الجندي العثماني كان يمتاز بنوع من الطاعة لقيادته وهذا أعطاه زخما”.
وأضاف أنه “جندي لديه قوة عقائدية وقوة جسمانية وعقلية، وامتثاله للأوامر العسكرية أكسب الجبهة العثمانية قوة وبالتالي استطاع الجيش العثماني أن يبني قلاعا ومجتمعا كاملا وبنية تحتية كاملة وأن يعيد للقدس مكانته وخاصة من خلال بناء السور الذي يحيط بالبلدة القديمة، ونعلم أن حوالي 1000 جندي عثماني استشهدوا وهم يبنون سور القدس وهذا يعني أنهم عشقوا القدس وأحبوها، وكذلك حينما تعلم أن 500 جندي عثماني كانوا يراقبون قناة السبيل التي تأتي بالمياه من العروب في الخليل مرورا ببيت لحم وصور باهر وجبل المكبر وسلوان وصولا إلى المدينة المقدسة وداخل المسجد الأقصى”.
ولفت بكيرات إلى أن “الجندي العثماني بقي حوالي 400 عام في مدينة القدس” مضيفا أنه “بقي جنديا مثابرا يعرف هويته الإسلامية ويعرف انتسابه ويعرف أن عليه مسؤولية، وأن هذه المسؤولية هي التي دفعته إلى أن يشارك في بناء الخانات وفتح الطرقات بما فيها من يافا إلى القدس، وبناء محطة القطار من القدس وكان في كل قضية تتعلق بالبنية التحتية سواء كانت قنوات مياه أو أسوارا أو خطوطا دفاعية وبنى الكثير من القلاع والزوايا”.
وتابع بكيرات: “لم يكن الجندي العثماني مقاتلا فقط وإنما كان مشاركا، فكان يعيش لعقيدته وكان يشعر وهو يبني في القدس أنه يبني في حضارة وأنه يخدم في دين وأنه ينتمي إلى أمة وإلى هوية”.
وأردف بكيرات: “بقي لهذا الجندي كل الآثار التي تركت في القدس لتدلل على أن الجندي العثماني بنى مدينة وشارك في أمة وصنع ثقافة”.
ولكن وإن كان العريف حسن قد رحل فإنه ما زال بالإمكان ملاحظة معالم الدولة العثمانية في الكثير من الأماكن في فلسطين، وتحديدا في المسجد الأقصى ومحيطه في البلدة القديمة من مدينة القدس.
وقال الشيخ صبري: “هناك بصمات متعددة للدولة العثمانية سواء في مدينة القدس أو المسجد الأقصى، بما فيها المصاطب وسبل المياه وكانت معظم انطلاقات الجيش العثماني تتم من الأقصى المبارك”.
وأضاف خطيب المسجد الأقصى: “لا تزال الآثار التركية قائمة في المسجد الأقصى بخاصة، وفي مدينة القدس وفلسطين بعامة، سواء المساجد أو دور القرآن الكريم أو مدارس الأيتام”.
وفي سياق الحديث عن تدابير الحماية، أوضح غونر أن الوباء قد سلط الضوء على أهمية…
تشهد مدينة أنطاليا، الوجهة السياحية الشهيرة في تركيا، تساقط الثلوج الكثيف الذي يؤثر بشكل ملحوظ…
شهدت قرية كوزكوي التابعة لمدينة بوردور حادثة نادرة، حيث ضربت صاعقة سقف منزل في ساعات…
أعلن وزير العمل والضمان الاجتماعي، وداد إشيكهان، أن الحد الأدنى للأجور لعام 2025 سيكون 22,104…
أكد رئيس غرفة تجارة إزمير، محمود أوزجنر، أن العاملين الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور يشكلون…
شارك رئيس دائرة الإحصاءات السكانية في معهد الإحصاء التركي (TÜİK)، متين آيتاش، بيانات مهمة…
هذا الموقع يستعمل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربة استخدامك.