كانت الانتخابات البلدية في تركيا معركة شاقة بين تحالفين. تم التصويت بالتوافق مع النضج الديمقراطي، حيث انتخبت السكان المحليون رؤساء بلديات جددا. من بين أمور أخرى، أظهرت انتخابات البلدية لعام 2019 أن تركيا بالفعل هي دولة ديمقراطية موحدة قادرة على التغلب على التحديات من خلال العمليات الانتخابية. وكشفت أيضا عن دحر تهمة الاستبداد. من الواضح أن أي نقاش عام في فترة ما بعد الانتخابات يجب أن يدور حول الفائزين والخاسرين، ورسالة الناخبين إلى القيادة السياسية في البلاد.
ولنبدأ من هنا: حصل تحالف الشعب على حوالي 52 بالمائة من الأصوات، في حين أصبح حزب العدالة والتنمية أكثر حركة شعبية في تركيا بنسبة 44.3 بالمائة. لقد نجح أيضاً في الحفاظ على مستوى الدعم الشعبي الذي حصل عليه من الانتخابات الوطنية التي أجريت العام الماضي، مما يعني أن القيادة التركية لن تفكر في إجراء انتخابات مبكرة. لقد منح تصويت 31 مارس تركيا فرصة للتركيز على الإصلاحات الاقتصادية، والسياسة الخارجية، وتعزيز النظام الرئاسي. أربع سنوات، إذا ما استخدمت بمهارة، هي فترة كافية لتغيير الحسابات السياسية للأمة.
في المقابل، وجد تحالف الأمة في الانتخابات فرصة لعرض قدراته على الناخبين. فاز التحالف في الانتخابات في العاصمة أنقرة، في حين لا تزال نتيجة الانتخابات في إسطنبول غير واضحة. الواقع أن لدى تحالف الأمة -على عكس مكوناته المختلفة- فرصة لإقناع الناخبين، حيث تلقى “منصور يافاش” و”أكرم إمام أوغلو”، مرشحا منصب رئيس البلدية في أنقرة وإسطنبول على التوالي، الدعم ليس فقط من حزب الشعب الجمهوري، ولكن من التحالف بأكمله. وبهذا المعنى، سيتعين على رؤساء البلديات المنتخبين إدارة المطالب وتضارب المصالح بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي. وبعد أن تأتي مسؤولية الحكم وتحل محل راحة النقد، فإن على رؤساء البلديات المرتبطين بالمعارضة أن يثبتوا للمواطنين المحليين أن خطاب حملتهم كان صحيحاً، وعليهم أن يدعموا كلماتهم بأفعال.
أما الأداء القوي لتحالف الشعب فقد خدم كلا الحليفين، إذ فاز حزب العدالة والتنمية بخمسة عشر بلدية كبرى و24 بلدية أخرى، بينما فاز حزب الحركة الوطنية ببلدية كبرى واحدة و10 بلديات محلية. على النقيض من ذلك، استفاد حزب الشعب الجمهوري وحده من أداء تحالف الأمة من خلال الحصول على 11 بلدية كبرى و10 بلديات محلية، بالإضافة إلى زيادة نسبته في التصويت الشعبي. في حين فشل حزب الجيد في الفوز بأي شيء وانخفضت شعبية حزب الشعوب الديمقراطي إلى 4 بالمئة وفقد الكثير من المناطق في شرق وجنوب شرق تركيا، خاصة في “شرناق” و”آغري” و”بيتليس”.
كان لفشل حزب الشعوب الديمقراطي في النأي بنفسه عن تنظيم “بي كا كا” الإرهابي ودعمه لحملة الحرب الأهلية المدمرة، تأثير كبير على شعبية الحزب. وفي الوقت نفسه، كان تأثير جاذبية القومية العرقية محدوداً بتلك التطورات؛ بينما استفاد تحالف الشعب من تحسن الوضع الأمني في المناطق ذات الصلة.
بدون شك، ستقوم الأحزاب المكونة لتحالف الأمة بتقييم إنجازاتها وخسائرها بمجرد انجلاء نتائج الانتخابات.
كان الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في الانتخابات البلدية التي أجريت يوم الأحد هو أن التحالفات الانتخابية، التي أيدت المرشحين المتنافسين، حددت نتائج الانتخابات البلدية. يبدو أن نظام التكتلين، وهو نتيجة للنظام الرئاسي، موجود ليبقى. في الوقت نفسه، اتضح أن للتحالفات الانتخابية تأثيراً إيجابياً على قوة السياسة السائدة. ومع ذلك، فإن انتخابات 2023 ستحدد ما إذا كانت هذه الحجة ستظل قائمة أم لا.
لا يمكن للقادة السياسيين والمرشحين التركيز على توحيد تحالفاتهم فقط. يجب أن يتنبأوا أيضاً كيف يؤثر اختيار المرشحين وخطاب الحملة على أداء هذه التحالفات. بات الاختيار بين المرشحين يتم بناءً على مزيج من العداء الإيديولوجي “الاختلافات الشاسعة بين المذاهب السياسية” والتغيرات في علم اجتماع الناخبين، والعمل الجاد. هذا هو التحدي الجديد للأحزاب السياسية في تركيا.
يتعين على الفائزين والخاسرين على حد سواء، أن يرتقوا إلى مستوى التحدي الخطير المتمثل في تعلم الدروس الصحيحة من الانتخابات البلدية لعام 2019. بعد كل شيء، يمكن لأي شخص أن يدّعي أنه كان ناجحاً بناءاً على نتائج الانتخابات. والدروس الصحيحة يجب ألا تكون أكثر ولا أقل من الحقيقة. مع تقييم الحركات المختلفة، عليها التركيز على المؤسسات وتطور ومبادئ الناخبين وتبدلاتهم الاجتماعية، بدلاً من الأفراد. يجب أن يأخذوا في الاعتبار كيف تتغير مطالب الناخبين في التجمعات السكانية.
إن الخطوة الأولى نحو انتخابات عام 2023 هي تقييم الإنجازات ومواطن الضعف والتقصير.
بواسطة/برهان الدين دوران