كاتب تركي: موقف تركيا إيجابي من التغيير في السودان والجزائر

قال عمر قورقماز، الكاتب والمحلل السياسي والمستشار السابق في رئاسة الوزراء التركية، إن أنقرة اتخذت موقفا إيجابيا من التغيير في كل من السودان والجزائر.

وأضاف قورقماز، في مقابلة مع الأناضول: “ما تعلمناه (في تركيا) في الربيع العربي الأول (بدأ من تونس أواخر 2010) هو الوقوف بجانب الشعوب بشكل واضح، وهو ما أزعج قيادات إقليمية، وربما سبب خللا في العلاقات بين تركيا ودول تلك القيادات”.

وأضاف: “القيادة السياسية (التركية) في هذه الفترة حذرة أكثر، هم يراقبون الأمور عن قرب”. واستطرد: “لا يصدرون بيانات سياسية سوى عبر وزارة الخارجية، التي تتولى إعلان المواقف، وكان الموقف إيجابيا تجاه التغيير في السودان وكذلك تجاه إرادة الشعب الجزائري الحبيب”.

– فوارق بين الموجتين

مقارنا بين ما أطلق عليها مراقبون موجتي الربيع العربي، قال قورقماز: “بالنسبة للربيع العربي في السابق كانت توجد قواسم مشتركة بين ما جرى في مصر واليمن وتونس، لكن هذه المرة تبدو الأمور مختلفة”.

واستطرد: “الأسباب الأساسية التي أدت للنتيجة الحالية مختلفة تماما في الجزائر والسودان، مع أنها تشترك في مطالب الشعب والمشاكل الاقتصادية، لكن توجد فوارق تختلف عن المرة السابقة”.

وتابع: “لا نستطيع المقارنة بين شخصيات ديكتاتورية، كالتي كانت مثلا في اليمن (الرئيس الراحل علي عبد الله صالح) وتونس (الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي)، وبين شخصية عمر البشير (الرئيس السوداني المعزول) مهما اتفقنا أو اختلفنا معه”.

وأعلنت قيادة الجيش السوداني، في 11 أبريل/ نيسان الجاري، عزل واعتقال البشير؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، تنديدا بالغلاء، ثم طالبت بإسقاط النظام الحاكم منذ ثلاثين عاما.

وزاد بأن البشير “لا يمتلك ملايين الدولارات بالبنوك الأجنبية (…) قد نختلف معه في حكمه العسكري الذي استمر فترة طويلة (1989: 2019)، ومع ذلك كان لا يريد ترشيح نفسه (مجددا)، لكن أطرافا في الحكم أرادته أن يستمر، فوافق على الترشح”.

وشدد على أن “إرادة الشعب هي الأساس، لكن يجب أن تتحقق دون تدخلات إقليمية.. في السودان إرداة شعبية واضحة، وتم التغيير، وبعد هذا نتمنى انتقال الحكم والسلطة للشعب بأقرب وقت”.

– خبرة الجزائريين

في الجزائر، وتحت وطأة احتجاجات شعبية رافضة لترشحه لولاية رئاسية خامسة، قدم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (1999: 2019) استقالته، في 2 أبريل/ نيسان الجاري، وبدأت مرحلة انتقالية، وتم تحديد 4 يوليو/ تموز المقبل موعدا لانتخابات رئاسية.

وبحسب قورقماز فإن الجزائريين “استفادوا من أحداث التسعينيات، حيث استُغلت من أطراف وأُدلجت المظاهرات، رغم أن النظام آنذاك فتح الطريق أمام التعددية الحزبية، لكن أطرافا خارجية وإقليمية، وربما فرنسا، لم ترد هذا الانتقال، وحصلت مجازر ومشاكل كبيرة”.

وعانت الجزائر خلال تلك الفترة من عنف دموي بين الجيش ومجموعات مسلحة؛ في أعقاب إلغاء نتائج انتخابات برلمانية فاز بها إسلاميون.

وشدد على أن “ما نراه في الجزائر هذه المرة شىء محترم ويوجد حرص شديد على عدم تحول الحراك الشعبي إلى أشياء أخرى، كحراك عسكري كما حصل في سوريا، ونتمنى التوفيق للشعب الجزائري كي لا يقع في فخ جديد”.

وتابع: “في الجزائر يبدو أن الشعب لديه خبرة كبيرة، وبعض الأطراف العسكرية التي كانت تدعم إسقاط بوتفليقة (82 عاما)، وقفوا مع الثورة بطريقة مباشرة وغير مباشرة”.

– تجربة البلدان المجاورة

عن تقييمه للتطورات في السودان ومآلاتها، قال قورقماز إن “الشعب السوداني مثقف، ولم تحدث تدخلات إقليمية مباشرة كما حدث في ليبيا”.

اقرأ أيضا

الصبر مفتاح الفرج

وأضاف: “أتصور أن السودانيين سيحسمون الموضوع بشكل سلس، ولن يتحول الوضع إلى حراك عسكري، فالعسكر يمسكون الأمور الآن، ووعدوا بتسليم السلطة إلى أحزاب سياسية، ولن يتخذوا أي قرارات دون التشاور مع الأحزاب”.

وزاد بأن “هذا ما يبشر بالخير، ويبدو أن العسكريين هذه المرة تعلموا دروسا كثيرة من تجربة البلدان المجاورة”.

واستطرد: السودان لن يسقط في دوامة كما حصل في دول أخرى، إلا إذا تشنجت الإدارة العسكرية الجديدة (المجلس العسكري الانتقالي) بعد الانقلاب على الانقلاب (انقلاب البشير عام 1989)”.

ورأى أن “ما جرى يُظهر أن الإرادة الشبابية انتصرت على الإرادتين السياسية والعسكرية، لكن إن استمر الحراك قد تحدث مشاكل لا نتمناها”.

ومضى قائلا إن “السودان كان تحت الحصار (الأمريكي) منذ عقود، وتعب كثيرا من الحصار الإقليمي والدولي، وحدثت أخطاء جسيمة في إدارة البلد، لكن بُذلت جهود كبيرة لإنقاذه”.

وتابع: “خلال الحصار استطاع الجيش السوداني تقوية نفسه، وحاولوا الحفاظ على أمن البلد، والكل يعرف عندما يبدأ الإنفاق على الأمور العسكرية يتم إهمال الشعب، وهو ما حصل في السودان بإهمال توزيع الثروات”.

واستطرد: “هذا أدى إلى مشاكل اقتصادية أغضبت الشعب.. ولم يكن تعامل الدول الخليجية مع السودان على المستوى المطلوب.. كانت لها مطالب قاسية (لم يحددها) لتغير مواقف السودان (من قضايا إقليمية)، مع أنه وقف مع السعودية عسكريا لأبعد الحدود (كمشاركته في التحالف العربي العسكري باليمن)، ووقف مع الخليج بشكل كبير”.

وشدد على أن تلك الدول “كانت تريد المزيد والمزيد، وهو ما لم يرض به البشير، والشعب عانى من الحصار، وهو ما أغضب الشباب، وأدى إلى ما أدى إليه”.

– حصار إقليمي دولي

وبشأن المواقف الخارجية من التغيير في السودان قال قورقماز: “لن يتغير الاقتصاد ولن تزيد الرواتب، إلا إذا رفعت الدول الإقليمية (الرافضة لسياسة الخرطوم) الحصار عن السودان”.

وأردف: “ولا أتوقع أن ترفع واشنطن الحصار (بسبب استضافة الخرطوم الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن)، رغم أن الخرطوم قدمت تنالات كبيرة بإبعاد حسن الترابي عن السلطة (عام 2000)”.

وزاد: “ما زالت الأطراف الدولية والإقليمية غير راضية، ولست متأكدا بكم سترضى، وما هي مطالبهم: هل يريدون السيطرة على النفط، هل يريدون من الشعب السوداني إلغاء القوانين الإسلامية التي أقرها (؟)”.

وتابع: “هذا ما سنراه في المرحلة القادمة.. ما أعرفه هو أن السودان لن يشهد تغييرا كبيرا، خاصة من ناحية العقيدة العسكرية وإيديولوجية الدولة”.

– الدول المغاربية

أما عن مآلات الوضع الجزائري، فقال قورقماز إن “الجزائر دولة مهمة لديها إمكانيات اقتصادية كبيرة، لكن شعبها أيضا لم يحصل على حقه، ولا يريد سوى جزء من ثروات البلد.. فهي دولة نفطية شعبها فقير”.

وأردف: “الشعب الجزائري يريد إدارة بلده بطريقة ديمقراطية تعددية، وإن حدث ما يريده بعيدا عن العسكرة، فسيأتي الجزائريون بحكم أقوى بكثير”.

ورجح أن هذا “سيقود إلى سلام إقليمي، خاصة بين (الجارتين) الجزائر والمغرب، ويصل إلى تونس وليبيا، فالجزائر لاعب أساسي في المنطقة”.

ورأى أن “تفاهم المغرب والجزائر على المدى البعيد سيحل كل المشاكل الإقليمية، فالتغير بشكل سلمي سيكون منعطفا كبيرا في تاريخ الدول المغاربية كلها، وقد لا ترضى فرنسا (المستعمر السابق) بهذا التغيير الجذري الكامل”.

وتضم المنطقة المغاربية كلا من: الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا وموريتانيا.المصدر/الاناضول

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.