أشار مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ياسين أقطاي، إلى وجود “لصوص” إقليميين ودوليين يبذلون قصارى جهدهم لوأد الثورات أو سرقتها في مهدها بالبلدان العربية.
وفي مقال نشرته صحيفة “يني شفق” التركية، قال أقطاي: “يشهد السودان وليبيا هذه الأيام أحداثًا مثيرة للغاية. ويمكن إيجاز ما يحدث بوصفه أنه محاولات لسرقة ثورات الجماهير بواسطة أعمال ممنهجة”
وأوضح ان المظاهرات في السودان “كانت قد بدأت في شهر ديسمبر/كانون الماضي للاحتجاج على رفع أسعار الخبز، وبينما كانت تدهش الجميع ليتحدثوا عنها على أنها موجة جديدة من موجات الربيع العربي، كنت قد قلت في مقال لي إن هذه التطورات تشعرنا بأنها لعبة خفية أكثر من كونها إحدى موجات ذلك الربيع”.
وتابع: “كان يبدو أنه من الصعب للغاية أن يحمي الشعب السوداني ثورتهم من لصوص الثورات. بل على العكس تماما؛ إذ إن سقوط السودان في براثن هذه الأزمة، وهو يحكمه البشير وبالرغم من كل السمات السلبية الحالية، كان يحمل في طياته خطر التحول إلى مشكلة استقرار جدية تضرب القارة السمراء بأسرها.
تمتلئ فترة حكم البشير، التي استمرت لثلاثة عقود واستحقت كل أنواع الانتقادات، بالكثير من نماذج الفشل والحروب الأهلية والانقلابات وتعليق العمل بالدستور والفساد. ولهذا السبب لم يكن هناك شيء محق بقدر مطالبة الشعب السوداني بسقوط هذا النظام الذي لم يعد الشعب يرض عنه ليحل محله نظام يأتي إلى السلطة بمشاركة شعبية كبيرة وشفافية ويكون خاضعا للمحاسبة أمام الجميع.
لقد قطعت الحركة الشعبية في السودان شوطا كبيرا في دعوى الإرادة التي قادتها بإصرار كبير حتى يومنا هذا. غير أنها عجزت عن القيام بثورة حتى هذه اللحظة؛ إذ إن ما فعلته فقط هو استبدال نظام عسكري بنظام عسكري آخر.
ولا شك أن الشعب المنتفض لا يقبل محاولة إخماد ثورته التي لم تكتمل بانقلاب عسكري. ولهذا فإن الميادين تمتلئ أكثر من اليوم الأول بمزيد من المتظاهرين الذين يطالبون بتنفيذ مطالبهم على مستوى ثورة.
لكن خلال هذه المرحلة من الأحداث فإن لصوص الثورة أو قتلتها الإقليميين والدوليين المعروفين لا يوقفون أبدا عما يفعلونه؛ إذ يبذلون قصارى جهدهم لوأد الثورة أو سرقتها في مهدها.
بدأت الضغوط المكثفة من دول الخليج المعروفة على المجلس العسكري المشكل من 10 جنرالات في السودان منذ اليوم الأول. فهناك لوبي ذو محور إماراتي – سعودي – مصري يحاول بشتى الطرق رسم خريطة لأعضاء المجلس العسكري. وتضم هذه الخريطة التوصية بالاقتداء بالنموذج المصري وإطلاق النار – إن تطلب الأمر – عشوائيا على الجماهير التي ملأت الميادين من أجل قتل بضعة آلاف منهم. وبهذه الطريقة تضطر الجماهير للعودة إلى منازلها طوعا أو كرها وتوءد ثورة الشعب السوداني وهي لم تولد بعد.
لا ريب أن الشعب السوداني يتمتع بوعي كبير إزاء محاولة الإمارات والسعودية ومصر والولايات المتحدة ودول أوروبا سرقة ثورته، فأبناء السودان يظهرون على الساحة ردود أفعالهم تجاه كل محاولة تدخل. لكن أي تدابير سيتخذون لمواجهة محاولة سرقة ثورتهم عنوة؟ وهل سيصغي لهم المجلس العسكري الذي أسقط البشير استجابة لمطالب الشعب أم أنه سيفعل ما يريده قتلة الثورات الشرسون الذين يطوفون حول ثورتهم مثلما يفعل العقاب وهو يحوم حول فريسته؟
لا يخفى على أحد أنه إذا ما انصاع أعضاء المجلس العسكري للعروض التي سيقدمها قتلة الثورات، فإن ما سينتظر السودان مستقبلا سيكون الظلم والاستعباد والفقر الذي سيكون تعويض خسارته صعبا للغاية ولن يدفع ثمنه أحد سوى الشعب السوداني نفسه.
يبدو أن ما اقترفه لصوص/قتلة الثورات هؤلاء في مصر واليمن يخبر أو يضمن ما سيفعلونه بيد حفتر في ليبيا هذه الأيام. وكان حفتر قد أعلن أنه بسط نفوذه على مقاليد الحكم في ليبيا بالإمكانيات العسكرية التي حصل عليها من لصوص الثورات أنفسهم عقب الانقلاب العسكري في مصر مباشرة في الوقت الذي كانت فيه عملية الحوار الوطني جارية في ليبيا بشكل أو بآخر.
لم يكن هناك شيء مكّن حفتر من إعلان سيادته على ليبيا سوى الأسلحة والقوة الجوية التي حصل عليها. أما المجتمع الدولي فكان، ولا يزال، يعترف بحكومة الاتفاق الوطني في طرابلس على أنها ممثل الشعب الليبي. لكن ليبيا كانت على أرض الواقع قد مزقت بفعل مواقف حفتر الذي لا يعرف للقانون سبيلا بعدما سيطر بقوة السلاح على جزء من ليبيا عجز الشعب عن السيطرة عليه على الساحة.
وقبل فترة قصيرة بدأ حفتر يتحرك للقضاء على هذا الانقسام ليس من أجل الشرعية بل في سبيل استبداده، ليخرج من أجل احتلال طرابلس، وهو الطريق الذي لم يبحث وهو يسير فيه عن أي حوار مع حكومة طرابلس وممثلي الشعب، بل إنه يحاول أسْر الشعب الليبي أجمع بقوة السلاح.
هذا فضلا أن حفتر لا يعد الشعب الليبي بأي شيء من مظاهر الحكم العادل من حسن الإدارة والاستقرار والمشاركة العادلة والديمقراطية والتمثيل. فالشيء الوحيد الذي يريده هو احتلال كامل الأراضي الليبية. ولهذا فقد رفعت بحقه شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها ضد المدنيين والتي أفضت حتى اليوم إلى مقتل المئات وإصابة الآلاف وتشريد عشرات الآلاف من الليبيين. وهو ما دفع الأمم المتحدة لتعلن أن ما فعله يعتبر جرائم حرب لا يمكن قبولها.
بيد أن مجرم الحرب هذا لم يرتكب جريمته بمفرده، بل إن هناك من حرضه ودعمه صراحة لا من دول الخليج وحسب، بل وكذلك العالم الذي يقال له ديمقراطي. فالولايات المتحدة وفرنسا لا تعترضان أبدا على أسْر حفتر، الذي لا يمتلك شيئا سوى القوة العسكرية، لأبناء شعب حر في سبيل قتله.
وترى الذين يتجرؤون على تلقين تركيا درسا في الإنسانية بسبب واقعة حدثت عام 1915 اليوم وهم يدعمون – دون حياء – شخصا يطمح لأن يكون ديكتاتورا يرتكب المجازر العلنية، فيقتل المدنيين ويأسر من ينجو منهم من بين مخالبه، كل ذلك من أجل المزيد من النفط. ولهذا فإن هذه الأحداث المخزية تكفي، بل وتزيد، لإدانة العالم الغربي اليوم”.
.
وكالات