تعيش منطقة الخليج العربي على وقع توتر متصاعد مع إيران، منذ اتهام السعودية لطهران باستهداف منشآت وناقلات نفط في مياه الخليج، عبر جماعة “الحوثي” اليمنية.
وفي ظل تهديدات متبادلة بين طهران وواشنطن، أرسلت الأخيرة حاملة الطائرات “أبراهام لنكولن” وطائرات قاذفة إلى الشرق الأوسط؛ بدعوى وجود معلومات استخباراتية حول احتمال شن إيران هجمات ضد المصالح الأمريكية بالمنطقة.
ومع تزايد التوتر والتحذير من نشوب حرب، دعت السعودية لقمتين عربية وخليجية في 30 مايو/ أيار الجاري (الموافق الخميس)، لبحث التهديدات الراهنة، عقب استهداف أربع سفن تجارية بالمياه الإقليمية للإمارات، بينهما سفينتان سعوديتان، بخلاف استهداف حوثي لمحطتي ضخ نفط تابعتين لشركة “أرامكو” السعودية.
وغداة القمتين تعقد الدورة الـ14 للقمة الإسلامية العادية لمنظمة التعاون الإسلامي في مكة، الجمعة.
ووفقا لأكاديمي مصري، في حديث للأناضول، فإن القمم الثلاث تحمل عنوانا رئيسيا واحدا، هو “مواجهة التحديات والمخاطر الإيرانية”، عبر حشد عربي وخليجي ودولي.
بجانب ذلك الملف، يرى محللان سياسيان أنه ستكون هناك قضايا أخرى، منها البحث عن موقف عربي من “صفقة القرن”، ومؤتمر البحرين الاقتصادي المرتقب، وكذلك ظاهرة الإرهاب.
ويعتبر خبير عسكري سعودي، أن البيت الخليجي وكذلك العربي، “يعانيان من انقسام وجراح، ما يستلزم توحيد الصفوف”.
وبينما يستبعد محللان طرح الأزمة الخليجية مع قطر، يرى آخران أنه من المفترض أن تضع القمتان نهاية لأسوأ أزمة منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981.
– إيران و”صفقة القرن”
الأكاديمي المصري، أستاذ العلاقات الدولية، طارق فهمي، يقول للأناضول، إن القمم الثلاث تحمل هدفا واحدا، وهو حشد أكبر قدر من المواقف العربية والإسلامية في “مواجهة التحديات والمخاطر الإيرانية”.
ويشير أن السعودية سبق وأن أنشأت عام 2015، تحالفا إسلاميا لمكافحة الإرهاب، ونجحت في حشد عدد كبير من الدول.
ويتابع: “القضية ليست في الحشد، ولكن حضور عدد كبير من القادة والدول سيبعث برسالة مفادها أن السعودية تحظى بدعم عربي وإسلامي ودولي ضد التهديات الإيرانية”.
وعن إمكانية تبلور حلف “ناتو عربي”، يعتقد فهمي أن القمة يمكن أن تتمخض عن تحالف سياسي، لكن ليس عسكريا أو استراتيجيا، وربما يشمل آلية جديدة في التعاون أو امتداد للتحالف الإسلامي.
ويضيف بأن تحفظ مصر يعطل إمكانية الإعلان عن “ناتو” عربي، حيث غابت القاهرة عن الاجتماع الأخير بشأن هذا الملف بالرياض في أبريل/نيسان الماضي.
ويلفت إلى وجود توجه سعودي نحو العالم الإسلامي، وخاصة نحو إسلام آباد، حيث تعول الرياض على القوة العسكرية الباكستانية، وشهدت الفترة الأخيرة زيارات وعلاقات متنامية.. فالرياض تنتقل من الخليجي إلى العربي والإسلامي.
ويعتبر أن توترات الخليج في المربع الأول، والجميع ما يزال يرتب أوراقه، وسيناقش القادة إعادة الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة.
ويؤكد الأكاديمي المصري أن القضية الفلسطينية و”صفقة القرن” ستكون ضمن جدول أعمال القمة الإسلامية.
و”صفقة القرن” هي خطة سلام تعتزم واشنطن الإعلان عنها بعد شهر رمضان الجاري، ويتردد أنها تقوم على إجبار الفلسطينيين – بمساعدة دول عربية – على تقديم تنازلات مجحفة لصالح إسرائيل، خاصة بشأن وضع القدس وحق عودة اللاجئين.
ويتابع: “لا بد من طرح رؤية عربية إسلامية للتعامل مع المشروع الأمريكي للتسوية، وكذلك مواقف واضحة ضد التسويات المنقوصة التي ستتم في الإقليم”.
ودعا فهمي إلى استثمار “الحشد الهائل” في القمم الثلاث لمناقشة كافة القضايا العربية والإسلامية، فيما اعتبر أن الأزمة الخليجية فرعية، وستُنحى جانبا وسط القضايا الرئيسية، ولن تكون ضمن البيان الختامي.
وفي أسوأ أزمة تشهدها دول الخليج العربي، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر في 5 يونيو/ حزيران 2017، علاقاتها مع قطر، ثم فرضت عليها “إجراءات عقابية”.
وتتهم تلك الدول الأربعة، قطر بدعم الإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة وتتهم الرباعي بالسعي إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني.
ويرجّح فهمي أن السعودية ستصل إلى مبتغاها من القمم الثلاث، بفضل مكانتها العربية والإسلامية.
– إطلاق ثورة
سعيد صادق، المحلل السياسي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة، يتفق أيضا على أن الملف الرئيسي هو التهديدات الإيرانية.
ويقول صادق ، إن القمم الثلاث ستناقش بلورة فعلية لتشكيل حلف ضد إيران، لكنه يستبعد نشوب حرب معها.
ويذكر أن دول الخليج لا تتمنى الحرب، وإنما سيتم التشاور حول مزيد من الضغوط النفسية والاقتصادية حتى اندلاع ثورة شعبية من داخل إيران وإسقاط النظام.
ويضيف أن القضية الفلسطينية ومؤتمر البحرين، سيكونا حاضرين بقوة، خاصة مع قرب الإعلان عن “صفقة القرن”.
وبالشراكة مع واشنطن، تستضيف المنامة، في 25 و26 يونيو/ حزيران المقبل، مؤتمرا يبحث سبل جذب استثمارات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ودول المنطقة.
وأعلنت القيادة والفصائل ورجال أعمال فلسطينيين مقاطعتهم للمؤتمر، باعتباره أول فعالية ضمن “صفقة القرن”، بينما أعلنت دول عربية، بينها السعودية والإمارات، مشاركتها في المؤتمر.
– خلاف أمريكي إيراني
المحلل السياسي المصري، مختار غباشي، يقول إن الملف الرئيسي للقمم الثلاثة هو بحث سبل تحجيم دور إيران في المنطقة.
ويذكر غباشي للأناضول، أن هناك ملفات أخرى، منها مستجدات القضية الفلسطينية، والتصدي لظاهرة الإرهاب المتنامية بشكل كبير عربيا وأوروبيا، وبلورة قوة عسكرية عربية وإسلامية، أو ما يسمى بـ”الناتو العربي”.
ويعتبر أن الأزمة في أصلها خلاف بين واشنطن وطهران، وما يحدث هو جر للعالم العربي إلى حرب مع إيران، لخدمة الولايات المتحدة وإسرائيل، مؤكدًا أن “كل الأطراف خاسرة”.
وخلافا للمحللين السابقين، يقول غباشي إن الأزمة الخليجية ستكون حاضرة بقوة في القمة الخليجية، مع تنامي دور كبير للوساطة من جانب سلطنة عمان والكويت.
– ترتيب البيت العربي
من جهته، الخبير العسكري والاستراتيجي السعودي، أحمد الشهري، يعتبر أن دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى القمتين الخليجية والعربية تهدف إلى ترتيب البيت العربي والخليجي.
ويقول الشهري، في تصريحات صحفية، إن “البيت الخليجي يعاني من انقسام وجراح، كما أن البيت العربي يعاني من جراح دامية، ابتداء من العراق وسوريا ولبنان والسودان والجزائر وليبيا وصولا إلى اليمن”.
ويشدد على ضرورة “توحيد الصفوف لموقف حازم تجاه المهدد الوحيد للمنظومة العربية والمنظومة الخليجية، وهو مهدد وجودي (يقصد إيران)”.
ويردف: “ليس أمامك سوى أن تكون بالسفينة التي ستضم دول الخليج والدول العربية، وبمساعدة المجتمع الدولي، للعبور بسلام من تلك التهديدات”.
– تباينات عربية
فيما يقول الكاتب الصحفي الأردني، فهد الخيطان، إنه ليس صعبا على القيادة السعودية حشد الدعم العربي والخليجي في مواجهة إيران، رغم التباينات الطفيفة في مواقف دول عربية حيال التهديد الإيراني.
واستدرك الخيطان، في مقال بصحيفة “الغد” الأردنية، الأسبوع الماضي: “لكن الأزمة الخليجية مع قطر ربما تحول دون تحقيق الإجماع الخليجي والعربي، ولهذا يفترض بالقمتين أن تضعا حدا لهذا الخلاف أولا”.
تجدر الإشارة أن الملك سلمان، دعا في رسالة خطية، أمير قطر، تميم بن حمد، لحضور القمة الخليجية.
المصدر:A.A