كان الصمت يخيّم على الرئيس أردوغان منذ فترة بشأن صفقة منظومة صواريخ إس-400، لكنه خرج عن صمته حول هذه المسألة أمس الأول. فهل يقيم الموضوع من جديد؟
وعندما انتهى هذا الصمت الذي جعلنا نطرح أسئلة من قبيل “هل يبحث أردوغان عن مخرج كي لا يعيش أزمة جديدة مع واشنطن؟”، رأينا أنه لم يطرأ أدنى تغيير على موقفه.
وكان الرئيس التركيّ قد أفاد خلال الجلسة التي جمعته بمجموعة من الشباب عقب إفطار أمس الأول بقوله “لن نتراجع عن صفقة إس-400″، مضيفًا “بعد إتمام هذه الصفقة ستأتي صفقة إس-500، وهي المنظومة التي نطمح للاشتراك في تصنيعها مع الجانب الروسي”.
وتشير هذه الكلمات التي قالها أردوغان إلى أنّ خيار “التأجيل” التي طرح للنقاش كعملية انتقالية سلسة قبل “إلغاء الصفقة” لم يعد كذلك مطروحًا بعد اليوم.
وفي هذه الحالة، فإنه كما أشار أردوغان، يمكننا توقع وصول منظومة إس-400 إلى تركيا في صورة أجزاء بنهاية يونيو المقبل لتنشر في المناطق المحددة سلفًا ويجري تشغيل برمجيتها وتحديد هوية الحلفاء/الأعداء وغير ذلك من الإجراءات خلال المدة الزمنية المحددة.
وتدير إدارة الصناعات الدفاعية التابعة لرئاسة الجمهورية المفاوضات الفنية الخاصة بهذه الصواريخ التي تعاقدت تركيا على شرائها قبل عامين. وقد سنحت لي فرصة مناقشة هذه النقاط مع رئيس إدارة الصناعات الدفاعية إسماعيل دمير الذي أخبرني بأنّ الجدول الزمني يسير بالشكل المتفق عليه مع روسيا، وأنهم لا يرون أي مشكلة.
لن تكون منظومة تابعة للناتو بل تابعة لتركيا
وأعتقد أنه من المفيد توضيح بعض النقاط الحساسة من خلال الأسئلة التي طرحتها على دمير والردود التي حصلت عليها منه.
كان الأمين العام لحلف الناتو ستولتنبرغ قد زار تركيا الأسبوع الماضي وأدلى بتصريحات لقناة “إن تي في” قال فيها وهو يقصد المسؤولين الأتراك “أخبرناهم بأنه لا يمكن أن تعمل أنظمة مختلفة ضمن حلف الناتو”.
تجعلنا هذه العبارة للوهلة الأولى نفكر في هل يا ترى موقف الناتو مختلف عن موقف واشنطن؟ بيد أن ستولتنبرغ نفسه كان قد أفاد في تصريح سابق بأن كل دولة من الدول الأعضاء بالحلف تتمتع بحق شراء هذه الصواريخ شريطة ألا تمثل تهديدا للحلف.
وعندما ذكرت كلام ستولتنبرغ لدمير، أجابني بسرعة بجواب جاهز نظرا لأنه رد على هذا السؤال مرات عديدة؛ إذ قال:
“لقد قلنا مرارًا وتكرارًا إنّ هذه المنظومة لن تعمل ضمن نظام الناتو وإننا سننجز الأعمال اللازمة كما ينبغي أن تكون. فإذا اتخذتم التدابير اللازمة فلن تهدد هذه المنظومة أبدًا أنظمة الناتو. كما أخبرناهم بأنّنا على استعداد لأي حوار كي نبدد مخاوفهم هذه”.
وتظهر هذه العبارات أن:
1- صواريخ إس-400 لن تكون تابعة للناتو بل تابعة لتركيا.
2- لن تشكل هذه الصواريخ أي تهديد على الحلف من خلال اتخاذ “التدابير اللازمة”، أي ضبط نظام التعرف إلى الحلفاء/الأعداء بشكل متوافق مع نظام الناتو.
3- تركيا منفتحة على الحوار لتبديد أي مخاوف أخرى محتملة.
النوايا الأمريكية مختلفة
نفهم مما سبق أنّ موقف أنقرة الخاص بمنظومة إس-400 إزاء واشنطن قائم على مبادئ أساسية مشابهة. ويمكنني القول إنّ هناك تقدمًا من خلال أفكار لا تترك معذرة أبدًا مع وجود علامات استفهام حول النية الحقيقية التي تحملها واشنطن.
وردًّا على مقترح “التأجيل” القادم من واشنطن، يأتي سؤال من وزير الخارجية تشاوش أوغلو عندما قال “كيف نؤجل صفقة تمت الاتفاق عليها والتوقيع على عقودها وسداد جزء من مستحقاتها؟”
وأما إذا كانت القضية قضية تهديد أمن أنظمة الناتو أو طائرات إف- 35، فإنّ تركيا ترسل رسالة مفادها أنها مستعدة للتفاوض بشأن هذه النقاط بكل تفاصيلها. وهذه هي استراتيجية “عدم ترك أي معذرة” للولايات المتحدة التي أتحدث عنها.
وإذ نظرتم إلى المسألة بشكل عكسي، يمكننا الحديث في هذا المقام عن موقف يمكن أن يكشف النقاب عن تفاصيل سؤال “ماذا يهم الولايات المتحدة حقًّا؟”
هل يحركهم حقًّا الخوف من تهديد صواريخ إس-400 نظام الناتو أو طائرات إف-35؟ أم الذي يحركهم هو كونهم معارضين بشكل قاطع لشراء تركيا نظاما كهذا؟
وسأنهي مقالي اليوم بالإشارة إلى كلمات إسماعيل دمير حول هذه النقطة:
“نحن نهتم بالجانب التقني من الصفقة ونؤمن بأننا قادرون على حلّ أيّ مشكلة وتبديد مخاوف أيّ أحد. فنحن مستعدون لطرح كلّ الحلول على الطاولة سواء داخل القوات المسلحة التركية أو من خلال زملائنا الفنيين الآخرين. كما أننا على استعداد لتفاوض إذا ما قدموا لنا سببًا ملموسًا كي لا نشتري هذه المنظومة”.