مجددا تركيا تقاوم وحيدة من أجل إدلب… ولكن!

الكلام ليس موجها لأحد إلا لأولئك “الثورجيين” الذين لا يعرف بعضهم ماذا يريد، وبعضهم الآخر متآمر وبشكل علني، وجزء ثالث منهم جاهل بالواقع على الأرض، وفريق رابع منهم ثقيل جدا على ثورة شعب أطلق تحركه لا من أجل مناصب ولا من أجل أموال أو فنادق بل من أجل حرية وكرامة وحاضر ومستقبل.

هؤلاء “الثورجيين” لا يمثلون ثورة الشعب الطاهرة، ولكنهم يعكرون صفو تلك الطهارة، ويؤخرون تحقيق المطالب المحقة، بل ويخدمون ـ عن قصد أو غير قصد ـ خصوم الشعب والثورة الحقيقية.

كلنا نعرف ما تتعرض له محافظة إدلب السورية اليوم من قصف عشوائي يستهدف المدنيين، في خرق واضح للاتفاق الموقع بين تركيا وروسيا بشأن هذه المحافظة التي تضم نحو 4 ملايين مدني، خرق أًصبح متكررا وغايته الكبرى عملية عسكرية برية واسعة لاجتياح المحافظة.

لا أحد ينكر المآسي والأوجاع التي تحصل هناك، ولكن فليعلم القاصي والداني من أولئك “الثورجيين” أن العملية العسكرية ضد المدنيين هناك كانت اليوم بحكم المنفذة والناجحة لولا التدخل التركي المستمر والضغط التركي الكبير على روسيا… تركيا منفردة وحيدة في الميدان ـ وبما تستطيع ـ مازالت قادرة حتى اليوم على إيقاف مثل هذا التحرك الذي لو حصل سيكون كارثيا، رغم الخروقات المستمرة.

وبالتالي قبل التهجم من قبل أولئك “الثورجيين” على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، عليكم أن تعلموا أن تركيا وكما أنها لم تتخلَّ سابقا عن الشعب السوري، لم تتخل اليوم أيضا عنه، ولسنا هنا في معرض استجداء مدحكم لتركيا، ولكننا في معرض نهيكم عن الخوض في الكذب ضد تركيا والخوض في عرض شخص مازال يقف وحيدا أمام كل العالم ليقول “لا” لكل ما يضر بالشعب السوري وثورته، هو رجب طيب أردوغان، الرئيس الذي يبذل ما يستطيع من جهد، فهو لا يملك عصا سحرية كما يظن البعض!

لولا التدخل التركي اليوم لكنا أمام اجتياح بري لإدلب، ولكن هذا الأمر لن يحصل ولن تسمح تركيا بمثله، وهي تضغط ـ بما تستطيع ـ لمنع ذلك، على عكس ما يروجه من انساقوا خلف حملات التضليل والكذب والافتراء.

أما عمليات القصف المستمرة ضد المدنيين، فهي أيضا موضع إدانة من تركيا وسعي حثيث لإيقافها، ولكن وقبل الافتراء على تركيا الدولة الوحيدة في العالم التي تقف مع ثورة الشعب السوري، لماذا لا يسأل أولئك “الثورجيين” أنفسهم: ما هي ذريعة هذا القصف وما هي غايته… أليس بسبب التذرع بوجود تنظيم “تحرير الشام” الإرهابي؟!

لماذا لا يعمل “الثورجيون” المتبجحون ضد تركيا على انتقاد هذا التنظيم الإرهابي ومطالبته بالرحيل عن إدلب لسحب الذريعة من أيادي مَن يريد شرا بإدلب؟!

لماذا لا نرى أي مساندة لتركيا من قبل أولئك “الثورجيين” من أجل تفكيك هذا التنظيم الإرهابي الذي ربما لم يقتل حتى اليوم جنديا روسيًا واحدا، بل يقوم بتحركات استفزازية كـ”فقعات الماء” ضد الروس من أجل إعطائهم ذريعة لقصف إدلب والمدنيين!؟

لماذا لا يجرؤ أولئك “الثورجيين” على رفع صوتهم أمام الدول العربية والإسلامية ومطالبتها بالضغط على روسيا من أجل إيقاف القصف على إدلب؟! بل يجرؤون فقط على مهاجمة تركيا التي تقف وحيدة إلى جانب إدلب!!

أتريدون من تركيا مثلا أن تعلن سحب نفسها ـ وهذا لن يحصل ـ من كل ما يتعلق بإدلب؟! ماذا سيكون حالكم عندها؟! أم أنكم حينها تكونون قد حققتم هدفكم بترك الثوار الحقيقيين وحيدين في الميدان!!

اقرأ أيضا

الصبر مفتاح الفرج

بدل انتقاد تركيا بعبارات قذرة في هذا الشهر المبارك، تفضلوا إلى الميادين الحقيقية بعيدا عن الفنادق والعواصم والشواطئ… وبدل انتقاد أردوغان، تفضلوا وافعلوا عشر ما فعله هذا الرجل لأجل شعب جار لبلده، وهذا واجبه لا منة فيه… بدل التنظير علينا، تفضلوا وانطقوا بكلمة الحق تجاه من يدعم كل عدو للشعب السوري.

أساس أي ثورة الأخلاق ثم الأخلاق وبدون أخلاق لن تنتصر الثورة، وأنتم أيتها الفئة المدّعية للثورة تسيئون لثورة مباركة وتؤخرون نصرها بقلة أخلاقكم وأكاذيبكم وسيركم في الحملات التي تتعمد ضرب صورة وسمعة تركيا… تركيا التي تحمل اليوم على كاهلها أكبر ملفات الأمة وتقف صامدة ضد مشاريع بيع فلسطين والقدس والمسجد الأقصى ومشاريع تقسيم منطقة الشرق الأوسط ومشاريع تدمير اقتصادها وعملتها… اتقوا الله فيها وأعينوها لنصرتكم.

تركيا تعرف أنكم أيها “الثورجيون” لا تمثلون شعبا عظيما، ولذلك وكما أنها منعت وحيدة في هذا العالم العديد من المجازر التي كانت تحضر ضد السوريين، منعت اليوم ومازالت مستمرة بمنع عمل عسكري بري شامل في إدلب، وهي تعمل وبقوة لإيقاف القصف الجوي والمدفعي أيضا، ولكن من يساندها؟! من يضغط معها على روسيا؟! أي زعيم عربي أو إسلامي رفع سماعة هاتفه واتصل ببوتين في هذا الشأن؟!

لم يجرؤ رئيس واحد في العالم، لا عربي ولا مسلم، على مواجهة روحاني وبوتين من أجل إدلب إلا الرئيس أردوغان… ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، ومن لا يشكر الله لن يرى نصرا.

أتريد أيها “الثورجي” أن تقنعني أنك كنت على وشك تحقيق كل أهداف ثورتك لولا تدخل تركيا والرئيس أردوغان!! كفى كذبا واستخفافا بعقول الناس.

كفى كذبا أيها “الثورجي” أن تركيا “تبيع” سوريا وإدلب مع روسيا، وإلا فعليك أن تأتي بالدليل الحسي الصادق قبل أن تتحفنا بافترائك، وها هي حلب التي كانت على وشك أن تدمر بشكل كامل وكأنها تعرضت لزلزال بقوة 9 درجات، لولا تدخل تركيا وإنقاذها ما تمكنت من إنقاذه، في ظل صمت عربي وإسلامي كامل وفاضح، وإصرار من قبل التنظيمات الإرهابية على البقاء وإعطاء الذرائع ضد المدنيين.

كفى تحريفا للوقائع، وتفضل أيها “الثورجي” وحاسب نفسك ـ إن كنتَ صادقا مع هذه الثورة ـ وقدم للشعب السوري خريطة طريق وطنية واضحة المعالم، لا خريطة مجهولة الطريق والتوجهات، وعليك أن تعلم أن تخوين من صدق مع هذه الثورة لن يأتي بخير عليك وسيضر غيرك.

بدل موجات الشتم واللعن والتخوين والسباب في هذا الشهر المبارك، تفضل أنت وأمثالك وقدموا مشروعا سياسيا يلتف حوله جميع أطياف الشعب السوري، فتركيا في نهاية المطاف ستخرج من سوريا وستبقى الراية بيد الشعب السوري وحده، فاعملوا على وحدة هذا الشعب لا تمزيقه، على وحدة هذا البلد لا تقسيمه، على مستقبل مشرق للأجيال المقبلة لا مستقبل مظلم، على بناء ثقافة أخلاقية تكون مثالا يحتذى به لا ثقافة لعن وشتم وتخوين لكوكب الأرض ولمن صدق معكم.

فلنستفيق ولنعي ما يُحضر لنا جميعا من مؤامرات لتقسيم بلادنا وتشتيت شعوبنا وسرقة ثرواتنا والدوس على رقابنا… فإما أن تعود أيها “الثورجي” إلى جادة الصواب وإلا فاتركنا مع أصحاب الثورة الطاهرة علّ الله ينصرنا على أمثالكم فننتصر على طغاتنا.

نعم مجددا ومرة أخرى تقف تركيا وحيدة في الميدان تدافع عن إدلب بما تقدر عليه وبقدر استطاعتها… ولكن لا يكونَنّ أحدٌ منا “كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا”.

الكاتب التركي: حمزة تكين
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.