بعد 24 ساعة على هجوم إرهابي مسلح على مسجدين في مدينة كرايستشيرش الواقعة في الجزيرة الجنوبية بنيوزيلندا، انتقل الاهتمام إلى السبب وراء تحوُّل هذا الجيب الريفي الهادئ إلى هدفٍ للهجوم الأشد دموية في البلاد -وما الذي أغوى الإرهابي ليقود سيارته أكثر من 350 كيلومتراً إلى الشمال من منزله في «دنيدن» لتنفيذ هذا الهجوم.
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن ثمة تنافراً أيضاً بين الأجواء اللطيفة لكرايستشيرش، «مدينة الحدائق»، وهذا الإرهاب البشع الذي وقع بعد ظهر الجمعة 15 مارس/آذار. إذ وُصِفَت هذه المدينة لفترةٍ طويلة بأنها «أكثر مدينة إنجليزية الطابع خارج إنجلترا»، بحدائقها الغريبة على نحو جذاب، وهندستها المعمارية القوطية الجديدة الخلابة.
ويشطر نهر أفون هذه المدينة المسماة على اسم كنيسة المسيح (كرايستشيرش) في أوكسفورد. وحتى وقت وقوع الزلزال المدمر عام 2011، كانت كاتدرائية كرايستشيرش منتصبة في مركز المدينة. وتيرة الحياة بطيئة هنا والناس متواضعون.
وقال بول بوشانان، المحلل الأمني في شركة 36thParallel الاستشارية، إنَّ نسبة المسلمين بين سكان كرايستشيرش البالغ عددهم 340 ألف نسمة، تتراوح بين 1٪ و 2٪. وقال إنَّ القرب المكاني بين المسجدين (إذ يقعان على بعد 5.5 كيلو متر من بعضهما فحسب)، وحجمهما الكبير وغياب الأمن، جعل منهما «أهدافاً سهلة».
وقال بوشانان: «جرَّأ انتخاب ترامب اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم، ونيوزيلندا ليست استثناءً من ذلك. فحركة اليمين المتطرف في هذا البلد جرى تنشيطها على مدار السنوات القليلة الماضية، ويرجع جزء من ذلك إلى حقيقة أنها لم تخضع لتدقيق الأجهزة الأمنية كما كان الحال مع الجالية المسلمة».
ومنذ زلزال كرايستشيرش عام 2011، الذي خلَّف وراءه 185 قتيلاً وأحال كاتدرائية المدينة أنقاضاً، أوقفت السلطات برنامج إعادة توطين اللاجئين في المنطقة بينما كانت تحاول إعادة بناء وسط المدينة.
وخلال السنوات ذاتها، فقدت كرايستشيرش 20 ألفاً من سكانها -وهم سكان لم يعودوا يرون مستقبلاً لأنفسهم في المدينة. وارتفعت نسبة مشكلات الصحة النفسية، والعنف المنزلي، وتعاطي المخدرات.
وفي العام الماضي، بعد أن بدأت أجزاءٌ واسعة من المدينة في العمل مرة أخرى، عادت كرايستشيرش إلى العمل بوصفها مركزاً لإعادة توطين اللاجئين، فرحبت بسوريين بأعداد كبيرة، يعتقد أنَّ بعضهم كانوا من بين القتلى في هجوم يوم الجمعة.
وكانت حكومة جاسيندا أرديرن قد ضاعفت حصة البلاد السنوية من اللاجئين من 750 مهاجراً إلى 1500 مهاجر، ويشكل السوريون معظم أولئك القادمين. وعاملت المدن الريفية في الجزيرة الجنوبية، التي يتسم سكانها بانخفاض العدد والتقدم في السن، أولئك المهاجرين معاملة حسنة، بما في ذلك دنيدن، حيث عاش المجرم في الهجمات، وكرايستشيرش، حيث وقعت المذبحتان.
ظهر الحجاب وقلنسوات الصلاة بأعداد كبيرة في مدن أغلب سكانها من الأوروبيين. وقال البروفيسور روبرت باتمان، الخبير في الشؤون الخارجية بجامعة أوتاغو، إنَّه على الرغم من بقاء الكثير من الأسئلة، فإنَّ عدد السكان المسلمين في مدينة كرايستشيرش، الأكبر من عددهم في دنيدن، ربما يكون هو ما جعلها هدفاً للمنفذ المتطرف.
وقال باتمان إنَّ سمعة نيوزيلندا بوصفها بلداً محباً للسلام ربما تكون أيضاً عاملاً في هذا التخطيط.
وأضاف باتمان: «تمثل نيوزيلندا كل ما يكرهه أولئك الناس. فهي بلد جميل، وتركز بشكل كبير على الإدماج. ليست مثالية، لكنها تعمل بجد لتحسين العلاقة بين الأعراق فيها. وثمة الكثير من التسامح هنا. والبلد متنوع وودود. ومن وجهة نظر أولئك الناس، فلو استطاعوا تنفيذ حدث كبير في بلد لم يمسسه الإرهاب نسبياً، فإنَّ ذلك سوف يكون إنجازاً بالنسبة لهم».
وقال باتمان إنَّ المجرمربما يكون قد أراد إثارة الشقاق في كرايستشيرش ونيوزيلندا. لكنَّ سكان إقليم كانتربري ما زالوا يقولون لبعضهم بعضاً ولأصدقائهم المسلمين، إنَّ هذه الخطة فشلت في النهاية «لأننا هم، وهم نحن».
وقال باتمان: «تتمثَّل سردية اليمين المتطرف في أنَّ العالم الغربي والعالم المسلم لا يمكن أن يتعايشا. لكنَّ مدينة كرايستشيرش تظهر لهم أنَّ هذا خطأ تماماً».
ذلك أنَّ كرايستشيرش أبدت هدوءاً واتحاداً في أعقاب الهجوم مباشرة، ولم تكن مدينة يسهل إثارة الانقسام فيها.
وفي مستشفى كرايستشيرش، حيث أمضى عدد كبير من الجالية المسلمة يوم السبت في انتظار أخبار عن أحبائهم، ظهر أفراد من الجمهور ليعرضوا توصيل الناس في المدينة، وطرود الطعام والمشروبات الساخنة، أو حتى مجرد الحديث الودود وجهاً لوجه.
وقال رجل في المستشفى، وهو لاجئ أفغاني وناج من الهجوم: «النيوزيلنديون يحبوننا، ونحن نحبهم». وفي الشوارع يستخدم النيوزيلنديون (المعروفون باسم Kiwi) إيماءة دقيقة للاطمئنان على بعضهم-إيماءة رأس قصيرة، والتقاءً سريعاً للعينين وابتسامة سريعة. ويقولون: «كل شيء على ما يرام؟».
وفي هذا النصب التذكاري المنتصب في شارع دينز، مكان المسجد الأول الذي تعرض لإطلاق النار، أصبح التعبير عن المشاعر أكثر علنية. إذ شكل السكان المحليون دوائر، يربطون فيها أذرعهم حول أكتاف بعضهم بعضاً ويغنون واياتا (waiata) وهي إحدى الأغنيات الماورية (لغة سكان نيوزيلندا الأصليين)، ويضعون باقات من الزهور منتقاة باليد من حدائق مدينة كرايستشيرش -الزهور والورود والزنابق- بينما يبكون علناً، وهو أمر نادر الحدوث في هذا البلد.
يقول الناس لبعضهم «كيا كاها»، وهو تعبير باللغة الماورية يعني «كن قوياً»
.
المصدر/عربي بوست
تركيا الآن تجاوز عدد مستخدمي منصة «بلوسكاي» 15 مليون مستخدم، ليعكس نمواً ملحوظاً في ظل…
تركيا الآن في لمسة عصرية تعكس صيحات الشباب، ظهر أحمد سعد بإطلالات جديدة تثير الجدل،…
تركيا الآن أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن تعيين السيناتور ماركو روبيو وزيراً للخارجية،…
أعلنت النيابة العامة في إسطنبول، اليوم الخميس، عن فتح تحقيق في مكتب التحقيق في الجرائم…
قال رئيس بلدية إسطنبول الكبري المعارضة أكرم إمام أوغلو، الخميس، "سيشرفني التفتيش" فيما يتعلق…
هذا الموقع يستعمل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربة استخدامك.