على أبواب الانتخابات البلدية التي ستجري نهاية هذا الشهر في تركيا، تشكل مسألة البقاء الوطني المحور الرئيسي الذي يدور حوله الجدل الأيديولوجي حالياً.
ينظر تحالف الشعب -المؤلف من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية- إلى الأمر بطريقتين. أولاً، يعد التحالف بضمان عدم تعثر تركيا، ويتعهد بالالتزام بمقاومة الهجمات التي واجهتها البلاد في السنوات الأخيرة. يستذكر التحالف الاضطرابات التي بدأت مع أحداث حديقة “غيزي بارك”، ومحاولة الانقلاب في الجهاز القضائي في ديسمبر 2013، وصولاً إلى محاولة الانقلاب في يوليو / تموز 2016.
فمن وجهة نظر التحالف، يمثل الوعي الوطني الجديد الذي خلقته المقاومة في 15 يوليو، الركيزة الأساسية للسياسة التركية. ثانياً، هناك التحالف الانتخابي للمعارضة، المعروف باسم “تحالف الأمة”، مع حزب الشعوب الديمقراطي.
نظرًا لتقاربه ونهجه إستراتيجية “الخندق” مع تنظيم “بي كا كا” الإرهابي، لا يزال حزب الشعوب الديمقراطي مهمشًا في تركيا. ويواجه انتقادات لفشله في الابتعاد عن الإرهابيين، ودعمه لمطالبة “ي ب ك” بشمال سوريا. وإلى الآن، لا يزال شمال شرق سوريا تحت سيطرة ميليشيا “ي ب ك”، رغم نجاح تركيا في حملتها لمكافحة الإرهاب في المنطقة.
للأسف، تواصل المنظمة الإرهابية التمتع بالحماية الأمريكية. على هذه الخلفية، يهاجم تحالف الشعب الأعضاء الرئيسيين في تحالف الأمة (حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد وحزب السعادة) لتجاهلهم تلك القضايا ومد يد المصافحة مع قيادة حزب الشعوب الديمقراطي.
في المقابل، تتجنب المعارضة موضوع البقاء الوطني بأي ثمن. لا يعني ذلك أنهم يفتقرون إلى الشعور بالبقاء الوطني. الواقع أن حزب الشعب الجمهوري ينظر إلى حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان كتهديد ضد بقاء الجمهورية منذ عام 2007. وفي الآونة الأخيرة في حملة الانتخابات يونيو 2018، اعتمدوا على هذا الخطاب مع الإشارة إلى “الديكتاتورية”. إن صمت المعارضة الحالي هو جزء من محاولة لتقليل الانزعاج الذي يشعر به ناخبو حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد وحزب السعادة، بسبب تعاونهم مع حزب الشعوب الديمقراطي.
ومع ذلك، فقد تسببت تصريحات “سيزاي تيميلي”، الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي، في إثارة موجة من الغضب في تركيا والغرب حين قال: “سنفوز في كردستان”. و”سنجعل حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، يخسران”. لقد غذّت هذه الكلمات جدلاً إيديولوجياً حول شراكة رئيس حزب الشعب الجمهوري “كمال قليجدار أوغلو” مع حزب الشعوب الديمقراطي، مما رفع الوعي حول علاقة الحزب مع إرهابيي “بي كا كا” وحلم حزب الشعوب بـ”كردستان”. جواب الرئيس التركي كان واضحاً: “في تركيا، هناك شرق الأناضول وجنوب شرق الأناضول ومنطقة البحر الأسود ومنطقة بحر إيجه ومنطقة بحر مرمرة. إنما لا توجد منطقة اسمها كردستان في بلادي”.
يريد القوميون الأكراد الانفصاليون بشدة الحصول على وضع خاص لمنطقة “كردستان”. حتى في شكل حكم ذاتي، لأن هذا التصنيف سيمثل خطوة أولى نحو دولة قومية مستقلة. نحن نعلم بالفعل أن الحكم الذاتي ليس بديلاً مؤقتاً عندما يتعلق الأمر بالقومية العرقية.
بل على العكس تماما، فإن هذه التنازلات تغذي النزعة الانفصالية. لقد تعلمت إسبانيا هذا الدرس في كاتالونيا والباسك. كان الاستفتاء على الاستقلال في شمال العراق مثالاً أحدث على ذلك. على هذا النحو، فإن إشارات النخبة في حزب الشعوب الديمقراطي الداعم لتنظيم “بي كا كا” إلى “كردستان” تتجاوز بعض الممارسات اليومية بين الناخبين الأكراد، أو إحياء لاسم العصر العثماني. كما لا يتعلق الأمر بالحقوق الديمقراطية للأكراد في تركيا كمواطنين. إنها تسمية تتحدى سلامة أراضي تركيا، ومطالبات من القوميين الأكراد بالتركيز على الانفصال.
بعد أن شاهدنا كيف أخرج حلم تنظيم “بي كا كا” بإنشاء دولة في سوريا، عملية المصالحة في تركيا عن مسارها، فإن تركيز حزب الشعوب على “كردستان” الآن، لا يمكن السكوت عنه. لا عجب لماذا أصبح حزب اليسار الديمقراطي، رائجاً بين الناخبين الذين ينفرون من حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد. كما أن دعوة أردوغان الأخيرة إلى الانفصاليين للذهاب إلى “كردستان” في شمال العراق، تمثل تحديًا للنخب في حزب الشعوب الديمقراطي، وليس للناخبين الأكراد أنفسهم.
كل ناخب كردي يرى مستقبله في تركيا، مثله مثل جميع المواطنين، لديه أحقية لا تقبل الجدل بهذا البلد.
.
بواسطة/ برهان الدين دوران