أعلنت الولايات المتحدة الاثنين أنها لن تجدد الإعفاءات الخاصة التي سمحت لثماني دول، بما فيها تركيا، باستيراد النفط الإيراني دون انتهاك العقوبات الجديدة. ويمثل هذا القرار المرحلة الثالثة من الحظر الذي فرضته واشنطن بعد انسحابها من جانب واحد من الصفقة النووية الإيرانية. خطوتان أوليتان، تم اتخاذهما في أغسطس ونوفمبر 2018، تنطويان على عقوبات اقتصادية. الهدف الحالي لإدارة ترامب هو خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، ابتداء من 2 مايو وإجبار إيران على الاستسلام.
يبدو أن عام 2019 سيكون عاماً للتوسع الإسرائيلي في الشرق الأوسط، لكنه قد يشهد أيضاً بعض النقاش الساخن حول إيران. بعد كل شيء، تواصل واشنطن تنفيذ سياستها لاحتواء هذا البلد تدريجياً. والواقع أن قرار ترامب بعدم تجديد الإعفاءات هو استمرار لقراره تصنيف الحرس الثوري الإيراني على أنه كيان إرهابي.
وسيكون لهذا النهج المتشدد تأثير على إيران وكذلك على ميزان القوى الإقليمي والعالمي.
بادئ ذي بدء، دعونا نرى كيف سيؤثر هذا القرار على أسواق النفط العالمية. بغض النظر عن كل شيء، ستزيد العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران من مشاكل الإمداد الحالية، بسبب الوضع في فنزويلا وليبيا ونيجيريا. هناك حديث بين أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” بأن إتفاقية الإنتاج قد تكون في خطر. ولمنع حدوث نقص في النفط، تحث واشنطن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكلاهما عضو في الكتلة المعادية لإيران، على زيادة الإنتاج.
رغم أن سعر النفط سيرتفع، إلا أنه من الآمن افتراض أن نتائج العقوبات الأمريكية ستكون قابلة للتحكم جزئياً.
ثانياً، الاقتصاد الإيراني على وشك مواجهة تحديات أكبر بكثير. رغم أن المسؤولين الإيرانيين يقولون إن بلادهم معتادة على العقوبات والاستبعاد من النظام الدولي، فإن نهج واشنطن المتشدد سيكون له تأثير مباشر على الحياة اليومية للسكان. وعلى الحكومة الإيرانية أن تكون مستعدة للتعرض لنيران الداخل، بسبب سعيها للتسلح النووي والباليستي، وكذلك دعمها للوكلاء-الفصائل المسلحة التي تقاتل خارج حدود إيران. إن الشعب الإيراني، الذي لا يشعر بالرضا بالفعل عن إنفاق حكومته في سوريا، سيتحمل مشاكل جديدة.
وفي داخل البلاد، حيث يشكل الشباب نسبة كبيرة من السكان، لا تزال نسبة البطالة بين خريجي الجامعات حوالي 50 في المائة. ويمكن أن تؤدي العقوبات الأمريكية إلى ارتفاع هذه النسبة، مما يجعل الاحتجاجات والتوترات المحلية أكثر ترجيحاً. يمكن للنظام في طهران أن يستخدم قرار واشنطن لدعم التوسعية الإسرائيلية، مما سيزيد الموقف سوءاً لأن إيران ستستخدمه كذخيرة أيديولوجية. لكن من غير المرجح أن تستمر إيران أكثر من عام أو عامين تحت الضغط المتصاعد.
المشكلة الأخرى هي أن مستوردي النفط الإيراني سيتم استبعادهم من النظام المالي الأمريكي. وستواجه كلاً من الهند وكوريا الجنوبية والصين واليابان وتركيا تأثيرات أكثر خطورة من غيرها من الدول. لا تغطي “إنستكس”، وهي قناة معاملات جديدة أنشأها الاتحاد الأوروبي مع إيران، المناطق التي تستهدفها العقوبات الأمريكية. وليس من المحتمل أن تسهّل هذه الآلية عودة الشركات التي تعمل مع الولايات المتحدة إلى السوق الإيراني. يمكن أن تكون “إنستكس” جذابةً للمؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تولي أهمية لأعمالها في إيران، أكثر من الولايات المتحدة.
إذا لم يوجد نظام بديل فعّال لنظام “سويفت” -نظام التحويلات المالية والمعاملات بين البنوك- الذي يمثل أكبر عقبة أمام التجارة مع إيران، يبدو من غير المحتمل أن تكون إيران قادرة على تحمل الضغط الأمريكي، مما يعني أنه يجب على روسيا والصين والاتحاد الأوروبي العمل معاً. علماً أن إدارة ترامب تفرض حالياً عقوبات على روسيا والصين، في حين أن ألمانيا تجد نفسها مهددة بالعقوبات لاستيراد الغاز الطبيعي الروسي.
تضغط أمريكا بقيادة ترامب على القوى العالمية الرائدة وتفرض مصلحتها الوطنية ونظامها القانوني على بقية العالم، كما لو كان قانوناً عالمياً. تتحدى واشنطن -وربما تفكك- النظام الدولي الليبرالي الذي بنته بمفردها بعد الحرب العالمية الثانية.
وقريباً، ستجد القوى العظمى نفسها غير قادرة على الاستجابة فعلياً للأحادية الأمريكية.
وستفسح فكرة النظام العالمي الأمريكي أحادي الجانب ببطء ولكن بثبات المجال أمام ظهور فكرة الاضطرابات أمريكية الصنع. عندها، ستحتاج جميع الأطراف إلى إجراء حساباتها الإستراتيجية وفقاً لذلك.
بواسطة/برهان الدين دوران