تباينت آراء الخبراء حول قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ترشيح رئيس البرلمان السابق بن علي يلدريم، لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، في الانتخابات المحلية التي ستشهدها البلاد نهاية مارس/ آذار 2019.
وفي 19 من فبراير/شباط الجاري، أعلن يلدريم تنحيه عن منصبه في رئاسة البرلمان، عقب ترشحه لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، وتولى يلدرم سابقاً منصب رئيس الوزراء في آخر حكومة برلمانية، قبل انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي عام 2018.
وتتابع وسائل الإعلام عن كثب منافسات الأحزاب السياسية التركية من أجل الفوز بأكبر عدد ممكن من البلديات خلال الانتخابات المقبلة التي تتمتع بأهمية خاصة لأسباب عدة، منها انتقال الجمهورية التركية إلى النظام الرئاسي، وتأثيرها الكبير على الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد.
وأعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم أنه سيخوضها بالتحالف مع حزب الحركة القومية ضمن تحالف “الجمهور” الذي خاض به الحزبان الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية الماضية في 24 يونيو/حزيران 2018.
وتحظي هذه الانتخابات باهتمام استثنائي من قبل حزب العدالة والتنمية، ويقف الحزب أمام تحديات كبيرة في هذه الانتخابات، ونظراً لأهميتها، يدفع الحزب الحاكم بشخصيات بارزة ولها تأثيرها على الشارع، كـبن علي يلدرم في إسطنبول على سبيل المثال، في محاولة للسيطرة على البلديات الكبرى وحسمها، كإسطنبول وأنقرة وإزمير.
ووفقًا لـوسائل إلاعلام دولية، تمثل الانتخابات المحلية (البلدية) في تركيا، اهتماماً خاصاً بل مصيرياً بالنسبة للأحزاب، لأنها تتحكم في مستقبلها وتأثيرها شعبياً وفرصها في الوصول إلى السلطة لاحقاً.
وقال علي باكير الباحث والمحلل السياسي التركي، إنه من المتوقع أن تشهد الانتخابات البلدية في اسطنبول تنافساً شديداً، لذلك فقد ارتأى الحزب الحاكم ورئيسه أردوغان أن يرمي بأقوى أوراقه في هذه المعركة.
وسبق ليلدريم أن شغل منصب وزير النقل ووزير المواصلات والاتصالات والنقل البحري في حكومات سابقة، ويشيد كثيرون بقدراته في متابعة وتنفيذ مشاريع البنى التحتية.
كما أنه في عهده، طوّرت تركيا شبكة القطار فائق السرعة بين عدد كبير من المدن، لا سيما المرتبطة بأنقرة وإسطنبول، إضافة إلى العديد من المشاريع الضخمة التي انطوت على عشرات المليارات من الدولارات.
يعلّق باكير، بهذا المعنى، فإن للرجل خبرة تنفيذية كبيرة، وبما أن أردوغان يحلم بتنفيذ مشاريع ضخمة في إسطنبول كمشروع “قناة إسطنبول”، فإنه سيكون بحاجة إلى رجل قوي في المدينة، وليس هناك أفضل من يلدرم فيما يتعلق بهذا الأمر.
العامل الآخر هو أن يلدرم يؤدي بشكل جيد عادة في الانتخابات، حتى في أصعب المناطق كإزمير على سبيل المثال، وبما أنه من المتوقع للمعركة البلدية أن تكون حامية في إسطنبول، فإن حظوظه ستكون أكبر من حظوظ غيره من الأسماء التي كان من الممكن لحزب العدالة والتنمية أن يرشّحها لهذا المنصب.
من الناحية السياسية – يضيف باكير – عادة ما يحظى منصب رئيس بلدية إسطنبول الكبرى على سبيل المثال بأهمية كبرى، فهي المدينة رقم واحد في تركيا وأكثرها تعداداً للسكان.
ويرى أنه بقدر ما يشكل هذا المنصب تحدياً، بقدر ما يفتح فرصاً وأبواباً سياسية أمام صاحبه الذي يُنتخب بشكل مباشر من قبل المواطنين في مدينة تضم حوالي 10.5 مليون ناخب، وبهذا المعنى، يحظى صاحب المنصب بشرعية ودعم أكثر من المناصب الرسمية الأخرى في البلاد كالوزير على سبيل المثال، صاحب هذا المنصب مؤهل بطبيعة الحال لأن يكون له طموح سياسي أكبر.
يقول باكير، إن حزب العدالة والتنمية يسيطر على أجزاء واسعة من مدينة إسطنبول منذ حوالي 24 عاماً، لكنه بات يخشى في السنوات الأخيرة مفاجآت غير متوقعة، ولذلك فهو يحرص على أن يحسم المعركة لصالحه، لا سيما لما لإسطنبول من أهمية في أية انتخابات من أي نوع كان.
بدوره يقول الصحفي التركي محمد سليمان، إن للبلديات في تركيا وزن اقتصادي كبير جداً، إذ أن ميزانياتها السنوية التي تقدر بمليارات الدولارات، وربما تكون أكبر من ميزانية بعض الوزارات، على سبيل المثال، بلغت ميزانية بلدية إسطنبول لعام 2017، 42 مليار ليرة تركية، أي ما يعادل 14 مليار دولار.
لذا تحرص الأحزاب على الظفر بالبلديات الكبرى صاحبة الحصص الأكبر من الميزانية السنوية، كبلديات إسطنبول وأنقرة وإزمير على سبيل المثال.
ويضيف سليمان، أن العامل الاقتصادي في البلديات، يعتبر مدخلاً قوياً لنجاح الأحزاب ورسم صورتها أمام الجمهور، فهي تنفق على تطوير المناطق التي تديرها بالشكل الذي تريد، وإذا نجحت في الارتقاء الحضري لتلك المناطق وأدارت أموال البلديات بنجاح، سيعود الناس لانتخابها من جديد، حتى في الانتخابات العامة أيضاً.
فالانتخابات البلدية تعتبر مدخلاً لا غنى عنه للوصول لأعلى مراكز الحكم في البلاد، وأي سقوط للأحزاب في امتحان البلديات يعني سقوطها في أي انتخابات قادمة.
.
وكالات