استعرض الكاتب والباحث السياسي المختص في الشأن التركي، د. سعيد الحاج، تقييمًا حول قرار اللجنة العليا للانتخابات التركية، إلغاء انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، وإعادة إجرائها في 23 يونيو/ حزيران المقبل.
وجاء قرار اللجنة العليا للانتخابات استجابة للاعتراضات المقدمة من حزب العدالة والتنمية (الحاكم) وبأغلبية كبيرة، حيث وافق 7 أعضاء على اعتراضات العدالة والتنمية، مقابل اعتراض 4 أعضاء.
وفي 31 مارس/آذار الماضي، شهدت تركيا انتخابات محلية، أفرزت فوز العدالة والتنمية في عموم البلاد، إلا أن المعارضة تصدرت على مستوى رئاسة بلديتي أنقرة وإسطنبول، وسط شكوك حول صحة بعض النتائج سيما في الأخيرة.
ورأى الحاج، في منشور على صفحته بموقع “فيس بوك”، أن قرار اللجنة العليا للانتخابات هو قانوني مستوف للشروط، من الناحية الإجرائية، حيث تم ضمن مسار الطعون المكفول دستورياً، وتحت سقف مرجعيته التي هي اللجنة العليا للانتخابات، ووفق الخطوات المتبعة قانونياً على 4 مراحل، وبتصويت 7 مقابل 4 من أعضاء اللجنة.
ومن الناحية السياسية، قال الحاج إنه من الصعب على العدالة والتنمية أن يقنع المتربصين به خارجياً والمعارضة في الداخل وربما بعض أنصاره بأن القرار قانوني صرف ولا ضغوط سياسية ساهمت فيه، مع سيل التصريحات من قياداته وخصوصاً تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان الأخير بأن “المواطنين يريدون إعادة الانتخابات”. (المعارضة كذلك أصدرت تصريحات كثيرة، لكن لا مقارنة في التأثير بينهما).
ووفقًا للحاج، فإن مسوغ القرار ليس التلاعب ولا التزوير ولا التغيير في كشوفات الناخبين وما شابه من سياقات، وإنما كون عدد من رؤساء لجان الصناديق (225) وأعضاء اللجان (3500) من غير الموظفين الحكوميين بخلاف ما ينص عليه القانون (عدد الصناديق في إسطنبول أكثر من 31 ألفاً)، وأن عدد المصوتين في هذه الصناديق أكبر من الفارق بين المرشحَيْن ما يعني أنه يمكن أن يؤثر على النتيجة.
ولذلك فقد قبلت اللجنة العليا للانتخابات طلب إعادة انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى، بينما رفضت طلب الإعادة في حي “بويوك تشكمجة” بناء على طلب العدالة والتنمية (حيث دار الحديث عن التزوير ونقل كشوفات الناخبين..الخ) وحي “مالتبة” بناء على طلب الحركة القومية.
وأضاف أن قرار اللجنة العليا للانتخابات يترك ثغرة مهمة، وهي إلغاء نتيجة إسطنبول الكبرى مع الإبقاء على نتائج البلديات الفرعية، رغم أن اللجان المقصودة بالقرار أشرفت على الأمرين معاً.
ربما رأت اللجنة أن عدد الصناديق والناخبين فيهم ليس مؤثراً في نتيجة كل بلدية على حدة وإنما مؤثر في مجموعة على نتيجة كامل إسطنبول، لكنه سيبقى أمراً جدلياً وأعتقد أن المعارضة ستستغله.
وأشار إلى تراجع الليرة التركية سريعاً أمام العملات الأجنبية بعد القرار، مبينًا أن الليرة “ستكون أمام ضغوط كبيرة (وبعض المؤشرات الاقتصادية الأخرى ربما) خلال الحملة الانتخابية. لكنه ليس الأثر الوحيد لإعادة الانتخابات”.
وقال إن حدة الاستقطاب سترتفع في البلاد خلال انتخابات الإعادة وربما بعدها. وباعتبار أن الفارق بين المرشحين (سيبقون هم نفسهم في الإعادة) ضئيل، ربما تحاول الأحزاب الكبيرة استمالة أحزاب صغيرة إضافية غير تلك المتحالفة معها، ما قد يؤثر في النتيجة.
مثلاً هناك أقاويل بأن مرشح حزب السعادة قد ينسحب لصالح مرشح الشعب الجمهوري، وهو كان حصل على أكثر من 100 ألف صوت فيما الفارق أقل من 13 ألفاً.
وتابع: لا أحد، لا أحد أبداً، يمكنه التكهن بقرار الناخب في انتخابات الإعادة. صحيح أن نتيجة 31 آذار الماضي مهمة، والحملة الانتخابية المقبلة قد تؤثر، لكن أعتقد أن العامل الرئيس سيكون كيفية تقييم الناخب لقراءة الأحزاب السياسية للنتائج السابقة وتعاملها معها، وفي مقدمة ذلك قرار الإعادة.
معركة الإعادة في إسطنبول باتت مسألة حياة أو موت بالنسبة للعدالة والتنمية، لأن الخسارة فيها لن تعني فقط تأكيد فوز المعارضة وتقوية موقفها وخطابها في مواجهة أردوغان والحزب، وإنما لأنها ستفاقم التدافعات الداخلية في الحزب، وقد نشهد فعلاً تأسيس حزب جديد من قياداته السابقة في حال خسر الانتخابات.
أخيراً، بغض النظر عن كون ذلك حقه القانوني، وأن الأمور سارت في مسارها الدستوري، وبغض النظر أكان هناك ضغوط سياسية على اللجنة العليا للانتخابات أم لا، بل بغض النظر عن نتيجة الإعادة، ما زلت أرى أنه لم يكن من مصلحة العدالة والتنمية وتركيا طلب الإلغاء والإعادة، لما لذلك من تداعيات سلبية محتملة تتجاوز فكرة الفوز أو الخسارة في إسطنبول لتصل لصورة تركيا ومسيرتها الديمقراطية واستقلالية لجنة الانتخابات فيها ..الخ، على صعيد الانطباعات إن لم يكن الحقائق، والأولى أهم كثيراً في بعض الأحيان من الثانية في عالم السياسة.
.
وكالات