شهدت تركيا على مدار السنوات الخمس الماضية، سلسلة من الانتخابات المهمة، اثنتان محليتان وأربعة برلمانية واثنتان رئاسيتان، إلى جانب استفتاء دستوري واحد. كانت الانتخابات المحلية الأسبوع الماضي آخر حلقة من هذه السلسلة وذلك لأربعة أعوام ونصف قادمة. طوال الانتخابات، عاشت تركيا تطورين مهمين.
أولاً، المعالجة الناجحة للتهديدات الأمنية الداخلية والخارجية. قلصت الحكومة من تأثير “بي كا كا” داخل البلاد وعزلت سيطرة فروعه السورية، كذلك فعلت اتجاه تأثير”ي ب ك/ب ي د” في سوريا. وبالمثل، قامت تركيا بإخلاء داعش من حدودها الجنوبية. كما قامت الحكومة بتفكيك “هيكل الدولة الموازية”، أي تنظيم غولن الإرهابي، في جهاز الدولة. في الواقع، كافحت تركيا ضد هذه التهديدات الأمنية بمواردها الخاصة. وقد أتاح هذا النجاح للحكومة أن تتبع سياسة خارجية أكثر نشاطاً.
ثانياً، تمت إعادة هيكلة الدولة نتيجة للتطورين التاليين: تعيين موظفي جهاز الدولة بعد التخلص من أعضاء غولن الإرهابي، في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو، وتغيير النظام الحكومي.
لقد تمت إعادة هيكلة جميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك النظام الانتخابي، وفقاً للنظام الحكومي الجديد.
مع نهاية الانتخابات، ستبدأ الحكومة في التركيز أكثر على قضايا السياسة الخارجية. بعد تأمين الاستقرار السياسي وتوطيد النظام الحكومي الجديد، ستحاول الحكومة الآن تأمين الاستقرار الاقتصادي، وهو أحد أهم القضايا في السياسة الخارجية. بعد ذلك، سيكون هناك المزيد من الوقت لحل القضايا وفقاً لأولويات أنقرة.
أولاً، صورة تركيا في الساحة الدولية. من المضحك أن نرى دول الشرق الأوسط، مثل المملكة العربية السعودية ومصر، تتحدث عن العملية الديمقراطية في تركيا. بينما، على الجانب الآخر، من المتوقع أن تتغير وجهات النظر الغربية حول التجربة الديمقراطية التركية. يمكن القول إن تركيا ليست في نفس المستوى ديمقراطياً، ومع ذلك، فهي بلد يتمتع بتجربة ديمقراطية طويلة وثابتة. بشكل عام، بعد انتخابات حرة ونزيهة في تركيا، شهدنا تغييرات حكومية في البلاد. عاجلاً أم آجلاً، سيتم الاعتراف بهذه الحقائق الجديدة من قبل الغرب.
والثاني هو الموقف الجديد للأكراد الذين كانوا تقليدياً منقسمين سياسياً بين حزبين سياسيين. بينما صوتت الأغلبية لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، صوت جزء كبير أيضاً لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم. في الآونة الأخيرة، انخفضت الأصوات الكردية لحزب الشعوب الديمقراطي، المدعوم من “بي كا كا”، بشكل كبير. فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات في أربع مدن ذات أغلبية كردية، هي “شرناق” و”آغري” و”موش” و”بيتليس”، وفي العديد من البلدات في نفس المنطقة. مع أن أول مدينتين كانتا أهم معاقل حزب الشعوب الديمقراطي.
والثالث هو تأثير الانتخابات على علاقات تركيا مع الجهات الدولية الفاعلة الأخرى. ستواصل تركيا إصرارها على أن توقف الدول الغربية دعمها لـ”بي كا كا” و”ب ي ك” و تنظيم غولن الإرهابي. قد تعيد الدول الغربية تقييم سياساتها تجاه هذه المنظمات، لأن خسارة الأصوات لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، ستزيد من نفوذ الجانب التركي في المفاوضات الدولية. في النهاية، ستنهي الفترة الجديدة الموقف الدفاعي لتركيا، ومن المرجح أن تتبع الحكومة سياسة خارجية أكثر نشاطاً. وكما ذكر الرئيس رجب طيب أردوغان، في البداية، ستركز تركيا على التطورات في شمال سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، ستواصل أنقرة اتباع سياسات إقليمية تعطي الأولوية للاستقرار، والتغير التدريجي في الشرق الأوسط. ستحاول منع المزيد من الاستقطاب الذي اشتعل واستمر من قبل الكتلة المؤيدة لترامب التي تضم إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى. ستلعب أنقرة دوراً أكثر نشاطاً في مقاومة الوضع الراهن في المنطقة، مثل إعلان القدس الموحدة كعاصمة لإسرائيل، وضم إسرائيل مرتفعات الجولان. أي أن تركيا ستستمر في لعب دور حاسم في منطقتها بصفتها طرفاً عالمياً نشطاً.