يمثُل نيلز هوغل، أحد أعنف القتلة في ألمانيا، أمام المحكمة للمرة الثالثة منذ العام 2006، ويواجه تهماً بقتل أعداد كبيرة من المرضى خلال سنوات عمله كممرض في المستشفى، حتى بات يوصف بـ «السفاح».
ولا تزال قصته يشوبها الغموض، فعندما وصل هوغل إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى دلمنهورست، كان يحمل خطاب توصيةٍ رائعاً، يصفه بأنه شخصٌ يعمل «مستقلاً وبإتقانٍ». وجاء في الخطاب أنه في الأزمات يستجيب «بعنايةٍ»، وأنه يتخذ «إجراءات صحيحة من الناحية الفنية».
ولم يكن بالخطاب إشارةٌ إلى أن المسؤولين في المستشفى السابق الذي عمل به هوغل في أولدنبرغ بألمانيا، قد شعروا بارتيابٍ بالغٍ حيال عدد الوفيات التي وقعت أثناء فترة عمله، ولا أنهم منعوه من التواصل مع المرضى، وأنهم فعلياً دفعوه إلى الرحيل، بحسب ما ذكرت صحيفة The New York Times، الجمعة 10 مايو/أيار 2019.
وسرعان ما نمت شكوكٌ مشابهةٌ في دلمنهورست، ففي غضون أربعة أشهرٍ، توفِّيت مريضةٌ تُدعى بريجيت إيه أثناء رعايته لها، وتبعها آخرون.
واليوم، يُعتَبر هوغل (42 عاماً) هو أعنف السفاحين في تاريخ ألمانيا منذ بداية فترة السلام، وربما في تاريخ العالم كله. إذ يعتقد المسؤولون أن ما يصل إلى 300 مريضٍ قد ماتوا على يديه على مدار خمس سنواتٍ، بدءاً من عام 2000، وفقاً للصحيفة الأمريكية.
ومع ذلك، استغرق الأمر عقداً من الزمان حتى فتحت السلطات تحقيقاً كاملاً، واستخرجوا ما يزيد عن 130 جثماناً في ألمانيا، وبولندا، وتركيا، بينما كافحوا لأجل الوقوف على حجم جرائمه. وقد اعترف هوغل بقتل 43 شخصاً، ولم يستبعد قتل 52 آخرين وأنكر خمس جرائم قتلٍ.
وطرح عددُ جرائم القتل والفترةُ التي مضت قبل نشوء الشكوك حول أفعاله تساؤلاتٍ غيرَ مريحةٍ بالنسبة لألمانيا، منها إن كان الإذعان ذاته للسلطات العليا، والوَلع ذاته بالمنهج هما اللذان ساعدا على ارتكاب جرائم الحقبة النازية، قد سمحا لهوغل بارتكاب جرائم قتلٍ متواصلةٍ دون رادعٍ طيلة هذا الوقت.
وقال كريستيان مارباخ، الذي كان جدُّه أحد ضحايا هوغل: «إذا كان ممكناً في ألمانيا أن تظلَّ 300 جريمة قتلٍ طيَّ الكتمان على مدار 15 عاماً، فما الأمور الأخرى الممكنة غير ذلك؟ ما الذي يلزم الشعب الألماني لكي يأخذ موقفاً ويعير الانتباه؟»
ووفقاً لفرانك لوكسترمان، الزميل السابق الوحيد الذي كان صريحاً في شهادته عن عمله برفقة هوغل، فإن «ثقافة غضِّ الطرف والابتعاد عن المشكلات» هي ما حَمَت المشتبه به في نهاية المطاف.
وحالياً، يقضي هوغل حكماً بالسجن المؤبَّد بتهمة قتل مريضَين والمشاركة في قتل أربعةٍ آخرين، والمحاكمة الحالية التي يخضع لها هي محاكمته الثالثة منذ عام 2006.
لكنه هذه المرة يواجه تهماً بقتل أكثر من 100 مريضٍ، 36 منهم في العيادة الرئيسية بأولدنبرغ، و64 آخرون بعد انتقاله إلى دلمنهورست، إحدى ضواحي مدينة بريمن، على مسافة 32 كم تقريباً.
وأمر رئيس المحكمة يباستيان بيرمان بالتحقيق مع ثمانيةٍ من زملاء هوغل السابقين بتهمة الشهادة الزور، بسبب ارتيابه في كذبهم سابقاً على المحكمة، أو كتمانهم أدلةً أثناء المحاكمة الحالية لتغطية بعض الزلَّات.
وقد أفضى بالفعل الكشف عن الإهمال الواضح من طرف سلطات المستشفى إلى تحقيقاتٍ جنائيةٍ أخرى. ووُجِّهت لطبيبَين واثنين من كبيري الممرضين من مستشفى دلمنهورست تهمة القتل غير المتعمَّد. ومن المتوقَّع أن يشهد هوغل في محاكمتهم بعد أن تصل المحكمة إلى حكمٍ نهائيٍّ في قضيته، في يونيو/حزيران كما هو منتظَرٌ.
وأوضح زملاء سابقون، أنه من الأيام الأولى لعمل هوغل ممرِّضاً، فإنه سرعان ما اكتسب شهرةً بكونه شخصاً يستطيع التعامل مع مواقف الحياة أو الموت.
بينما في الحقيقة يقول المدَّعون إنه كان يخلق مواقف يكون فيها الموت والحياة بين يديه، إذ كان يعطي جرعاتٍ زائدةً من العقاقير تتسبَّب في توقُّف القلب، لكي يستطيع العودة سريعاً ومحاولة إنعاش المرضى بطريقةٍ بطوليةٍ.
واستطاع القاتل بهذه الطريقة خداع الآخرين، فأطلق عليه زملاؤه لقب «رامبو الإنعاش»، وكافأوه على مهارته بقلادةٍ مصنوعةٍ من أنابيب الحقن ارتداها باعتزازٍ.
وتُبيِّن السجلَّات أن من ضمن الـ411 حالة وفاةٍ في مستشفى دلمنهورست إبَّان الأعوام الثلاثة التي عمل فيها هناك، حدثت 321 منها أثناء نوباته أو بعدها مباشرةً. ولا تعرف السلطات عدد المرضى الذين يمكن أن يكون قد قتلهم.
ولم تُعرَض على المحكمة سوى حالات الضحايا الذين أمكن استخراج جثثهم وتشريحها بحثاً عن بقايا أدويةٍ مستخدَمةٍ في علاج نبض القلب غير المنتظم، ويمكن أن تكون قاتلةً في حالة زيادة الجرعات.
وقال الدكتور كارل هاينز بين، وهو طبيب أمراض عصبية ألماني بارز، وكبير الأطباء النفسيين في مستشفى سانت ماريان في مدينة هام الألمانية، إن «الممرِّض بدا مدفوعاً بالنرجسية واحتياجٍ إلى سدِّ عجزٍ عميقٍ في شعوره بقيمته».
ومن الحالات المشابهة كانت حالة أحد الأطباء في إنجلترا يُدعَى هارولد شيبمان، أُدين عام 2000 بقتل 15 مريضاً عن طريق الحقن القاتل. وخَلُص التحقيق الحكومي إلى أنه قد قتل 215 شخصاً على الأقل، وانتحر في عام 2004.
وقال الدكتور بين، الذي أجرى بحوثاً عن السفاحين في المهن الطبية منذ عام 1989: «ينتمي نيلز هوغل إلى هذه الأقلية المتطرفة»، مضيفاً أن ما لفت نظره في شهادة هوغل كان انعدام التعاطف لديه، حتى عند الحديث إلى أُسَر الضحايا.
وفي العام الماضي، أدلى هوغل للمرة الأولى بشهادته أمام المحكمة، بعدما كان قد جلس صامتاً ومتجهِّماً أثناء المحاكمات السابقة. وغالباً ما كان يذكر تفاصيل دقيقةً للغاية عن الوفيات. أما عن الحالات الأخرى، فكان يكرِّر بطريقةٍ آليةٍ الإجابة ذاتها المتهكِّمة إلى حدٍّ ما: «لا أذكر، لكن لا يمكنني أن أستبعد حدوث تلاعبٍ ما».
ولا تتضمن المحاكمات في ألمانيا السماح للمشتبه به بالتعقيب على الاتهامات الموجَّهة له أمام المحكمة، لكن بعد يومَين من بدء آخر محاكماته أخبر هوغل المحكمة بشعوره «بالخزي» عند مطالعة السجلات الطبية للمرضى، الذين تراوحت أعمارهم بين 34 و96 سنةً.
وقال هوغل: «في جميع الحالات، حتى بمجرَّد قراءتها، أنا في غاية الأسف». ولم يُثِر الاعتذار إلا مزيداً من التساؤلات حول إمكانية تصديق كلامه.
وجاء في شهادة آرن شميت، الذي هو الآن رئيس الشرطة في كوكسهافن، والذي قاد تحقيقاً في جرائم القتل منذ 2014 حتى 2017 مع شرطة أولدنبرغ: «أنا شخصياً مقتنعٌ بأن المتَّهم ما زال يعيش في نرجسيته حتى اليوم».
وتابع شميت بأن هوغل لم يعترف إلا حينما عُرِضَت أمامه أدلةٌ كافيةٌ، مضيفاً أن الممرِّض كان يتلذَّذ بلعب دور الإله.
ونشأ هوغل في فيلهلمسهافن شمالي ألمانيا، مع أبوَيه وأختٍ كبيرةٍ. وكان أبوه ممرِّضاً وقرَّر في أوائل عمره أن يسير على خطاه.
وفي مرحلةٍ ما، لاحظ زملاؤه أن المرضى كانوا يحتاجون فجأةً إلى الإنعاش أثناء نوبات عمل هوغل. وقال ممرِّضون سابقون للمحكمة إن الناس يموتون في عنابر العناية المركزة، لكن ليس بهذا العدد ولا بهذه السرعة.
ومن ضمن الشهود كانت زميلةٌ سابقةٌ في دلمنهورست، الاسم المعروف لها هو سوزانا كيه، إذ قالت: «في البداية، تظن أنه قدرٌ وحسب، لكن في نقطةٍ ما تنمو لديك الشكوك».
وأردفت بأن زملاء هوغل في أولدنبرغ كانوا يتحدَّثون عنه، لكنَّهم لم يلجأوا إلى مديريهم أو يقدِّموا شكوى خشية تعرُّضهم للتوبيخ، أو لأنهم لم يعتبروا الأمر من شأنهم في دولةٍ يحرص مواطنوها أشدَّ الحرص على خصوصياتهم.
ولمَّا أخبرت ممرضةٌ أخرى في دلمنهورست مديرها بارتيابها في هوغل، لم يُتَّخذ أي رد فعلٍ ولم تتابع هي نتائج شكواها.
وقال الدكتور بين، إنه يطمح إلى أن تُنَمِّي هذه المحاكمةُ الوعيَ بالتقصير في الإبلاغ عن الشكوك، وأن تتعمَّق في الهياكل الهرمية التي تحكم المستشفيات والمؤسَّسات البيروقراطية الكبيرة الأخرى في ألمانيا.
واستشهد بشعارٍ بروسي تتبنَّاه جميع المؤسَّسات البيروقراطية، ألا وهو «الإبلاغ يحرِّرك» -وهو شبيهٌ على نحوٍ مريبٍ بالشعار النازي «العمل يحرِّرك»- ومعناه أنه يكفي أن تُبلِغ عن خطأٍ ما مشتبهٍ به، دون اتِّخاذ أي تدابير أخرى لضمان توقُّفه.
وقال: «بصفتك شخصاً يعمل بالرعاية الطبية، عليك أن تعرف أنك مسؤول عن المرضى، لا عن صورة المستشفى».
ولم تتَّخذ إحدى الممرِّضات الأخريات في دلمنهورست أي إجراءاتٍ أخرى بعد اكتشافها لهوغل وهو يقف أمام مريضٍ بسرطان الرئة يُدعَى ديتر ماس، حتى شهر يونيو/حزيران 2005. إذ كان الجهاز الذي يبقيه على قيد الحياة مُطفَأً، وفي سلة القمامة كانت هناك أربع قاروراتٍ فارغةٍ لدواءٍ لم يصفه الأطباء له. فأسرعت بأخذ عينةٍ من دمه وأرسلتها لإجراء فحوصٍ عليها. وفي اليوم التالي، توفِّي المريض.
ولمَّا بيَّنت نتائج الفحص وجود جرعةٍ عاليةٍ إلى حدٍّ خطيرٍ من أحد أدوية القلب، التقى الطبيب والممرضة المسؤولان لمناقشة الموقف، لكنهما تركا هوغل يُكمِل نوبته.
وخلال تلك الساعات، صارت رينات روبر آخر ضحاياه عن عمرٍ يناهز 67 سنةً.
عند إعلانه نتائج تحقيقه في عام 2017، قال شميت: «إن مسار الأحداث التي وقعت يوم 24 يونيو/حزيران، هو رمزٌ لفشل أولئك المسؤولين بتقديرهم المغلوط كلياً للحقائق الواقعية، وللنتائج المأساوية التي تبعت ذلك على مرضاهم».
ولم يبدأ التحقيق إلا بعد سنواتٍ من الضغط من أقارب الضحايا، وأدَّى إلى المحاكمة الجارية حالياً.
وقد حُقِّق مع مُدَّعيَين سابقَين من أولدنبرغ لتقصيرهما في التحقيق بدرجةٍ كافيةٍ مع هوغل عام 2005، لكن لم توجَّه تهمٌ ضدَّ أيٍّ منهما، ويعمل أحدهما الآن قاضياً في أولدنبرغ.
وافتتح القاضي بيرمان المحاكمة الحالية بدقيقة حدادٍ على أرواح الضحايا. وفي بعض الأحيان، بدت الإجراءات أشبه بلجنة تقصِّي حقائق عن كونها محاكمةً جنائيةً.
وقال القاضي بيرمان في حديثه إلى أحد الشهود: «الغرض من هذه المحاكمة هو توفير أجوبةٍ للأُسَر الذين مات أحباؤهم، ومساعدتهم على فهم كيف حدث الأمر ولماذا حدث».
لكن ماريا تُوتر، صاحبة السبعة والأربعين عاماً، تتوقَّع المزيد. فمنذ ثلاث سنواتٍ، أخبرتها الشرطة بأنهم يظنُّون أن هوغل ربما يكون قد قتل زوجها عدنان. ومنذ ذلك الحين وهي تعاني من الاكتئاب، وفي بعض الأحيان تعاني لمجرَّد الذهاب بسيارتها إلى السوبر ماركت.
وقالت: «حتى حدوث هذا، كنت أرى الأطباء أشخاصاً يفعلون الصواب، كانوا محلَّ ثقةٍ. لكنهم في هذه الحالة تكتَّموا على كل شيءٍ. أريد أن تُطبَّق العدالة أخيراً».
.
المصدر:عربي بوست
انطلقت في إسطنبول أمس فعاليات "ملتقى الأعمال السعودي- التركي"، الذي ينظمه اتحاد الغرف السعودية بالتعاون…
في عملية لمكافحة الدعارة نظمتها الشرطة في كوتاهيا، استهدفت 12 موقعًا، من بينها 3 صالات…
تراجعت نسبة التضخم في تركيا بشهر أكتوبر/تشرين الأول إلى 48.58 بالمئة على أساس سنوي. وأوضحت…
قاصر تركي لديه سجلات جنائية أكثر من عمره! ألقت الشرطة التركية القبض على قاصر…
أعلنت وزارة الداخلية التركية عن إقالة رؤساء بلديات ماردين، باتمان، وهافيلتي التابعين لحزب "DEM" كإجراء…
في صفقة مقايضة غير مألوفة بمدينة قونيا التركية، استبدل الشاب تشاغان حاصيرجي (16 عامًا) سيارة…
هذا الموقع يستعمل ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربة استخدامك.